عبد الله الأشعل يكتب: المراجعات الحاسمة لتجربة الجماعات الإسلامية في الحكم

ذات مصر

وصلت أحوال الشباب في الجماعات الإسلامية إلى درجة الخطورة على الشباب، وعلى الدين والأوطان الإسلامية، وهذا المستوى الذي سمح بالحديث عن الإرهاب الإسلامي من حيث أن الشخص مسلم وتبريراته دينية بصرف النظر عن الضحايا من المسلمين ومن غيرهم.

ورأيي أن المراجعات تتعلق بأربعة قطاعات: 

القطاع الأول: الفكر السياسي للجماعات.

القطاع الثاني: هو علاقة الحاكم بالمحكوم.

القطاع الثالث: هو مدى دقة المرجعية الإسلامية ودور سلاح التكفير.

القطاع الرابع: مدى إدراك الجماعات لقواعد العلاقات الدولية.

وهذا المقال يحلل تجربة حكم الإسلاميين في مصر وتونس، ولا تدخل في الحساب السعودية وإيران وإسرائيل.

والملاحظ أن التجربتين في مصر وتونس كانتا ثمار ثورتين على خلاف في التفاصيل، فمصر نظام الحكم فيها نظام عسكري ويتم تداول السلطة بين العسكريين وكان واضحا أن ثورة مصر فاجأت السلطات العسكرية ولكن نظام الحكم العسكري قد رتب نفسه بالتحالف مع قوى إقليمية وعالمية ومحلية وكان واضحا أن الثورة تطالب بزوال الحكم العسكري وكانت إسرائيل طرفا في المعادلة فرتبت هذه القوى للمحافظة على الوضع الراهن ضد ما تطالب به الثورة، وكان من السهل إجهاض هذه الثورة.

أما في تونس فلم يكن للجيش دخل في الحياة العامة. والفارق واضح بين الإخوان المسلمين في مصر وفي تونس. وتاريخ العلاقة بين الإخوان والسلطة في مصر قديم لعدة عقود ثم تدهورت بعد عام 1948 بقتل رئيس الوزراء مقابل قتل رئيس الإخوان حسن البنا ثم كانت حرب فلسطين 1948 مناسبة لتوثيق العلاقة بين الفرقة العسكرية التي أرسلت إلى فلسطين وكتائب الإخوان وقام الضباط بحركتهم 23 يوليو وتولى الإخوان تسويقهم ولكن الطرفين اختلفا عام 1954 فانقلب الضباط على حلفائهم. ولا يعرف على وجه التحديد الصلة بين الحكم العسكري بعد رحيل مبارك وبين الإخوان حتى فوجئنا بحركة الجيش والقوى السياسية ونهاية حكم الإخوان.

والمراجعات تؤكد أن بعض طوائف الجماعات الإسلامية تحالفت مع السلطة فنجت، أما من تطلع إلى السلطة فكانت نهايته. وليس صحيحا أن القوى الإسلامية قوى مدنية، فهي على الأصح قوى دينية، وهكذا وقع الصدام بين المكون العسكري السلطوي وبين الإخوان ولذلك فالمراجعة الحاسمة والأمينة ملحة مطلوبة.

أولا: الفكر السياسي للجماعات الإسلامية:

وقع هذا الفكر بين الدين والسياسة، ولوحظ أنه فكر نظري لا يتعامل مع الواقع. ثم إن فكرة السلطة متغيرة بتغير العصور، ولذلك اختصر المذهب الشيعي المسافة الفاصلة بين الدين والسياسة فاخذ بنظرية ولاية الفقيه، وهكذا أغلق الباب على طائفة وجدت في جميع العصور، وهي فقهاء السلطان؛ لأن الفقيه هو السلطان. والحركات الإسلامية السنية تشعر بأنها مؤمنة وأنها فوق المجتمع، وأن من يخالفها فإنه يخالف الدين، وأن مصر ولدت إسلامية يوم قيامها، ولما ضربت الجماعات ظهر الزعم بضرب الدين وتم الجور على إسلامية مصر.

هذه الصيغة تحتاج إلى مزيد من التحليل، والشاهد هو أن هذه الجماعات تسعى إلى السلطة حتى لا تطاردها السلطة، وحتى تنفذ فكرها السياسي غير الواقعي.

وأشهد أن المجلس العسكري حاول دفع الأمور نحو الشراكة أشبه بوضع السودان ولكن عدم خبرة الطرف الآخر دفعتهم إلى الانفراد بالسلطة رغم احتفاظ الطرف الآخر بكل أدوات السلطة.

ثانيًا: علاقة الحاكم بالمحكوم:

تاريخ العلاقة يتسم بالتوتر لأن السلطة لا تريد أن تبرز قوى باسم الدين، وهذه العلاقة في دول العالم يحكمها القانون ولكن الجماعات تستمد شرعيتها من الدين ولذلك تستخدم السلطة القانون لمطاردتها بينما هي تلوذ بالدين بفهم معين.

ثالثًا: قطاع السياسة الخارجية:

هذه الجماعات لا تفهم في العلاقات الدولية، وتعتبر أنها صيغت وفق قواعد أوروبا المسيحية، ويتحدثون عن فكرة المجتمع المسلم الذين يضم كل المسلمين في تقاطع واضح مع تقسيم العالم إلى دول. وهم يركزون على مفهوم الأمة، ولهذا السبب شاركت كل الجماعات الإسلامية في معارك واشنطن ضد موسكو الشيوعية، وكانوا وقود الحرب في أفغانستان والشيشان وغيرها، وانتهى الأمر إلى تشكيل واشنطن لجماعات إرهابية وتساهم في القضاء عليها.

والخلاصة في ثلاثة دروس:

الأول: أن تبتعد الجماعات عن السلطة التي تم توارثها في مصر منذ عام 1952 داخل المكون العسكري، وأن تفهم تركيب المجتمع الدولي وعلاقة العلاقات الخارجية بتركيب السلطة وتحالفاتها.

والحق أن المكون العسكري تماهى بشكل ما مع المكون الديني لتهميش وإضعاف المكون المدني لعقود عديدة.

الثاني: لابد أن تفهم الجماعات الصورة الممكنة القانونية لا الدينية لعلاقة الحاكم بالمحكوم.

الثالث: أن الجماعات تزعم أنها تريد الديمقراطية بينما تعتبرها كفرا وإلحادا.