شوقي علام.. 10 سنوات من «السياسة» قبل «الدين»

ذات مصر

تمسك الرئيس عبدالفتاح السيسي، باستمرار الدكتور شوقي علام، في منصب مفتي الديار المصرية للسنة العاشرة على التوالي، مقررًا مد خدمته، لمدة سنة، ليكون ذلك القرار هو الثالث من نوعه بعد تعيينه من قبل الرئيس الراحل محمد مرسي في مارس 2013.

عين شوقي علام مفتيًا للديار المصرية في مارس 2013، وجرى التجديد له في المرة الأولى عام 2021 بعد انتهاء مدتين قضاهما على عرش الإفتاء، وبلوغه سن المعاش، ثم جدد له مرة ثانية عام 2022، لتأتي المرة الثالثة هذا العام، بعد عشر سنوات، 

خلال عشر سنوات قضاها في منصبه، أصدر علام، فتاوى أثارت جدلاً واسعًا في الشارع المصري، تشابكت بعضها مع الواقع المعيشي والسياسي للمصريين، وطالت هذه الفتاوى جوانب اجتماعية وسياسية واقتصادية، وأحدثت جدلاً واسعًا وتساؤلات حول صحتها.

فتاوى اجتماعية

اتجهت الدولة خلال السنوات الأخيرة إلى إلغاء الطلاق الشفهي، وتحويله إلى طلاق الموثق، ما أثار جدلاً واسعًا وخلافات كثيرة، وعارض الأزهر هذه الخطوة، مؤكدًا وقوع الطلاق الشفهي، لكن المفتي أيد الإلغاء، وقال إن الطلاق الشفهي بحاجة إلى تعديل تشريعي، مضيفًا أن الطلاق الشفوي يقع إذا تحقق ذلك وثبت لدى القاضي ذلك بدليل من أدلة الإثبات فإنه يقضي بوقوع الطلاق.

ومن الأمور المعروفة في الإسلام حرمة الذهب على الرجال، لكن المفتي ذهب إلى إطلاق فتوى تجيز لبس الرجال للذهب إذا كان تابعًا لغيره، كفص ذهب في خاتم فضة، مستندًا على رواية الإمام أحمد في كتابه المسند، وأبو داود في كتابه السنن، والنسائي في كتابه المجتبى، عن معاوية بنِ أبى سُفيان رضى الله عنهما: أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم "نَهَى عن لبْسِ الذَّهَبِ إلا مُقطَّعًا".

وأضاف أن الحكمة في الترخيص في يسير الذهب إذا كان تابعًا لغيره: أنه مقاوم للبِلَى ولا يصدأ كغيره من المعادن، ولا تنقصه النار، ولا يغيره مرور الأوقات، وأن كثيرا من فقهاء المذاهب المتبوعة على إباحة اليسير من الذهب إذا كان تابعًا لا مفردًا.

ويشير الفقه الإسلامي إلى عدم جواز سفر المرأة من غير محرم، سواء للحج أو العمل أو أي غرض آخر، ولكن لتغير الظروف والمعطيات في المجتمع المصري، أفتى الدكتور شوقى علام، بجواز سفر المرأة إلى الخارج للعمل إذا توفر الأمن في الإقامة ببلد السفر، وبشرط موافقة ولى الأمر، ولا يُشترط اصطحاب المحرم في حلها وترحالها.

وقال "شوقي" في فتواه: "يجوز للمرأة أن تسافر دون محرَم بشرط اطمئنانها على الأمان في دينها ونفْسها وعِرضها في سفرها وإقامتها وعودتها، وعدم تعرضها لمضايقاتٍ في شخصها أو دِينها، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال له: "فإن طالَت بكَ حَياةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينةَ – أي المسافِرة – تَرتَحِلُ مِنَ الحِيرةِ حتى تَطُوفَ بالكَعبةِ لا تَخافُ أَحَدًا إلَّا اللهَ".

فتاوى سياسية

لم تغب السياسة عن فتاوى علام خصوصًا في ظل الأزمة السياسية التي عاشتها البلاد بعد أحداث ثورتي 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013، وما تلاهما من لجوء جماعة الإخوان الإرهابية إلى العنف واستهداف رجال الشرطة، ليصدر علام فتوى تحرم الانضمام إلى جماعة الإخوان شرعا، حيث أفتى "علام" بأن الانضمام للإخوان حرام شرعاً، وما تروج له إرجاف وإفساد في الأرض وليس جهاداً على الإطلاق.

وأضاف أن تكفير الحاكم أو الدولة واستحلال الدماء المحرمة دعاوى إرجاف يسولها الشيطان لهم وتعد من كبائر الذنوب، موضحاً أن ما تفعله «الإخوان» أشد أنواع البغي والفساد.

ومع نداءات الدولة مرارًا وتكرارًا بتحديد النسل، ورغم الجدل الشرعي الذي أصاب تلك النقطة، لكن دار الإفتاء أصدرت فتوى جواز تحديد وتنظيم النسل، حيث قال المفتي إنه يجوز شرعًا تحديد وتنظيم النسل، لعذر يقتضي ذلك، ويجوز للزوجين أن يلتمسا وسيلة من الوسائل المشروعة لتنظيم عملية الإنجاب بصورة تناسب ظروفهما.

