نظرية "الاحتواء المزدوج".. واشنطن تُلاعب السعودية وإيران بـ"خاشقجي والحوثيين"

مع اعتلاء الديمقراطيين كرسي الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة الرئيس الجديد جو بايدن، جاءت بعض الإشارات التي تجسدت في قرارات وتصريحات تلفت إلى أن هناك سياسة أمريكية مغايرة لقيادة الرئيس السابق ترامب تجاه المملكة العربية السعودية، خصوصًا فيما يتعلق بأزمة الحوثيين في اليمن وقضية مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي.

رفع الحوثيين من قائمة الإرهاب ومقتل خاشقجي

في 16 فبراير الماضي، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية أن الولايات المتحدة رفعت حركة "الحوثيين" في اليمن من قائمة الإرهاب بصورة رسمية، وجاء في بيان لإدارة مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة أن الحركة لم تعد معرضة للقيود التي كانت مفروضة عليها بموجب القواعد الخاصة بمواجهة الإرهاب والمنظمات الإرهابية الأجنبية، مضيفًا أن المواطنين الأمريكيين لا يحتاجون من الآن فصاعدا إلى إذن من إدارة مراقبة الأصول الأجنبية لإجراء التعاملات مع "أنصار الله".

ولم يمر 8 أيام حتى خرج بايدن بتصريحات تفيد أنه اطلع على تقرير للمخابرات الأمريكية متعلق بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بالسفارة السعودية في تركيا، مشيرًا إلى أن ذلك التقرير يوجه اتهاما لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في مقتل خاشقجي أكتوبر 2018.

 الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي

حديث بايدن بشأن خاشقجي ربما وصفه البعض بـ"الغريب" نظرًا لتوقيته، ما عزز نظرية أن الولايات المتحدة تستخدم أوراقًا للضغط على المملكة السعودية في الفترة الأخيرة، خصوصًا بعد رفع الحوثيين من قائمة الإرهاب، والذي فهمه الحوثيون بأنه "علامة خضراء" لتنفيذ هجمات إرهابية على السعودية استهدفت المدنيين، وهذا ما اتفق معه الدكتور أيمن سمير، الخبير بالشؤون الدولية، في حديثه لـ"ذات مصر".

أيمن سمير: 3 أسباب وراء سوء علاقات الولايات المتحدة بالسعودية

"سمير" أرجع سوء العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية" لـ3 أسباب، أولها أن الولايات المتحدة منذ عام 1979 تعتمد نظرية لا تعترف بها الدول العربية، وهي نظرية "الاحتواء المزدوج"، التي تقول إن الولايات المتحدة دائمًا تحتوي إيران وتحتوي أي قوة سُنية صاعدة في المنطقة، حيث إنها كانت في فترة الثمانينيات تحتوي العراق وإيران، حتى أدخلتهما في حروب لإضعافهما معا، وفي الفترة التالية تدخلت العراق في الكويت حتى دُمرت العراق ومن بعدها بدأت تتجه إلى إيران.

 جماعة الحوثيين

ويرى الخبير أنه بعدما فرضت الولايات المتحدة العقوبات على إيران في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب، بدأت تعود وتفك الحزام بعض الشيء عنها وتتجه إلى إعادة الخناق على القوة السنية الأخرى في الخليج، مشيرًا إلى أن هذه السياسة ثابتة وواضحة انتهجتها الولايات المتحدة، مستطردًا: "عندما تم القبض على الرهائن الأمريكيين في السفارة الأمريكية بطهران استمر الرئيس جيمي كارتر 444 يومًا في محاولات للتواصل مع أي أحد في إيران للإفراج عنهم، ولكنه لم يجد أحدًا، لذلك خرجوا بنظرية تسمى (تعلم الدورس) استخلصوا منها نظرية الاحتواء المزدوج، بمعنى أن أي قوة صاعدة في المنطقة لا بد من احتوائها، بالتالي يستخدم الحوثيين ويستخدم إيران وما يسمى بالميليشيات العراقية في العراق وغيرهم".

 الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب

وقال إنه في إطار هذه النظرية تقوم الولايات المتحدة ببناء علاقة قوية مع أي طرفين بينهما أزمة، مثل الأكراد والأتراك، مشيرًا إلى أنه على الرغم من العداء الكبير بينهما فإن علاقة الأمريكان بالأكراد مثل علاقتهم بالأتراك.

