"ابن الشيخ شيخ".. هنا عالم الطرق الصوفية: مَن يرث العهد؟

Ringback جملة او حكم على عبث كتب الشيخ محمد زكي ابراهيم -  parivartanjankalyansamiti-delhi.org
 الشيخ محمد زكي إبراهيم

بكلمات رصينة، وضع الشيخ محمد زكي إبراهيم، مؤسس العشيرة المحمدية الشاذلية، وصية بمثابة دستور للعشيرة، فكان العالم الفقيه يجلس بين مريديه ليجيب عن سؤال من يخلفه في قيادة الطريقة، قبل عامين من رحيله عام 1996، واضعا منهاجا لأتباعه بأن تكون الريادة والمشيخة في بيته وأبنائه ما دام فيهم ولد صالح، وإن صغرت سنُّه.

قبل أربعة أشهر، تحديدا في نوفمبر من العام الماضي، بدأت الخلافات في العشيرة المحمدية حول تنصيب شيخ الطريقة، بعد وفاة رائدها الشيخ نور الدين محمد إبراهيم زكي، صاحب الثلاثة وعشرين عاما، إثر حادث سير أليم، بعدما تولى قيادة الطريقة عقب وفاة والده الشيخ عصام الدين زكي إبراهيم عام 2018.

لم يكن مؤسس الطريقة يعلم أن حفيده سوف يتولى قيادة الطريقة في الحادية والعشرين من عمره، ليلقى ربه بعدها بعامين، وحاولت الصفحة الرسمية للطريقة الربط بين الجد والحفيد عن طريق ذكر أن الج هو من اختار اسم الحفيد مثلا، كما حكت مشهدا جمعهما "حيث كان يبكي نور واحتضنه جده وقبّله فأودع فيه أسرار وأنوار أجداده إلى سيدنا رسول الله"، بحسب الصفحة.

فتحت الخلافات حول اختيار شيخ العشيرة المحمدية خلفا لحفيد المؤسس، بابًا لجدل يتجدد بين حين وآخر عن مسألة "التوريث" داخل الطرق الصوفية، في ظل عدم قناعة البعض داخل الطرق بأهلية مشايخهم، خاصة على مستوى الأبناء والأحفاد، وهو ما ظهر بشكل بارز في أزمة العشيرة المحمدية.

طفل ينازع قيادات العشيرة

بدأت الأزمة بعد وفاة نور عصام محمد زكي، شيخ العشيرة، منذ أربعة أشهر تقريبا، بالخلاف حول تعيين شيخ للطريقة، فوفقا للوائح المنظمة وحسب وصية شيخ الطريقة فإن أبناء شيخ العشيرة يتولون المسؤولية خلفا للشيخ الراحل أو أحد أقاربه.

وهنا اشتعل فتيل الأزمة، فالمرشح يوسف ولاء عصام الدين- نجل شقيق الشيخ الراحل نور- طفل صغير لا يصلح لتولي القيادة، ويحتاج إلى الوصاية في إدارة الطريقة، ما أدى لانقسام الطريقة إلى قسمين، الأول: مؤيد لتولي الطفل الصغير عملا بدستور العشيرة "ابن الشيخ شيخ"، فيما رأى الفريق الثاني بوجوب الدفع بأحد أقارب "نور"، وهو عميد سابق يدعى أشرف وهبي، القيادي بالطريقة.

وبحسب قانون الطرق الصوفية رقم 118 لسنة 1976، تكون الأولوية في الترشيح لشغل منصب شيخ طريقة من الطرق الصوفية عند خلوه من بين من تتوافر فيهم الشروط اللازمة على النحو التالي: المادة 29، أن يكون بالغا سن الرشد متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية كاملة، وألا يكون محكوما عليه في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة، ما لم يكن قد رُد إليه اعتباره في الحالتين، وأن يكون مجيدا للقراءة والكتابة ومُلمًا بمبادئ الشريعة الإسلامية، وأن يكون متمتعا بسمعة طيبة وخلق كريم، ومحسوبا من أهل العرفان والكمال ذوي التقوى والصلاح، وألا يكون شيخًا لطريقة صوفية أخرى، ويصدر بتعيين شيخ الطريقة قرار من المجلس الأعلى للطرق الصوفية.

وتنص المادة 30 من نفس القانون على ترتيب من يتولى الولاية، على النحو التالي:

الابن الأكبر لشيخ الطريقة السابق...

فإذا كان هذا الابن قاصرا عُين شيخًا للطريقة على أن يعين وكيل له حتى يبلغ سن الرشد، ثم يأتي في المرتبة من بعده أكبر أبناء هذا الابن وهكذا..

