الجابون.. انقلاب غير واضح الملامح

ذات مصر

بعد ساعات قليلة من إعلان فوزه فجر أمس بولاية رئاسية ثالثة في انتخابات أجريت يوم السبت الماضي، دون حضور مراقبين دوليين، وقع انقلاب عسكري في جمهورية الجابون ضد حكم الرئيس علي بونغو.

لم تزل القارة الأفريقية ترزح تحت وطأة الحروب الأهلية والانقلابات العسكرية، والتحولات الدراماتيكية بسيناريوهات متزايدة العنف، ففي سلسة الانقلابات الأفريقية شهدت "دولة الجابون" أمس الأربعاء انقلابا عسكري هو الثامن في دول وسط وغرب أفريقيا خلال ثلاثة أعوام.

عقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية التي كانت المناسبة الأخيرة التي ظهر الرئيس المنقلب عليه / علي بونغو، أعلن  كبار العسكريين عبر قناة (جابون 24) عن ”إنهاء النظام القائم“ ووضع  الرئيس قيد الإقامة الجبرية.

وكان الرئيس علي بونغو أعلن قبل ثلاثة أيام عن فوزه بالانتخابات الرئاسية التي أجريت السبت الماضي لولاية ثالثة، حكم قبلها 14 عاما بعد أن انتقلت إليه السلطة بالتوريث عن والده الرئيس عمر بونغو، الذي ظل في الحكم لمدة 42 سنة. 

خلال فترات حكم آل بونغو للجابون كانت تعد ضمن الأنظمة الإفريقية الموالية لفرنسا، وواحدة من الحكومات الموالية والداعمة لها بثروات ضخمة،  وجاءت تلك العلاقات مع فرنسا خصما على إمكانية استفادة الشعوب الإفريقية من عائدات مواردها الاقتصادية، حيث شكلت الجابون مع مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، وساحل العاج، حزاما فرانكفونيا مهما في وسط وغرب أفريقيا، بينما ظلت جيبوتي في أقصى الشرق الأفريقي وحيدة؛ لكنها في ذات التوجه الموالي لفرنسا.

فرنسا تخسر  

ضمن سلسلة الانقلابات الأفريقية تفقد فرنسا أهم مصادر النفط، اليورانيوم والماس، بعد أن خسرت واحدا من أميز حلفائها في أفريقيا. وتعد الجابون خامس أكبر منتج للنفط في أفريقيا، تملك نحو  ملياري برميل من احتياطيات النفط الخام المثبت وجوده على أراضيها وفي الجرف القاري التابع لها بحرا.

انقلاب اليوم سيضاعف من التأثير الاقتصادي على فرنسا، خصوصا بعد أن فقدت نفوذها أيضا في مالي وبوركينا  فاسو والنيجر بفعل الانقلابات العسكرية التي تمت فيها.

حَكَمَ آل بونغو دولة الجابون 56 عاما، باستخدام سطوة المال والدعم فرنسي، وكل الوسائل المعينة على الانفراد بالسلطة، وتشجيع المخلوع علي بونغو بانضمامه للمحفل الماسوني العالمي، كما فعل أبوه الذي ظل رئيسا ومسيطرا على الثروات في بلاده من عام 1967 إلى عام 2009؛ حيث ورث ابنه الثروات والسلطة والتحالفات.

ويظل السؤال: هل ستمد الماسونية العالمية أيدي العون لبونغو الابن الآن، وهو يرسل رسائل استغاثة باللغة الإنجليزية، وليست الفرنسية، كما ظهر في فيديو عصر أمس؟

هل يتدخل الحلفاء؟      

 في اليوم الأول لانقلاب العسكر في الجابون، لوحظ صمت المملكة المغربية رغم العلاقات القديمة والمتميزة بين الحكومات في البلدين. 

