فساد المدارس الخاصة.. هل أصبح التعليم في مصر "بيزنس"؟

ذات مصر

ما زال الحديث عن فساد المدارس الخاصة ومخالفاتها يتجدد مع بداية كل عام دراسي، حيث يطلق أولياء الأمور صيحاتهم من فرض بعض المدارس الخاصة والدولية في مصر زيادات باهظة على الرسوم الدراسية، تفوق حتى النسب التي تقررها وزارة التربية والتعليم، التي ترفع يدها عن رقابة شؤون هذه المدارس ومعايير عملها.

لكن أولياء الأمور، يرضون بتحمل مزيد من النفقات رغمًا عنهم، آملين أن يحصل أبناؤهم على تعليم جيد، بعد فقدان التعليم الحكومي "المجاني" قيمته على مدى عقود طويلة، لتصبح المدارس الخاصة مطمعًا للحصول على مستوى تعليمي أفضل، لضمان مستقبل مشرق.

ومع زيادة الإقبال على المدارس الخاصة، التي سرعان ما تحولت إلى ساحة فساد كبيرة، بات أصحاب هذه المدارس وإداراتها، يمارسون كل أشكال الاستغلال المادي لأولياء الأمور الذين هربوا من شبح التعليم الحكومي.

زيادة مصاريف المدارس الخاصة

في خطوة مباغتة لأولياء الأمور، أصدرت وزارة التربية والتعليم إعلانًا جديدًا في 3 سبتمبر الجاري، بشأن مصروفات المدارس الخاصة والدولية للعام الدراسي الجديد 2023-2024، تضمن تعديلات كبيرة على الرسوم والمصروفات التي يتوجب على أولياء الأمور تحملها، ووصلت نسبة الزيادات في التكاليف الدراسية إلى 25% لبعض المدارس.

وتضمن الإعلان تعديلاً على قرار وزير التعليم رضا حجازي، رقم 23 لسنة 2023، الخاص بزيادة مصروفات المدارس الخاصة (عربي - لغات - مناهج ذات طبيعة خاصة دولية)؛ استناداً إلى القرارين الوزاريين رقمي 420 و422 لسنة 2014، والكتب الدورية المنظمة لهما.

ونص الإعلان الجديد، على تحديد زيادة نسبة 6% للمدارس الخاصة أو الدولية التي تتجاوز مصروفاتها السنوية 35 ألف جنيه، بينما تم تخصيص زيادة 7% لتلك التي تتراوح مصروفاتها بين 25 و35 ألف جنيه، بالإضافة إلى تحديد نسبة 10% للمدارس التي تتراوح مصروفاتها بين 20 و25 ألف جنيه، و12% للمدارس التي تتراوح مصروفاتها ما بين 15 و20 ألف جنيه.

كما نص الإعلان على زيادة مصروفات المدارس التي تتراوح مصروفاتها ما بين 10 و15 ألف جنيه سنوياً بنسبة 15%، بدلاً من 3 إلى 5 آلاف جنيه، والمدارس التي تتراوح مصروفاتها ما بين 5 و10 آلاف جنيه بنسبة 20%، بدلاً من ألفين إلى ثلاثة آلاف جنيه، و25% للمدارس التي تقل مصروفاتها عن 5 آلاف جنيه بدلاً من ألفي جنيه.

لا تنتهي القصة عند هذا الحد، حيث يتوجب على أولياء الأمور أيضًا تحمل تكاليف إضافية تشمل "رسوم التحاق" و"رسم قبول" و"رسوم اختبارات قبول" و"رسوم فتح ملفات للطلاب بالمدرسة" و"رسوم زي مدرسي" و"رسوم أدوات مدرسية ومستلزمات تعليم"، بالإضافة إلى "رسوم التأسيس" التي تبلغ متوسطها 5 آلاف جنيه عند الالتحاق بالمدرسة.

بيزنس التعليم

في حديثها لـ"ذات مصر"، تقول مؤسِّسة "ائتلاف أولياء أمور مصر" داليا الحزاوي، إن الشرائح التي حددتها الوزارة، زادت بنسبة كبيرة عن الأعوام الماضية، دون اعتبار للوضع الاقتصادي الصعب لأولياء الأمور، لاسيما أن الإعلان جاء في وقت حرج، دون ترك مساحة لأولياء الأمور للتصرف أو البحث عن البدائل المتاحة.

وطالبت الحزاوي بتقسيط تكاليف الدراسة على أكثر من قسطين، على أن توزع على أربعة أقساط، بغرض التسهيل على أولياء الأمور للدفع، خاصة لمن لديه أكثر من طالب، فضلًا عن الأعباء الأخرى التي يتحملها ولي الأمر.

وأوضحت أن بعض المدارس الخاصة، تتحايل على الشرائح المعلنة من قبل الوزارة، بتحديد بنود جديدة على التكاليف الدراسية، في محاولة منها لجمع المال بصورة غير واضحة.

يرى أولياء الأمور أن المدارس الخاصة في مصر تحولت إلى "بيزنس" لجمع المال على حساب التعليم، وهذا ما عبرت عنه الحزاوي في حديثها لـ"ذات مصر"، حيث أشارت إلى استغلال المدارس الخاصة لأولياء الأمور وتحولها إلى "بيزنس" فقط، مطالبة بالتعاون مع أولياء الأمور في ظل الأزمة الاقتصادية، وبمراعاة الرسالة التعليمية التي تقدمها المدارس.