وفسر علام فتواه بأن رأى الدين يدعو للتوازن بين عدد السكان وتحقيق التنمية، حتى لا تؤدى كثرة السكان إلى الفقر، كما استنبط الإمام الشافعي ذلك من قوله عز وجل: "فإن خفتم ألا تعدلوا".

ومن ضمن فتاوى "علام" فتوى بعدم جواز إطلاق لقب "شهيد" على قتلى التظاهرات بدعوى أنها تدعو إلى الفتنة، قائلًا: "إطلاق وصف الشهيد على المسلم الذي مات في معركة مع الأعداء، أو بسبب من الأسباب التي اعتبرت الشريعة من مات به شهيدًا، لا بأس به -كما يقال: المرحوم فلان، ويراد الدعاء له بالرحمة- ما دام لا يقصد القائل القطع بشهادته، وإنما قصد بإطلاقه الاحتساب أو الدعاء".

وأكد المفتي "أن من ذهب للتظاهر أو الاعتصام المشروعين وفقا لقانون التظاهر، وحصلت حوادثُ أدت لمقتله، فيجوز وصفُه بالشهادة دعاءً أو احتسابًا، ما لم يكن معتديًا أو كان سبب هلاكه معصية، كمخالفة القانون، أو الخروج للدعوة إلى فتنة، أو العمل على إذكاء نارها، أو الاعتداء على الأرواح أو الممتلكات العامة أو الخاصة، ونحو ذلك، فمن كان كذلك فليس بشهيد، ولا يجوز إطلاق هذا الوصف الشريف عليه".

فتاوى دينية

أطلق "علام" فتاوى دينية أثارت الجدل، منها فتوى إباحة قطع الصلاة، إذ قال إن المصلي إذا كان ينتظر مكالمة مهمة جدًا لا يمكنه تدارك المصلحة إذا فاتت، أو تجنب ضرر فواتها -حسب ما يغلب على ظنه- "فإنه يجوز له شرعًا قطع الصلاة والرد عليها، وعليه بعد ذلك قضاء الصلاة وابتداؤها مرة أخرى".

ومنها أيضًا، فتوى بجواز تمثيل الصحابة، إذ أصدر فتوى عن حكم تمثيل الصحابة وأمهات المؤمنين في الأعمال التليفزيونية، وقال إنه لا مانع من تمثيلهم إذا كان الهدف من ذلك نبيلًا؛ كتقديم صورةٍ حسنةٍ للمشاهد، واستحضار المعاني التي عاشوها، وتعميق مفهوم القدوة الحسنة من خلالهم، شريطة الالتزام بعدة ضوابط منها، الالتزام باعتقاد أهل السنة فيهم، والتأكيد على حرمة جميع الصحابة، بالإضافة إلى الاعتماد على الروايات الدقيقة وتجنب الروايات الموضوعة والمكذوبة.

واستثنت الإفتاء من هذا الحكم: العشرة المبشرون بالجنة، وأمهات المؤمنين، وبنات المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وآل البيت الكرام؛ فلا يجوز تمثيلهم.

ومثلت قضية تجسيد الأنبياء والصحابة في الأعمال الدرامية والسينمائية على مدار العقود الماضية خلافًا وجدلاً واسعاً بين رجال الدين من جهة، ومنتجي الأعمال الدرامية والمختصين من جهة أخرى، ممن يؤيدون تجسيد الأنبياء وآل البيت والصحابة.

الـ«بيتكوين» حرام

وفي شأن متصل قال المفتي إنه بعد لجوء دار الإفتاء إلى المتخصصين بالعملة المشفرة «بيتكوين»، واستعانتها بعدد من الخبراء وأهل الاختصاص وعلماء الاقتصاد للتوصل إلى حقيقة المسألة، انتهت الدار إلى أنه لا يجوز شرعًا تداول عملة "بيتكوين" لعدمِ اعتبارِها وسيطا مقبولًا للتبادلِ من الجهاتِ المختصَّةِ، ولِمَا تشتمل عليه من الضررِ الناشئ عن الغررِ والجهالةِ والغشِّ، بحسب تعبيره.

وفي معرض رده على سؤال بخصوص حكم التسويق الشبكي، قال المفتي "إن المسائل المتعلقة بالتسويق الشبكي هي من المسائل المتطورة التي تختلف يوما عن يوم، ومن ثم فإنه لابد من الوقوف على كل صورة على حدة، حتى يتبين الحكم الشرعي".

وأضاف: "سبق لدار الإفتاء المصرية أن أفتت بمنع هذا التعامل في صورة معينة وردت إليها، وذلك لما رأت أن الجهالة تكتنف هذا العقد فضلا عن أنه لا يوجد نظام قانوني يضبط هذه المسألة".

وتابع: "فضلا عن أن الصورية متغلغلة ومكتنفة هذا النوع من التعامل ولذلك رأت دار الإفتاء المصرية المنع في هذا الوقت لكن نحتاج إلى الوقوف على كل صورة على حدة حتى نبدى فيها الحكم الشرعي".