السبب الثاني، الذي تحدث عنه "سمير"، هو أن الولايات المتحدة تعطي إشارات لإيران بأن إدارة الرئيس الجديد "بايدن" متسامحة مع بعض أنشطتها، ومن بينها رفع الحوثيين من قائمة الجماعات الإرهابية، وبالتالي هذا تشجيع مباشر وإشارة خاطئة للحوثيين بتنفيذ عمليات الهجوم، رغم أنها عمليات إرهابية وفقًا للقانون الدولي لأنهم يستهدفون مدنيين في السعودية، لافتًا إلى أن الولايات المتحدة تغض الطرف عن هذا الأمر.

التصعيد من قبل الحوثيين توظيف إيراني في المعركة، التي تمتد حتى إجراء الانتخابات الإيرانية في شهر يوليو المقبل، هكذا يرى "سمير": "هذه الفترة ستشهد صياغة الاتفاق النووي الجديد، سواء بالعودة إلى النصوص القديمة أو بإضافة شيء إليه أو حذف شيء منه أو غيره، فكل ذلك سيتوقف على الشهور القليلة القادمة، لذلك فإن التصعيد من قبل الحوثيين سيُستخدم كورقة إيرانية في التفاوض فيما يتعلق بالملف النووي"، وتابع: "إيران خلقت الحوثيين أو تدعمهم حتى يتم الاستفادة منهم، فإذا لم تستفد منهم في هذا التوقيت، فمتى؟!، إنها ورقة توظيف".

وتعلق السبب الثالث بالعلاقات السعودية الأمريكية، أو العربية الأمريكية بشكل عام، وهي اختلاف المفاهيم، بحسب "سمير"، الذي قال إن الدول العربية تفهم أن علاقتها مع الولايات المتحدة علاقة تحالف، لكن الولايات المتحدة ترى العلاقة "شراكة"، وهناك فرق كبير جدًا بين الشراكة والتحالف، "لأننا نرى أنها تحبنا، وهي ترى أن الأمر مصلحة والمصلحة ممكن تنتهي".

د. أيمن سمير

صادق إسماعيل: تزامن قرار "الحوثيين" وإثارة قضية خاشقجي "صدفة"

أما الدكتور محمد صادق إسماعيل، مدير المركز العربي للدراسات الاستراتيجية؛ فيرى أن إدارة الرئيس بايدن تحاول هدم كل قرارات ترامب، لإثبات أنها "كانت قرارات فاشلة".

واستشهد "صادق" في حديثه لـ"ذات مصر" بإلغاء قرار بناء الجدار مع المكسيك، مشيرا إلى أنه فعل ذلك أيضا عندما رفع الحوثيين من قائمة الإرهاب، ونفس الأمر في قضية خاشقجي، مستطردا: "بايدن يثبت للرأي العام الأمريكي أن الحزب الديمقراطي هو الأصلح، ويرى مصالح الولايات المتحدة جيدا، سواء في الداخل أو الخارج".

 

 الرئيس الأمريكي جو بايدن

وتابع: "لو ربطنا بين الأحداث نجد أن هناك ترددا في مسألة التفاعل مع إيران، بمعنى أن رفع الحوثيين كجماعة إرهابية لم يقابله نوع من الود مع إيران، فحتى الآن الرؤية غير واضحة فيما يتعلق بالمسألة الإيرانية، فهل سيتم تدشين اتفاق جديد؟!"، مشيرا إلى أن إيران حاليا أعطت ضوءا أخضر فيما يتعلق بالدعم الكامل لجماعة الحوثي، ورأينا هذا واضحا في هجوم جماعة الحوثي على شرق المملكة السعودية، وأضاف: "أتخيل أنه كان قرار خاطئ للغاية للإدارة الأمريكية، ولكن إذا تساءلنا عن ضغط متعمد من الولايات المتحدة على السعودية، فما السبب؟! هذا الطرح أرفضه بشدة، لأسباب: أولا السعودية تماما مثل مصر لها علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة، والإدارة الجديدة تحتاج إلى علاقات استراتيجية في المنطقة العربية، مصر والسعودية سياستهم واحدة".

وأكد أن "المسألة مجرد رد فعل ضد قرارات ترامب، سواء ما يتعلق بالحوثيين أو خاشقجي، ولكن للأسف فإن القرارين مصادفة تزامنا معا ربما بتأثير سلبي على السعودية؛ ولكن إجمالا لا أعتقد أن الولايات المتحدة تفكر في مسألة العناد مع السعودية أو اتخاذ موقف سلبي منها، وليس من الصواب مطلقا أن تفكر الإدارة الجديدة في معاداة السعودية، ولا يوجد ما يبرر هذا من الناحية التاريخية والمنطقية".