فراج إسماعيل يكتب: 7 أكتوبر.. نهاية إسرائيل المخيفة

ذات مصر

بعد السادسة صباح 7 أكتوبر 2023 شاهد العالم والشعب الإسرائيلي، إسرائيل أخرى غير "المخيفة" المتغطرسة التي عرفوها منذ 1948. رأوا على لايف وسائل التواصل الاجتماعي مثل تيك توك وفيسبوك وإكس وتلجرام وغيرها، سقوط نظرية الأمن القائمة على التفوق والقوة التي لا تقهر.

الهجوم الذي شنته الفصائل الفلسطينية في ذلك الصباح ولا يزال مستمرا، فاجأ تل أبيب وواشنطن والاتحاد الأوروبي. هجوم بهذا الحجم لم يسبق أن تعرضت إسرائيل له منذ حرب أكتوبر 1973، منطلقاً في مسارات برية وبحرية وجوية، لا يعقل أن يكون التخطيط له والتدريب عليه ابن ليلة أو أيام. حتماً هو ابن شهور طويلة.. كيف ظل ذلك سرا بين الفصائل الفلسطينية إلى أن فوجئت به إسرائيل داخل قواعدها العسكرية ومستوطناتها في غلاف غزة؟!

هذا هو السؤال الصعب الذي تواجهه القيادات الإسرائيلية وتوجهه إلى نفسها وإلى استخباراتها الداخلية "الشاباك" الذين قتل بعضهم في تلك العملية، وإلى الموساد الذي طالما افتخر بنجاح عملياته الخارجية وأنفه الطويل، يضاف إلى ذلك فشل السي آي ايه الأمريكية التي لا تقصر في الدعم بإمكانياتها الجبارة.

منظر الجنود والضباط الإسرائيليين، وهم فوق الموتوسيكلات وراء المقاتلين الفلسطينيين، كان مضحكاً ومسخرة بالمعنى البلدي على عناصر جيش متفوق لا يقهر، ناهيك عن إهانة بالغة واستخفاف بمن تحولوا في لحظات قليلة إلى أوهن من العنكبوت، بعضهم رتب كبيرة اقتيدوا بملابسهم الداخلية!

الإعلام الإسرائيلي نشر تقديرات أولية بسقوط 130 إسرائيليا في قبضة المقاومة. أمين عام الجهاد الإسلامي ذكر في كلمته أنهم بالعشرات، وحدد 30 أسيرا لدى فصيل الجهاد نفسه.

يُضاف المستوطنون إلى الجنود والضباط وجميعهم من قوة النخبة المدربة تدريبا عاليا جدا، تلقوا جزءا وافراً منه في الولايات المتحدة، وبعضهم رتب تصل إلى رتبة "الجنرال".

مشهد المستوطنين وهم يفرون كالجرذان من حفل موسيقي في عيد العرش اليهودي، من طائرات شراعية تهبط بالمقاتلين على معاقلهم متخطية السياج العازل الذي جرى تحطيمه والغزو البري من خلاله، كان أكثر من مضحك وأعظم من مهين.

ست دقائق فقط استغرقه العبور براً من السياج المحطم وجواً بالطائرات الشراعية التي لم تخطر على بال أي خبير عسكري، وبحراً بواسطة كوماندوز استقلوا الزوارق.. لخص ذلك إسماعيل هنية في خطاب النصر الذي قلد فيه قليلاً خطاب السادات بعد عبور قناة السويس في ست ساعات قبل نصف قرن. 

نعلم أن كل مستوطن هو مجند مقاتل يحمل سلاحاً، ومدرب على القتال والالتحام. أين ذهب كل ذلك يوم 7 أكتوبر مع انطلاق عملية "طوفان الأقصى".

حجم الذهول الإسرائيلي والأمريكي والغربي لا يجد إجابات. ألف مقاتل اقتحموا مستوطنات غلاف غزة المحصنة والمعسكرة والتي تشكل خط دفاع متقدماً. عشرات المستوطنات على مساحة 60 كم مربعاً جرت فيها المعارك، بعد اقتحامها وسقوط ثلاث مستوطنات على الأقل في قبضة كتائب القسام!

لن نلجأ لتفصيل ديني بأن كل مقاتل بألف، أو أنهم مدعومون بملائكة من السماء، إنما هو انقلاب في نوعية الحروب التي تُحسم بالتفوق البري والجوي والبحري للجيوش المنظمة المدربة وأسلحتها الحديثة الفتاكة، إلى نوعية جديدة تحسمها ذئاب منفردة تملك زمام المبادأة والمبادرة والمناورة في مثل تلك المساحة الكبيرة التي دارت عليها المعارك، وهي مساحة تعادل ضعفي مساحة قطاع غزة ونحو 2% من مساحة فلسطين التاريخية.

