دعوة البطريرك لإنقاذ لبنان: نريد الحياد و"مؤتمر دولي".. و"حزب الله" يرفض

في تحرك جديد ضمن محاولات حل الأزمة اللبنانية، خرج الآلاف من اللبنانيين، مساء أمس، في باحة البطريركية المارونية، شمال شرق العاصمة بيروت، لتأييد عقد مؤتمر دولي برعاية "الأمم المتحدة" لإنقاذ البلاد من الأزمات الواقعة فيها، إلا أنها بدت كإحدى التحركات السابقة والتي تطلبت تفاهما واتفاقا من مختلف الأطياف.

\n

تلك التظاهرات جاءت نتيجة أزمة سياسية كبيرة تغرق فيها لبنان بسبب عدم تشكيل حكومة جديدة منذ استقالة حكومة تصريف الأعمال الراهنة برئاسة حسان دياب في 10 أغسطس الماضي، بعد 6 أيام من انفجار مرفأ بيروت على الرغم من الجهود الفرنسية التي هدفت إلى تشكيل تلك الحكومة، إلى جانب الأزمة الاقتصادية التي كانت تعيشها لبنان، ثم جاء انفجار مرفأ بيروت وتفشي جائحة كورونا لتزيد الطين بلة وتُدخل البلاد إلى نفق مظلم.

 

 

سننقذ لبنان!

\n

تظاهرات مساء أمس جاءت استجابة لدعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي، لعقد المؤتمر الدولي، حيث تجمع الآلاف أمام البطريركية المارونية، لتأييد دعوته بأن تلتزم البلاد الحياد في النزاعات الإقليمية، لإخراجها من الأزمة السياسية والاقتصادية.

\n

وقال "الراعي"، في كلمة أمام الحشد الكبير أمام البطريركية في بكركي: "أتيتم من كل لبنان، أتيتم من كل الأعمار، نساء ورجالا أتيتم، رغم أخطار كورونا، لتدعموا طرح الحياد والمؤتمر الدولي الخاص بلبنان.. وبكلمة أتيتم تطلبون إنقاذ لبنان.. إننا معا، نعم معا، سننقذ لبنان".

\n

وأضاف في الكلمة التي نقلتها شبكة "روسيا اليوم" الإخبارية: "نريد من المؤتمر الدولي إعلان حياد لبنان، فلا يعود ضحية الصراعات والحروب، وأرض الانقسامات، وبالتالي يتأسس على قوة التوازن، لا على موازين القوى التي تنذر دائما بالحروب"، وتابع: "لا توجد دولتان أو دول على أرض واحدة، ولا يوجد جيشان أو جيوش في دولة واحدة، ولا يوجد شعبان أو شعوب في وطن واحد.. إن أي تلاعب بهذه الثوابت يهدد وحدة الدولة".

 

 

"أبوزيد": تنفيذ دعوة "الراعي" عمليًا يتطلب تبني المجتمع الدولي.. وهذا غير حاصل

\n

 

 

المحلل السياسي اللبناني، سركيس أبو زيد، يرى أن دعوة "الراعي" مبدئية لأنه من الناحية العملية فإن وضْع هذا الاقتراح موضع تنفيذ يتطلب أن تتبناها الشرعية الدولية والرئاسة والحكومة ومجلس النواب، وهذا غير حاصل لأن طبيعة التركيبة اللبنانية تفرض أن يكون هناك تفاهم داخلي ووحدة وطنية لأن لبنان "ديمقراطية توافقية"، فالمطلوب أن يكون هناك توافق داخلي أولا على هذا الاقتراح حتى يتحول إلى آلية عملية يُمكن أن تنظر فيها الأمم المتحدة، مستطردًا: "حتى الآن، الدعوة نظرية كلامية لا يمكن أن يتم ترجمتها بالمعنى الصريح، وهي مجرد افتراض وأمنيات".

 

المحلل السياسي اللبناني: "حزب الله" يعارض طرح "الراعي".. والبقية تتجاهل حتى لا يتصطدم بالمقدس

\n

وأضاف المحلل اللبناني في اتصال هاتفي مع "ذات مصر" أن هناك بداية ردات فعل من الأطراف المعارضة لطرح "الراعي" لأنه يعبر عن وجهة نظر بعض الفئات اللبنانية ولا يعبر عن كل الفئات والأحزاب والاتجاهات، لذلك بدأت تظهر ردود فعل سلبية من "حزب الله" وغيره من الأطراف بأنها غير موافقة على هذا الطرح في لبنان، البلد المتكون من تعددية مذهبية وطائفية، مشيرًا إلى أن هناك عبارات منمقة ومجاملات ومسايرات لكنها لا تخفي أن يكون هناك خلاف بالرأي، مستطردًا: "البعض يساير أو يتجاهل موقف البطريرك حتى لا يصطدم بالمقدس، ولكن هناك جهات عديدة غير موافقة ومختلفة مع هذا الموضوع".

