حجب الدولار.. المعونة وقضايا أخرى حجة واشنطن لحصار القاهرة

السيسي وبايدن
السيسي وبايدن

عادت أزمة المعونة الأمريكية المقدمة لمصر، إلى الواجهة من جديد، بعد نشر تقرير عن استعداد واشنطن لحجب جزء كبير منها أو كلها على خليفة أزمات بينهما، ترتبط بالعديد من الملفات السياسية بعيدًا حتى عن ملف حقوق الإنسان الذي يتصدر المشهد في كل عام.

3 أعوام من المنع

وخرجت التهديدات بمنع جزء من المعونة عن مصر للعام الثالث على التوالي، من الرئيس الجديد للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، بين كاردين، والذي تعهد بوقف المساعدات العسكرية وبيع الأسلحة لمصر، ما لم تحسن سجلها في مجال حقوق الإنسان.

وقال بين كاردين: "أنوي ممارسة مسؤوليات اللجنة الرقابية وسلطاتي بشكل كامل لمنع التمويل العسكري الأجنبي في المستقبل وكذلك بيع الأسلحة للحكومة المصرية، ما لم تتخذ خطوات ملموسة وهادفة ومستدامة، لتحسين ظروف حقوق الإنسان في مصر"، على حد تعبيره.

وأضاف كاردين أن على مصر أن تظهر تقدما في الجهود الرامية إلى تسريع إطلاق سراح السجناء السياسيين و"توفير مساحة" للمدافعين عن حقوق الإنسان والمدافعين عن المجتمع المدني والمعارضة السياسية ووسائل الإعلام المستقلة.

جاء هذا الإعلان بعد يوم من إعلان النائب الأمريكي غريغوري ميكس، العضو الديمقراطي البارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، أنه طلب من وزارة الخارجية حجب جزء من المساعدات العسكرية عن مصر، مشروط بمراعاة معايير حقوق الإنسان.

حصار الدولار 

الولايات المتحدة تسعى لحصار مصر اقتصاديًا بمنع أو تقليل دخول الدولار إليها خصوصًا في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها القاهرة حاليًا، وحاجتها الملحة لكل دولار يمكنها من سداد ديونها والوفاء بالتزاماتها خلال الوضع الراهن.

 لم تقتصر تحركات واشنطن على الاكتفاء بموقفها الرافض مساعدة مصر فقط لكنه امتد لتحريض الدول الخليجية  لعدم الوقوف بجانب القاهرة كما تعهدت في اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي الأخير.

دول الخليج لم تخيب الظن الأمريكي فيها وخرجت جميعها بصيغة واحدة تقريبًا تبرر فيه عدم مساعدة القاهرة إلا بالقليل أو بشراء شركات مصرية بأقل من قيمتها الحقيقة استغلالًا للأزمة الراهنة وتأثيرها على القرار المصري.

تخرج واشنطن عادة مع كل مناقشة سنوية في الكونجرس للمساعدات المقررة لمصر ضمن اتفاق السلام الموقعة مع إسرائيل في عام 1978، والمقدرة بـ2.1 مليار دولار للتلويح بملف حقوق الإنسان لكن الوضع هذه المرة مختلف تمامًا.

حبس هشام قاسم

لعل آخر الأسباب التي دفعت واشنطن للتهديد بحجب المعونة، بعيدًا عن أزمة رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس، بوب مينينديز، والمتهم فيها بتلقي رشاوي مصرية، تتمثل في صدور حكم قضائي بحبس الناشر هشام قاسم، على خلفية أزمته مع وزير القوى العاملة السابق، كمال أبوعيطة.

الوفد الأمريكي الذي زار مصر مؤخرًا بحضور مينينديز، طالب القاهرة بالإفراج عن قاسم في أسرع وقت ممكن، رغم محاولات القاهرة المستمرة التأكيد أن حبس الناشر ليس له علاقة بحقوق الإنسان، ولكن متعلق بأزمة أخرى.

التحركات الأمريكية في هذا الشأن لم تكن الوحيدة بل سبقها وتلاها مطالبات أخرى من العديد من الدول الأوروبية خصوصًا بريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، للإفراج عن قاسم، خصوصًا في ظل الرسائل التي توجه إليها من أحزاب ومنظمات مصرية.

علاء عبدالفتاح والإفراج عن دومة

ملف سجناء الرأي، هو الآخر كان ضمن القائمة خصوصًا في ظل المطالبات الأمريكية والغربية للإفراج عن بعض الأسماء المعروفة والمحبوسة منذ سنوات، في مقدمتهم الناشط المعروف، علاء عبدالفتاح، ومحمد عادل، بالإضافة إلى الناشط المفرج عنه مؤخرًا أحمد دومة.

وفق مصادر، كان الإفراج عن دومة خطوة مصرية للتقارب مع المعسكر الغربي، لكنه لم يكن كافيًا في ظل تحفظ القاهرة على خروج عبدالفتاح، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، وكذلك محاولة إظهارها بمظهر ضعف بعد حصوله على الجنسية البريطانية.

وحاولت القاهرة، تأكيد عدم تعنتها في ملف الحقوق والحريات بعد الإفراج عن دومة، بإصدار قرار جديد بالإفراج عن 60 شخصًا من المحبوسين احتياطيًا، وإحراج المعسكر الغربي بعدم اهتمامه بهذا الملف عمومًا واقتصار نظرته على بعض الأسماء المعروفة فقط.

التقارب مع روسيا

حسب المصادر، التقارب مع روسيا خلال الآونة الأخيرة كان سببًا رئيسيًا في غضب أمريكا وأوروبا في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، خصوصًا بعد نشر تقرير تفيد بتقديم القاهرة أسلحة لموسكو، وهو ما نفته مصر مرارًا وتكرارًا.

زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي، إلى مدينة سان بطرسبرج بروسيا الاتحادية، للمشاركة في فعاليات النسخة الثانية من القمة الأفريقية الروسية، ومن ثم انضمام مصر إلى مجموعة «بريكس» زاد الأزمة بين مصر والمعسكر الغربي، وأمريكا على رأسها.

مصادر دبلوماسية، قالت إن التقارب المصري مع روسيا والصين كان حجر عثرة كبير في سبيل تسوية الأزمات مع الغرب، خصوصًا مع فشل راهن القاهرة عليهم في مواجهة العديد من الأزمات التي تحيط به.

مطالب مصرية دون استجابة

تؤمن القاهرة أن الإدارة الأمريكية قادرة على إنهاء العديد من الأزمات التي تعرقل مسيرتها سواء في الأزمة الاقتصادية، وأيضًا الوصول إلى اتفاق نهائي ملزم مع إثيوبيا بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، ورغم المطالبات العديدة إلا أن واشنطن لم تستجب.

إدارة بايدن تلقت طلبات مصرية عديدة بخصوص أزمة سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا، لكنها لم تحرك ساكنًا خصوصًا مع الفشل في إجبار أديس أبابا على التوقيع على اتفاق نهائي بشأن الأزمة.

وترى المصادر أن حل الأزمات الموجودة بين القاهرة وواشنطن ليس سهلًا في ظل القناعة الأمريكية بضعف الموقف المصري حاليًا وظهور بدائل عديدة يمكنها لعب دورها في المنطقة، مشيرةً إلى أن حدوث تقارب لا يبدو ظاهرًا في الأفق على المدى القريب.