معوض جودة يكتب: الممر الاقتصادي الجديد.. وعرب الخليج العالقون في تل أبيب

ذات مصر

يأتي الممر الاقتصادي الجديد في سياق محاولات واشنطن محاصرة الصين، فقد أخرجت الولايات المتحدة من جعبتها مبادرة الممر الاقتصادي، الذي سيربط بين الهند وأوروبا، مرورا بدول الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن ثم إسرائيل.

أتى الإعلان من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بمباركة أمريكية إسرائيلية، في ختام قمة دول العشرين، التي عقدت في الهند مطلع الشهر الجاري.

وبالنظر إلى خريطة مسار الممر المزمع إقامته، يتضح أن الرابح الأكبر والأعظم، إسرائيل والإمارات ثم الهند وما بقية الدول سوى ممر بري.

مسافات مجهدة

المسافة بين الهند والإمارات العربية، أو ميناء "جبل علي" نحو ألفي كيلو متر، سيكون النقل بها بحرا، ومن ثم تفريغ السفن والحاويات بالموانئ الإماراتية، ثم تحميلها برا عبر سكك حديدية ستنشئها بلاد الخليج في أراضها طوعا أو كرها.

يبدأ المسار البري من دبي مرورا بالمملكة العربية السعودية، والتي سيمر الخط البري بأراضيها بمسافة تزيد عن 1700 كيلومتر،حتى الحدود الأردنية، ثم يقطع نحو 140 كيلومترا في الأراضي الأردنية، ثم يحط خط السكك الحديدية رحاله في ميناء أشدود أو حيفا على البحر المتوسط، قاطعا نحو 85 كيلومترا فقط داخل الأراضي الإسرائيلية،

لتبدأ عملية التفريغ البري يتبعها الشحن البحري مرة أخرى إلى أوروبا.

النظرة الأولى على المشروع تبدو مكلفة جدا، ورحلة البضائع طويلة مرهقة، يتخللها تحميل في البحر، ثم إنزال في الإمارات، وتحميل على السكك الحديدية، ثم تفريغ في الموانئ الإسرائيلية، وتحميل بحري مرة أخرى إلى موانئ أوروبا.

قناة السويس الحاضر الغائب

يقفز إلى الذهن سؤال: ما تأثير ذلك الممر على قناة السويس؟ 

قد لا تبدو الإجابة القاطعة حاضرة/ لكن دفن الرأس في الرمال واستبعاد تأثير ذلك الممر على قناة السويس غير مجدٍ، فلا يمكن إخفاء الأثر السلبي على قناة السويس، وانخفاض عدد السفن العابرة منها وبالتالي انخفاض الدخل العائد منها.

حماس أمريكي مجاني

الحماس الأمريكي ما هو إلا كيد سياسي واقتصادي للصين، ومحاولة مجانية من واشنطن للحصول على ربح باهظ الكلفة على دول الخليج، الذين سيخوضون مكرهين معركة واشنطن مع الصين، لخنق طريق الحرير الذي تقيمه بكين برا حتى الأراضي الأوروبية.

الكلفة الأكبر والأعظم ستتحملها السعودية، فهي مطالبة بإنشاء خط سكة حديد، يبدأ من الحدود الإماراتية وحتى الحدود الأردنية، طوله يزيد عن ألف وسبعمائة كيلو متر، ولن تربح منه كثيرا، لأنها مجرد أرض عبور فقط، وكذلك الأردن. 

وإذا ما تم تدشين ذلك الممر، قد يرافقه بالتبعية خطان أنابيب بريان لضخ البترول والغاز من الخليج إلى أوروبا عبر الموانيء الإسرائيلية، وبالتالي زيادة الأوجاع المصرية بمزيد من الذبول لقناة السويس وتجفيف مواردها.

هل الممر الاقتصادي آمن؟

مع طول مسار الممر البري في الأراضي السعودية، خاصة في المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية، يلحق بالركب سؤال، حول مدى الأمان لذلك المسار، إذا عرفنا أنه يتخلل مناطق صحراوية شاسعة، وبالتالي قد يكون عرضة لهجمات تحاول تصفية حسابات مع جهات خارجية، أو محلية، فإيران قد يكون لها حضور في عرقلة مثل هذا المسار عبر عملاء لها بالداخل السعودي.