موقف الوزارة.. وشكاوى الأسر من عدم اتخاذ إجراءات

أكدت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني أنها ستتعامل مع المدارس الخاصة المخالفة لتعليمات الوزارة بشأن المصروفات بحزم شديد، حيث ستتخذ بشأنها أشد العقوبات المقررة بما يكفل انضباط منظومة حفظ حقوق المواطنين.

وقال الدكتور رضا حجازي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، إن أي مدرسة تخالف قرار إتاحة تقسيط مصروفات المدارس الخاصة، على ولي الأمر التوجه بشكوى لادارة التعليم الخاص بوزارة التربية والتعليم لتشكيل لجنة لفحص الشكوى، لافتاً إلى أن العقوبات ستبدأ من الانذار و تصل إلى الاغلاق.

وأشارت الحزاوي إلى أن بعض أولياء الأمور، يمتنعون عن إبلاغ الوزارة بمخالفة المدرسة، خشية تعنت المدرسة مع أبنائهم نتيجة هذه الشكوى، مشيرة إلى طلب الوزارة من الأولياء الإبلاغ عن المخالفات التي ترتكبها هذه المدارس.

الزي الموحد "اليونيفورم"

من الأعباء التي تفرضها المدارس الخاصة على أولياء الأمور، هو الزي المدرسي الموحد أو "اليونيفورم"، حيث تفرض هذه المدارس أنواعًا بعينها من الملابس، وتجبر أولياء الأمور على شرائها من الأماكن التي تحددها المدرسة.

وهذا ما تؤكده مؤسس "ائتلاف أولياء أمور مصر" داليا الحزاوي، حيث قالت إن المدارس الخاصة توجه أولياء الأمور بشراء الزي المدرسي من مكان بعينه، وبأسعار مضاعفة عن قيمتها الحقيقية.

وأضافت أن المدارس "تتفنن" في وضع شعار المدرسة "اللوجو" على الملابس، حيث يصعب على ولي الأمر استنساخه من مكان آخر، مشيرة إلى أن "اللوجو" يمثل عائقًا أمام ولي الأمر إذا قرر أن يشتري الزي من مكان آخر، وأن الطلبة يتعرضون للإيقاف ويُمنعون من الدخول بسبب أن الزي ينقصه "لوجو" المدرسه.

وأوضحت الحزاوي أن بعض الأولياء، يشكون من تبديل الزي المدرسي، حيث تقرر بعض المدارس تغيير الزي كل سنتين أو ثلاثة، مما يشكل عبئًا على ولي الأمر، وإرهاقًا لميزانية الأسرة، مضيفة أن المدارس الخاصة تفرض على الأولياء طلبات كثيرة بعضها غريب كأنواع معينة من الصابون والمعطرات، قائلة إن على المدرسة التكفل بهذه الطلبات؛ لأن الأولياء سددوا مصاريف المدرسة، وتضيف: "في أولياء أمور بيقولوا احنا بنجيب ورق الامتحانات"، مشيرة إلى استغلال بعض المدارس.

وألمحت إلى أن بعض المدارس، تُوجه أولياء الأمور إلى مكتبات بعينها لشراء مستلزمات الدراسة، مشيرة إلى إمكانية وجود اتفاق ضمني بينها وبين المدرسة، حتى أن المدرسة تفرض اشتراطات لعلامات "ماركات" المستلزمات، كالدفاتر والأقلام وغيرها، مطالبة بأن تكون الطلبات "بالمعقول".

وأشارت إلى وجود قرارات وزارية بشأن نتظيم المدارس الخاصة، لكنها لا تطبق على أرض الواقع بالشكل المطلوب، مضيفة أنه لن يتم تطبيقها جيدًا إلا عن طريق الرقابة والمتابعة.

“باصات” التلاميذ

يرى البعض أن ارتفاع التكاليف ضاعف أسعار اشتراكات باصات "أتوبيس نقل" التلاميذ، مما يزيد من أعباء الأسر، ويجبرهم على إبقاء أبنائهم في هذه المدارس نظراً لغياب البدائل في المدارس الحكومية والازدحام في الفصول الدراسية.

وقالت الحزاوي، إن مشاكل الباصات تتمثل في ارتفاع أسعارها، موضحة أن بعض الباصات يصل سعر اشتراكها إلى نحو 20 ألف جنيه للطالب الواحد، مضيفة أنه "رقم مغالى فيه؛ لأنها وسيلة نقل جماعية .. فالمفروض سعرها يكون أرخص"، مطالبة بفرض رقابة على أسعار الاشتراكات لمنع الاستغلال، لاسيما أنها وسيلة آمنة تستطيع الأسر الاعتماد عليها في توصيل أبنائهم.

وأشارت إلى أنه مع ارتفاع سعر المحروقات ارتفاعا طفيفًا، إلا أن أسعار اشتراكات الباص ارتفعت بنسب كبيرة جدًا، لا تتناسب مع تحريك سعر البنزين.