إخوة شيخ الطريقة السابق، ويكون الشقيق منهم مقدما على غيره.

3 - ذوو قربى شيخ الطريقة السابق الأقرب، فالأقرب منهم.

4- كبار رجال الطريقة ممن تتوافر فيهم شروط الأهلية لشغل المنصب.

وصية الشيخ المؤسس تعد مكملة لقانون الطرق الصوفية، وذلك بحسب تسجيل صوتي له حين بلغ الثمانين من عمره عام 1996، إذ نشرت الصفحة الرسمية للطريقة التسجيل الصوتي، في وقت سابق: "أنا سأتركها إلى 12، كما قال تعالى (بعثنا منهم اثني عشر نقيبا)، هختار 12 وهم يختارون منهم واحد، والله إن صلح على العين وعلى الراس، ماصلحش ييجي غيرهم 12 وهكذا".

وأوضح الشيخ المؤسس وصيته بقوله: "أما الطريقة فهي بحكم القانون ابن الشيخ شيخ، ولكن ابن الشيخ شيخ إذا مشى على قدم أبيه، ابن الشيخ شيخ إذا عرف ما ينبغي أن يكون وما لا ينبغي أن يكون، إذا راضى الصغير قبل الكبير، وإذا حمل جزمة الطفل قبل جزمة الكهل، وإذا باع نفسه لله وجعل مظهره لله".

ورغم توافق وصية الشيخ المؤسس مع قانون الطرق الصوفية، فقد ظهرت خلافات بناء على وجود تأويلات للقانون والوصية.

وعلى مدار الشهور الماضية، اشتدت المشاحنات من أجل البيعة وهي: ارتباط بين الشيخ والمريد، وتحكيم من المريد للشيخ في نفسه لمصالح دينه ودنياه، يرشده ويهديه ويبصره بآفات النفوس وفساد الأعمال ومداخل العدو، ولذلك تدخل عدد كبير من مشايخ الطرق الصوفية لحل أزمة العشيرة المحمدية، حتى وصل الأمر إلى تدخل المجلس الأعلى للطرق الصوفية، وقرر إعلان الشيخ زكي الدين جمال محمد زكي إبراهيم شيخا للطريقة خلفا لابن عمه الشيخ الراحل نور عصام زكي إبراهيم، بعد تنازل العميد أشرف وهبي عن البيعة للشيخ زكي الدين.

الصوفية حصان طروادة الصفوي لنشر التشييع في بلدان أهل السنة - شبكة الدفاع عن  السنة
 الطرق الصوفية في مصر

"صراع جديد".. الأزمة خارج السيطرة

ولكن المفاجأة كانت ما حدث الجمعة قبل الماضي، من فتح ضريح مسجد العشيرة المحمدية وحضور المريدين ومبايعة الطفل يوسف ولاء عصام الدين، رغم الاتفاق مع المجلس الأعلى للطرق على تعيين الشيخ الجديد زكي الدين جمال محمد زكي إبراهيم.

ما يحدث في العشيرة المحمدية ربما يكون جديدا على الطرق الصوفية، فرغم إمكانية وجود نزاعات داخل الطرق، لكنها لم تكن معلنة بهذا الشكل.

لم تستقر الأوضاع بالطبع داخل العشيرة، إذ خرجت ببيان رسمي نشر عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بتاريخ 21 فبراير 2021، لتعلن رغبة من قيادات وكبار العشيرة عن تقدم كريم النجدي، أمين شؤون الطريقة المحمدية الشاذلية بمصر والعالم، وابن شقيقة الشيخ نور محمد عصام الدين محمد زكي إبراهيم، شيخ الطريقة السابق، إلى مشيخة الطرق الصوفية ومجلسها الأعلى الموقر للترشح على منصب شيخ الطريقة المحمدية الشاذلية بمصر والعالم خلفا للشيخ السابق، وأعلنوا أنه "على رأس قائمة المرشحين كأول طرف من ذوي القربى للشيخ السابق وفقا للقانون، رقم 118 لسنة 1976م الخاص بالطرق الصوفية".

عن شيخ "العروسية".. العم تولى أمور الطريقة لحين رشد ابن أخيه

وشهدت الطرق الصوفية وقائع مشابهة لتولي صبي قيادة الطريقة، ولكن مع تعيين عمه وصيا عليه حتى بلوغه سن الرشد، فقبل 19 عاما توفي شيخ الطريقة العروسية الشاذلية، علي فكرى الفيتوري، في 29 ديسمبر 2002، وكان ابنه – شيخ الطريقة الحالي- فكري الفيتوري، يبلغ 18 عاما، فكان عمه وصيا عليه لحين إتمامه 21 عاما.