لماذا إسرائيل وليس لبنان؟

بعدما طرح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مبادرة الممر الاقتصادي، استغرب كثيرون استبعاد لبنان، فلو أرادت السعودية تعديل المسار، ليشمل سوريا ولبنان بدلا عن إسرائيل، لكان لها ذلك، ولو من قبيل ذر الرماد في العيون.. لكن الطرح جاء صريحا وواضحا إلى “تل أبيب”، وأرجعه البعض إلى احتمالية كونه محاولة سعودية، لتصفية الأجواء مع واشنطن والرئيس بايدن، بعد قطيعة امتدت لسنوات بين الديمقراطيين في واشنطن وبين الرياض، منذ حادث مقتل جمال خاشقجي، وما تبعه من فتور في علاقات البلدين نتج عنه تقارب سعودي مع روسيا والصين.

الإعلان عن إنشاء الممر، وصفه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، بالتاريخي والأبرز في تاريخ بلاده، ولعل ذلك يختصر كلاما طويلا حول منشأ الفكرة والمروجون لها.

هل تملك مصر خيارًا آخر؟

لا يبدو في جعبة مصر كثير من الأوراق لتناور بها، ولا سبيل لها سوى الانتظار حتى تعلن السعودية أن المشروع عبر أراضيها باهظ الكلفة، وأنها لا تضمن أمن المسار، وبالتالي يتوقف المشروع سعوديا كما ولد، وهو احتمال ضعيف مستبعد، في ظل ما تملكه المملكة من فوائض مالية ضخمة، وفي ظل إعلانها عنه وترويجها له، وتحمس إسرائيل لذلك المشروع الذي يأتي بالخليج إلى حيث تريد تل أبيب.

فهذا الممر، سيكون قيمة مضافة بالغة الإفادة لإسرائيل والإمارات والهند بالترتيب. وفي الجانب الأوروبي، ستكون إيطاليا أكبر الرابحين، حال نقل البضائع من موانئها برا إلى بقية الدول الأوروبية، وسيكون ضربة ليست بالهينة لعائدات قناة السويس، خاصة إذا ما تم نقل البترول الخليجي عبر أنابيب أو برا إلى الموانئ الإسرائيلية.

ومما يزيد من معاناة مصر مع هذا الممر، إذا ما تنافست دول الخليج مثل قطر والكويت أو البحرين، على إنشاء روافد لطريق السكة الحديد البري، ينقل البضائع برا من أراضيها، وحتى الخط الحديدي بالسعودية، فهذا يعني عدم عبور شيء من دول الخليج لقناة السويس، وسيكون الأمر أصعب، حال شحن البضائع الباكستانية والإيرانية والعراقية من الموانيء الخليجية عبر البر، بعيدا عن قناة السويس، ولن يصب كل ذلك سوى في الخزانة الإسرائيلية.

صعوبات حول المسار البري في الممر 

إضافة للكلفة الباهظة تأتي الحمولة الكبيرة لبعض السفن العملاقة فعلى سبيل المثال بعض السفن التي تعبر قناة السويس يبلغ طولها نحو 400 متر وعرضها 61 مترا، وتقدر حمولتها بـ228 ألف طن، وتستطيع أن تحمل على متنها حتى 24 ألف حاوية. وهو وزن عملاق قد يحتاج لعشرات القطارات لتفريغ سفينة شحن واحدة.

هل كل ما تريده واشنطن مفيد؟

قد يكون هذا المشروع الذي تحمست له العاصمة الأمريكية كمحاولة للالتفاف على الصين من مشاريع القنابل الدخانية التي تتحمس لها واشنطن خاصة أن التكلفة ليست من جيب دافعي الضرائب الأمريكيين بل سيكون على أسوأ الاحتمالات حال فشله محاولة لتفريغ الخزانة الخليجية من بعض التخمة المالية ولن يلقى باللائمة على أحد. كما أن ضرره حال تنفيذه سيكون على مصر التي لا بواكي لها.