إذا كانوا ألفا فقط كما تقول إسرائيل الرسمية، فقد تمكنوا من تحرير 2% من مساحة فلسطين في مواجهة جيش محتل فظ لا يرحم، تدعمه الولايات المتحدة بلا حدود. قتلوا نحو 700 إسرائيلي خلال 24 ساعة وأصابوا 2200 وهذه الأرقام صدرت رسميا عن إسرائيل حتي مساء الأحد، اليوم الثاني لعملية المقاومة والحبل على الجرٌار.

هرب وزراء الحكومة المصغرة الإسرائيلية إلى الملاجئ في تل أبيب عندما أخذت الصواريخ تتساقط على مقربة منهم. انبطح المسافرون والقادمون على الأرض في مطار بن جوريون أثناء تعرضه لهجوم صاروخي قادم من غزة، فشلت القبة الحديدية في منعه.

تدربت الفصائل على تحييد القبة الحديدية بمهارة بالغة فوصلت صواريخهم إلى أهدافها في عمق تل أبيب والقدس وعسقلان. 

القبة يمكنها التصدى لألفين أو ثلاثة آلاف صاروخ في وقت واحد.. لكن خمسة آلاف صاروخ تنطلق معاً، ذلك مستحيل. من هنا طلب نتنياهو في استغاثة النجدة من الرئيس بايدن دعم القبة الحديدية بتقنيات جديدة وذخائر وأسلحة فتاكة، كأن جيشه كان يحوز أسلحة رحيمة قبل الهجوم!

تحرك حاملة الطائرات "فورد" إلى شرق المتوسط، ووصول المارينز والدعم العسكري الأمريكي الواسع، لن يؤد إلى تغيير على مسار الحرب لصالح الجيش الإسرائيلي.

حماس لا تملك تقنيات أسلحة حديثة ولا صواريخ متقدمة، كلها صناعة محلية وأسلحة عادية، بما فيها الزوارق التي أبحرت وحطت على شاطئ عسقلان، وبالتالي لن تغير الآلة العسكرية الأمريكية النتائج. لقد انهزمت قبل ذلك في أفغانستان واضطرت إلى انسحاب مهين، وانهزمت بإذلال في الصومال، ورغم ذلك لم تستفد من معطيات الماضي لتفادي استنتاجات مستقبلية خاطئة.

الانتقام الوحيد هو ذاك الذي يقوم به الطيران الإسرائيلي، ضد الأبراج السكنية المأهولة بالمدنيين، فقد دمروا خمسة أبراج وقتلوا الكثير من النساء والأطفال، ذكرت الحصيلة الأولية نحو 240 طقلا و40 امرأة.. والحصيلة إلى مزيد لأنهم أهداف سهلة بريئة في المتناول، وهروب من القتال الحقيقي في مواجهة مقاتلين مدربين جيداً، لدرجة أن الذين دخلوا العمق في غلاف غزة قاتلوا وانتهوا من مهماتهم واستبدلوا بمقاتلين آخرين كأنها "نوبتجية" يستلمونها مجموعة إثر مجموعة بهدوء شديد وأمان بالغ!

يقتلون بالآلة العسكرية الأمريكية النساء اللائي لا حول لهن ولا قوة، بينما رأى العالم بإعجاب فيديو مستوطنة ومجندة إسرائيلية أسيرة،  تركب "موتوسيكل" خلف المقاتل الذي أسرها، ثم في بيت ضيافة في غزة وتشرب من زجاجة ماء جالسة على مرتبة أعدت لها!

قبل قليل من نشر كتائب القسام لهذا الفيديو، أرسلت الجندية الأسيرة أرجماني (25 سنة) وصديقها افينتانٍ "بوي فرند" الذي يكبرها بخمس سنوات، رسالة إلى والدها بأنهما استطاعا الاختباء عن عيون المقاتلين الذين سيطروا على المستوطنة وأنهما بخير. لاحقا تم الوصول إليهما لاحقا واعتقالهما وفصلهما.

إسرائيل تفكر في إعادة تطبيق بروتوكول هانيبال (حنبعل بالعبرية) الذي يسمح بالإغارة على جنودها لمنع أسرهم أو التخلص منهم في حال وقوعهم في الأسر، ما يعني أن تلك الأسيرة وغيرها من عشرات الأسري في غزة قد يقتلهم جيشهم ويتخلص منهم!

إذا كان هذا جرى وسط مستوطنات الغلاف المحمي المؤَمن بالقواعد العسكرية الحصينة، فماذا سيحدث إذا نفذ الجيش حملة برية على غزة واقتحمها، وهو الخيار الوارد في تقرير الواشنطن بوست.

خيار انتحاري بلا شك رغم الغطاء العسكري البحري والبري والجوي الذي ستوفره الولايات المتحدة بحاملة طائراتها.

لعلهم يدركون الثمن الباهظ جدا.. إنه أكثر من انتحار وسط مليوني فلسطيني يسكنون القطاع، منهم نصف مليون يقطنون قرب غلاف غزة التي سيعبر منها الهجوم البري المحتمل.