يقول الشيخ فكري الفيتوري لـ"ذات مصر": "لم تكن هناك نزاعات على الإطلاق.. الجميع تفهم القانون، وتمت مبايعتي وأصبح عمي وصيا عليّ، وهو من يتولى أمور الطريقة حتى بعد بلوغي 21 عاما، انتظارا لإنهائي مرحلة التعليم الجامعي ثم أداء الخدمة العسكرية، ثم بعدها سلمني أمور الطريقة ولم أطلبها منه قط".

Pin on Lamu
 احتفالات الطرق الصوفية

 

يضيف "الفيتوري": "نتربى في الطريقة الصوفية على أخلاقيات النبي، وأن أبناء الطريقة كلهم على قلب رجل واحد مثلهم مثل أبناء شيخ الطريقة نفسه، ولا يوجد تفرقة بينهم ولا خلاف، والطريقة عبارة عن سر وبر، فالأول هو المدد معنوي لا يلمس، أما الثاني فهو العطاء".

ويشير "الفيتوري" إلى محاولة البعض إلغاء فكرة التوريث داخل الطرق الصوفية، متسائلا: "لماذا يطالبون بإلغاء التوريث رغم وجود لجنة علمية بالمجلس الأعلى للطرق الصوفية تقر إذا كان نجل الشيخ يصلح شيخا للطريقة أم لا؟".

"التوريث" بين المحبة والقانون

"العلاقة في الطرق قائمة على المحبة وليس على القوانين".. يقول الدكتور عبد الحليم العزمي، أمين عام الاتحاد العالمي للطرق الصوفية، مضيفا أن أبناء الطرق الصوفية ينتهي نسبهم إلى آل البيت ولجمع المريدين ولحب آل بيت النبي، لذا فإن الصوفية باقية في البشرية مدى الحياة، لأن علاقات الطرق تقوم على المحبة قبل القوانين، موضحا لـ"ذات مصر" أنه لا يوجد تقديس للأولياء في الصوفية، لكن يوجد احترام وأدب مع الصالحين.

وتابع أنه إذا توفى شيخ الطريقة يكون حب ابن الشيخ إكراما لوالده، وحال وجود صراعات داخل الطرق يكون من الأفضل الميل لرأي الأغلبية من أبناء الطريقة، حتى لو الأمر استدعى تدخل المشيخة العامة للطرق الصوفية، والتي تستجيب إلى ميول أبناء الطريقة.

الشباب يشعلون فتنة التوريث في الطرق الصوفية
 الدكتور عبد الحليم العزمي

ويشير إلى أن مصطلح "العهد" سارٍ بين الشيخ والمريد، وليس مصطلح "البيعة"، موضحا أن "العهد" "رابطة بين المريد والشيخ" بمقتضاها سيتعلم المريد على يدي شيخ الطريقة ويأخذ منه أمور دينه، وعلى المريد طاعة الشيخ، لكن في البيعة يكون الأساس لإمام العصر كما جاء في الحديث الشريف: "إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا"، هذا يعني الإمام المجدد من يأخد البيعة في عصره، مثل الحاكم.

ويشرح كيفية التصرف في حالة عدم الاتفاق على اختيار شخص بعينه لمشيخة الطريقة، إذ إن لكل طريقة وكيلها في المشيخة العامة للطرق الصوفية، فيصبح هو شيخ الطريقة، والغالب أن شيخ الطريقة يُنصب ابنه أو أخا له وكيلا للطريقة، لو خرجت الطريقة عن ابن الشيخ رغم وجوده فمن حقه أن يقاضي الطريقة بالقانون.

وفي حالة أن ابن شيخ الطريقة طفل لم يحتلم، يؤكد أنه يتولى شياخة الطريقة ويتم تعين وصي عليه، مثلما حدث في الطريقة العنانية عندما توفي الشيخ بهاء العناني وابنه إذ ذاك طفل، فأصبح عمه وصيا عليه وعندما بلغ سن الرشد أصبح هو الشيخ حاليا.

ويلفت الأمين العام للاتحاد العالمي للطرق الصوفية إلى أن أغلب النزاعات التي تحدث داخل الطرق الصوفية تكمن في وجود مريدين من أبناء الطريقة أقوى علميًا من الشيخ نفسه، فيبدأ حدوث الانشقاق والنزاعات حول المناصب.