أيضا علق مسؤول السياسات الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيف  بوريل قائلا : "وزراء دفاع دول التكتل الأوروبي سيناقشون الموقف في الجابون.. وإذا تأكد وقوع انقلاب هناك فذلك سيأتي بالمزيد من الاضطرابات للمنطقة" لكنه لم يبين ما الخطوة التي سيتم اتخاذها بالرغم من أن الانقلاب أصبح واقعا فعلي.

الانقلابيون في الجيش الجابوني يرون أن الرئيس علي بونغو قام بتزوير الانتخابات بغرض الفوز، وتم ذلك بدعم فرنسي، هل سيضع ذلك فرنسا في موضع المضطر على المواجهة العسكرية أو دعم أنصار آل بونغو، والحفاظ على الموارد الاقتصادية التي تعتمد عليها كثيرا، أم أنها ستنتظر حالة الانهيار الاقتصادي القادمة دون أدنى شك؟ وهل يبدو الاتحاد الأوروبي جاهزا لتداعيات ذلك الانهيار الوشيك؟

بدأت المؤشرات واضحة منذ الساعات الأولى لانقلاب الجابون، فقد علقت شركة التعدين الفرنسية (إراميت) عملياتها في الجابون وانخفضت أسهم (إراميت) 5%، ومن المتوقع تعرض شركات فرنسية أخرى لخسائر فادحة.

 البيان الأول               

أكدت السلطة المنقلبة على الرئيس الجابوني علي عمر بونغو، اليوم الأربعاء 30 أغسطس، إلغاء الانتخابات الرئاسية وحل المؤسسات الأمنية الموالية للرئيس، وإغلاق حدود البلاد حتى إشعار آخر، معلنةً وضع الرئيس علي بونغو قيد الإقامة الجبرية. 

آخر ظهور للرئيس بونغو المخلوع، كان عندما أدلى بصوته في الانتخابات التي أجريت يوم السبت الماضي، لكن رصدت مظاهر احتفالات عمت شوارع العاصمة ليبرفيل،  بعد الانقلاب العسـكري، وفور إطلاق الرئيس علي عمر لرسالة استغاثة مصورة، موجها رسالة إلى (أصدقائه في العالم) مشيرا إلى قلقه على زوجته وابنه الذي اعتقل بواسطة الانقلابية مع أعضاء من حكومته،  ووجهت لهم اتهامات بالفساد والوقوف في الخيانة العظمى، وطالب رئيس الجابون المخلوع العالم ب (إحداث ضجة إيجابية، والمساهمة في تحريره وأبناؤه ووزرائه).

ولأن علي بونغو يعد من بين الحلفاء الأكثر قربا من فرنسا وحلفائها في الغرب، والجابون بلد غني بالثروات التي تحتكر فرنسا استغلالها وتصديرها عبر شركاتها العملاقة.

سياق التطورات الجديدة في أفريقيا، يدخل ضمن صراع النفوذ الدولي، وتطرح سؤال من المحرك لها، هذا وغيره من الأسئلة ستظهر إجابات وتفاصيل وربما أسرار عنها في الأيام المقبلة، لكن يظل السؤال الأهم الذي لا يقبل التأجيل هو هل سيتبنى الانقلابيون الجدد ذات المواقف التي اتخذت في النيجر وبوركينافاسو ومالي تجاه فرنسا، أم أنهم سيبقون على ذات التحالفات القديمة بعد الإطاحة برأس السلطة وآل بونغو.

تناولت أخبار الجابون أمس خبر تسمية الجنرال برايس كلوتير أوليغي نغيما، رئيسًا للمجلس العسكري في الجابون، وهو خريج من  "الأكاديمية العسكرية الملكية بالمغرب" ولم يكن بعيدا عن فرنسا في السابق، هذا ما يفسر التعامل الفرنسي الهادئ نوعا ما، وعدم التلويح بورقة التدخل العسكري كما حدث عند التعامل مع انقلاب قريب تم في دولة النيجر، عليه يصبح من غير المؤكد أن كان الرجل سيقود عملا ضد المصالح الفرنسية أم لا.