\n

وتابع: "واضح أن هناك فئة عبرت عن تأييدها وتجاوبها لمقترح الراعي، ولكن هناك جهات أخرى لم توافق، لأن الجمهور لم يلتزم بالتمنيات المطلوبة.. بالإضافة إلى أن الهتافات التي رُفعت ضد رئيس الجمهورية ومطالبته بالاستقالة كانت عكس ما كان يطرح البطريرك، ولذلك كل هذه الأمور أبعدت هذه المبادرة عن البُعد الوطني الجامع"، لافتًا إلى أنه يجب الإشارة إلى أن الأزمة اللبنانية مدوّلة من الأساس لأن ما يعاني منه لبنان بسبب التدويل، بمعنى أن النازحين السوريين في لبنان قرار دولي وليس محليا، وعملية توطين الفلسطينيين في لبنان هو قرار دولي، وهناك رفض لبناني وفلسطيني لهذا الموضوع، بالإضافة إلى الضغوط الدولية على لبنان.

 

 

محمد سعيد الرز: هناك مخاوف من تدويل مسألة لبنان لأنها "عديمة الجدوى"

\n

أما المحلل السياسي اللبناني، محمد سعيد الرز، أشار إلى حديث البطريرك الماروني، الذي يقول فيه إن "الهدف من دعوته لعقد مؤتمر دولي لحل أزمة لبنان وضمان حياده هو أن هناك حالة انقلاب تحدث على أرض لبنان بدءا من الانقلاب الذي قامت به الطبقة السياسية على اتفاق الطائف والدستور المنبثق عنه"، مضيفا أن البطريرك لا يطلب إسقاط النظام وإنما تطويره، كما أنه يرفض أن تكون هناك جيوش أو قواعد عسكرية أجنبية في لبنان، وأنه لو اتفق السياسيون في لبنان على هذه الأمور لما كانت هناك حاجة لطلب مؤتمر دولي، فضلا عن تأكيد "الراعي" وسط الحشود الشعبية، التي شارك فيها علماء دين مسلمون ودروز ومسيحيون، أن لبنان لكل اللبنانيين وليس لطائفة واحدة.

\n

وأضاف في اتصال هاتفي لـ"ذات مصر"، أن تلك الإيضاحات تلتقي مع مطالب انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين 2019 ومع مواقف التيارات السياسية اللبنانية المستقلة التي تطالب بالإصلاحات على قاعدة تنفيذ الدستور الوطني بكامل بنوده، وتابع: "تبقى ملاحظة أساسية ،وهي التخوف من تدويل المسألة اللبنانية، حيث إن تجربة لبنان في مختلف المراحل أثبتت عدم جدوى الحلول الدولية، فيما تأكد نجاح الحل العربي الوطني للأزمات التي مرت بهذا البلد، وأبرزها اتفاق الطائف للوفاق الوطني اللبناني".

 

واستطرد: "صحيح أن اتفاق الطائف حظي بدعم دولي لكنه لم يأت بحلول تقسيمية أو فيدرالية وإنما أكد وحدة لبنان وانتماءه العربي وإلغاء الطائفية السياسية وإنشاء مجلس شيوخ وتنظيم الصلاحيات والإدارات ومستلزمات التنمية الشاملة، وهو ما لم ينفذ من عام 1989 حتى الآن، حيث تطالب أغلبية اللبنانيين برحيل الطبقة السياسية وتنفيذ بنود الدستور ومكافحة الفساد وإعادة الاعتبار لمقومات الدولة الوطنية، وذلك عبر تدخل جامعة الدول العربية للإشراف على حسن تطبيق اتفاق الوفاق الوطني بوصفها معنية به، ولأن الحل العربي هو الضامن الأساس لثوابت الكيان الوطني اللبناني".

\n

وقال إنه من المتوقع أن تلقى توضيحات البطريرك الراعي انعكاسات متفاوتة على الساحة اللبنانية بين مؤيد ومتحفظ، خاصة من قبل الطبقة السياسية التي يرتبط بعض أطرافها بمحاور إقليمية أو دولية، لكنها في كل الأحوال لن تكون مدعاة لتصادم أو توتر عالي المستوى، وإنما قد تفتح بابا لحوار سياسي يتجه نحو التهدئة والتفاوض.