لماذا سيلجأ بايدن لأساليب ترامب في ردع إيران؟

على الرغم من اتساع رقعة العالم وتعقيده، فإن اهتمام المرء يتحول باستمرار نحو الشرق الأوسط،

حسبما كتب جورج فريدمان في موقع جيوبوليتيكال الأمريكي، حيث يوجد الكثير من القضايا التي تستحق النظر، على سبيل المثال، حلقت في الأسبوع الماضي قاذفتان من طراز B-52 في سماء الشرق الأوسط، وهي المرة الرابعة التي يجري فيها ذلك منذ أن تولى جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة.

صرّحت واشنطن بأن المهام الجوية تجري في إطار حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة، ولكن الرسالة الضمنية كانت واضحة للغاية وهي موجهة إلى إيران.

قاذفات B-52 الأمريكية

تحذير بلا جدوى

ولكن الأمر الأكثر إثارة في عمليات التحليق الأخيرة تلك من سابقتها هو إعلان القيادة المركزية الأمريكية أن قاذفات B-52 الأمريكية كانت مدعومة بطائرات من إسرائيل والمملكة العربية السعودية وقطر.

كان هناك الكثير من الأحاديث حول التحالف السياسي الناشئ جديدا في المنطقة، ولكن هذه الخطوة تمثل تكتلا استثنائيا، فإسرائيل حليفة للولايات المتحدة، بينما تتعرض المملكة العربية السعودية للهجوم من قبل إدارة بايدن بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.

وتتعاون المملكة مع إسرائيل منذ سنوات ولكنها لا تعترف بإسرائيل حتى الآن، في حين تقع قطر على الضفة الأخرى من الخليج الفارسي في مواجهة إيران، وربما علاقتها مع طهران أوثق من أي دولة أخرى في الخليج العربي، وهي وسيط رئيسي في المحادثات بين إيران والولايات المتحدة.

فإذا كان الغرض من تلك المهام الجوية هو تحذير إيران مما يمكن أن تتوقع حدوثه في حالة المواجهة مع الولايات المتحدة، فمن المحتمل ألا يتحقق هذا الغرض، فمثل هذه التحذيرات تتقادم عندما تصدر للمرة الرابعة، ومن الصعب أن تجعل الروتين يبدو وكأنه تهديد.

وإذا كانت الولايات المتحدة تنوي تهدئة ثائرة إيران إلى درجة الشعور بالرضا عن النفس، فقد تساعد المهام المتكررة في تحقيق ذلك، ولكن أجندة الولايات المتحدة تجاه إيران لا تشعرها بالرضا عن نفسها، ولذلك تسهم تلك المهام الجوية في ترسيخ الوضع الراهن كما هو بمرور الوقت.

أصبح الإيرانيون أكثر عداء إلى حد ما، فقد قاموا بشنّ هجمات، أو شنّ وكلاؤهم الهجمات، على القواعد الأمريكية في العراق، كما أضروا بسفينة تجارية إسرائيلية قبالة السواحل اللبنانية، مع مواصلتهم تقديم الدعم الكبير للمتمردين الحوثيين في الحرب الأهلية اليمنية. بمعنى آخر، لا يوجد دليل على أن الإيرانيين يخططون لتغيير سياستهم الإقليمية، كما رفضت إيران تعهدات إدارة بايدن بإحياء الاتفاق النووي مع إيران الذي خرج منه الرئيس السابق دونالد ترامب، وتطالب الولايات المتحدة بتقديم تنازلات أولا قبل التفكير في العودة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة.

تعمل إيران الآن على رفض التغرير بها أو تخويفها، فهي تحافظ على وتيرة عملياتها في مناطق الصراع، بل وتعمل على زيادتها، فقد رفضت ما بدا أن إدارة بايدن تفترض أنه تنازل مرحب به من قبل إيران، وأظهرت (أو على الأقل تظاهرت) بحالة من اللا مبالاة تجاه اتفاقيات إبراهام التي عُقِدت مع أطراف غرب الخليج الفارسي.

من وجهة نظر تفاوضية، يبدو أن إيران لا تريد تجديد الاتفاق النووي لأن ذلك سيجدد عمليات التفتيش على منشآتها وربما يكشف عن الوضع المتقدم لبرنامجها النووي، أو أنها، على الأرجح، لا تريد أن تبدو متحمسة للغاية لاستئناف تلك المحادثات، لأنها إذا أظهرت ذلك، فإن موقفها التفاوضي سوف يصبح ضعيفا للغاية، ونظرا لأن الرئيس الأمريكي جو بايدن جعل العودة إلى الاتفاقية مع إيران هدفا مهما لرئاسته، فقد يشعر الإيرانيون بأن بايدن هو المدفوع نحو التوصل إلى اتفاق.

وانسحاب إيران من شأنه أن يؤكد وجهة نظر ترامب في إيران ويدحض وجهة نظر بايدن، فقد يؤدي الموقف المتصلب لإيران، الذي تبديه أثناء إخفاء برنامجها النووي الذي وافقت على السماح بمراقبته، إلى خلق مشاكل سياسية لبايدن، أو هكذا يعتقد الإيرانيون.

 الرئيس الإيراني حسن روحاني مع أمير دولة قطر تميم بن حمد

 

قطر المتأرجحة أمريكيا

وبالنظر إلى الواقع السياسي والعسكري الذي تحاول إيران خلقه، ونظرا إلى أن الإيرانيين لم يهتموا بعمليات تحليق قاذفات B-52 التي اعتبرتها طهران مجرد عروض، يتحتم على إدارة بايدن تغيير نهجها من خلال تعزيز موقفها التفاوضي دون اتخاذ خيار عسكري حاسم.. لم تكن مهام طائرات B-52 مهمة، وكذلك ما أضافه مشاركة اثنين من أكبر أعداء إيران -إسرائيل والمملكة العربية السعودية- إلى التهديد.

يبدو أن إسرائيل حريصة على ضرب إيران ولكنها ترى أنها مقيدة من الولايات المتحدة، ولست متأكدا من مدى حرص إسرائيل على توجيه ضربة لإيران، لأن العمليات العسكرية يمكن أن تفشل، والفشل من شأنه أن يقوض مصداقية التهديد الإسرائيلي، كما يبدو أن القاذفات الأمريكية المصاحبة للطائرات الإسرائيلية تزيد احتمالية إطلاق العنان لإسرائيل.

وتعود مشاركة السعوديين إلى تأكيد عزلة إيران في الخليج العربي، وحقيقة أنها تقف بمفردها، ما لم يكن لدى روسيا شهية لاتخاذ المخاطرة، ولكن أهم عنصر في هذه المهمة الجوية الأخيرة كان قطر، إذ تحتفظ قطر بعلاقات صداقة مع إيران، وتلعب دور المحاور في المفاوضات الأمريكية الإيرانية.

يشير انضمام قطر إلى المهام الجوية إلى استياء قطر من انعدام المرونة الإيرانية، واحتمال انهيار العلاقات معها.

إذا كانت العلاقات الجيوسياسية تتغير على أساس الإشارات، فربما يغير كل هذا من موقف إيران ويلوّح باستعادة الاتفاق النووي، ولكن الجغرافيا السياسية أكثر بساطة وتعقيدا في آن.

أهداف إيران الأساسية هي استعادة التوازن لاقتصادها ومنع الهجوم من غرب الخليج، ويجب أن تتأكد من استمرار عدم قدرة العراق على تشكيل تهديد لها، وبالتالي يجب أن تفعل كل ما بوسعها للحفاظ على حالة عدم الاستقرار هناك، أو على الأقل حرمان الولايات المتحدة من وجود قواعد آمنة تعمل من خلالها في المنطقة كما تشاء.

لا يمكن لإيران أن تترك العراق وشأنه، ولا يمكنها التخلي عن حلفائها في اليمن وأماكن الصراع الأخرى. إظهار القوة الإقليمية الحقيقية هو أساس أمن إيران. لا تستطيع إيران أن تبدو ضعيفة أمام شعبها ، ومع ذلك فهي لا تستطيع تحمل استمرار المعاناة جراء العقوبات الغربية ضدها.

من وجهة النظر الجيوسياسية للولايات المتحدة، تعتبر إيران لاعبا ثانويا، غير قادر على التأثير على مصالحها في أماكن مثل الصين، ومن وجهة نظر سياسية، تحولت هذه القضية الجيوسياسية الصغيرة إلى قضية رئيسية كبيرة من خلال هجوم بايدن على سياسة ترامب.

 برنامج إيران النووي

تدرك طهران أهميتها النسبية بالنسبة إلى سياسة الولايات المتحدة، وهذا يمنحها إحساسا بالأمن، ومن وجهة النظر السياسية، تعلم إيران أن بايدن، الذي هاجم ترامب بسبب سياسته العدوانية المفرطة تجاه إيران، لا يمكنه مواصلة مهام قاذفات B-52، وحشد الدول الأخرى في الشرق الأوسط للانضمام لتلك المهام.

وهذا يعني أن إيران تتمتع بموقف جيد، باستثناء العقوبات التي يتعين عليها رفعها، وهي الأداة الأمريكية الرئيسية.

كانت سياسة ترامب تتمثل فرض المزيد من العقوبات وترك إيران تتحمل نتائج أفعالها. وما لم تجبر المهام الجوية إيران على أن تصبح أكثر مرونة - وهو ما أعتقد أنها لن تفعله - فإن خيارات بايدن مماثلة لخيارات ترامب: زيادة العقوبات لاختبار ما إذا كانت إيران ستتراجع أم لا. وبالنسبة إلى واشنطن ، فهذه خطوة منخفضة المخاطر. أما بالنسبة إلى طهران، فهي قضية وجودية.

وهكذا فإن المهام الجوية العرضية تترك لي انطباعا بقوة الواقع الجيوسياسي، وصعوبة التحرك ضده. يصطدم العديد من القادة السياسيين بهذه اللحظة. إن تركيع الدول دون شن حرب أمر صعب، وإيران لا تستحق خوض حرب ضدها بالنسبة لترامب أو بايدن.

المصدر