شهرام الشهير بـ"موفاز".. قصة وزير الدفاع الإسرائيلي المولود في إيران

خلال عهد أسرة بهلوي، التي حكمت إيران منذ 1925، لعب اليهود أدوارًا مؤثر في الحياة الاقتصادية والثقافية، معززين بتوجه الأسرة الحاكمة للعلمانية الغربية.

ومع اندلاع الثورة الإيرانية في 1979، وسيطرة الإسلاميين على مقادير الأمور، غادرت البلاد عشرات الآلاف من الأسر اليهودية، ملتحقين بمن سبق وغادر البلاد في السنوات الأولى لإعلان تأسيس إسرائيل.

وتواجه الأقلية اليهودية الباقية في إيران شكوكًا مستمرة تجاه ولائها، رغم إلزامها عبر ممثلها في البرلمان الإيراني، بدعم السياسات الخارجية للجمهورية الإسلامية، وموقفها المناهض للصهيونية.

رغم ذلك، يبدو أفق الحياة بالنسبة ليهود إيران، أفضل من غيرهم من الأقليات، مع تصريحات متعددة لقادة إيرانيين بأن يهود إيران جزء أصيل من الشعب الإيراني. صحيح لا يُسمح لهم بتقلد مناصب قيادية في أجهزة الجيش والشرطة والمخابرات، إلا أنهم، وفقًا لتقرير نشره موقع قنطرة، يحظون بحياة اجتماعية مثل مواطنيهم المسلمين الشيعة.

وعلى كل لم يكن موقف اليهود الإيرانيين من الثورة، التي هاجر بعدها أضعاف من هاجروا ما بين 1948 و1979، إلا أنه، وفقًا للشهادات التي جمعها أستاذ التاريخ بجامعة بنسلفانيا، اليهودي، ليئور ستيرنفيلد، فقد شارك ودعم يهود إيرانيون الثورة الإسلامية والتحول من موالاة الغرب إلى نظام ولاية الفقيه.

 كنيست يهودي في طهران

 

في نهاية عام 1978، سافر وفد من الجالية اليهودية إلى باريس للقاء الخميني. وبحسب ما قال ستيرنفيلد، كان الهدف الاجتماع "ضمان عدم اعتبار اليهود أعداء للثورة، بل من مؤيديها".

وفي شرح جذور الدعم اليهودي للثوار الإيرانيين، لاحظ ستيرنفيلد عدم تجانس يهود إيران، الذين شكلوا مجتمعًا بهويات وأصوات ووجهات نظر متعددة، مع إسرائيل؛ إذ كان من بينهم معادون للصهيونية، ودعاة للقومية الإيرانية إلى جانب الشيوعيين والماركسيين والليبراليين وحتى بعض المتحالفين مع قادة الثورة الإيرانية، والذين ناهضوا الصهيونية وإسرائيل علنًا.

شهرام صار موفاز.. وزير الدفاع الإسرائيلي ابن المعلم الإيراني  

"أنا مقتنع بأن هذه القصة ستصدم وتحير الكثير من اليهود الإسرائيليين"، الباحث اليهودي ليئور ستيرنفيلد

إلا أن قصة أخرى، بدأت في الحدوث قبل كل هذه التقلبات أدت نتائجها إلى أمر غير اعتيادي، ساهم في صعود أحد أكبر قادة إسرائيل والمولود في حقيقة الأمر في إيران لأبوين إيرانين

قبل اشتعال الثورة الإيرانية وتحديداً في عام 1948 عام قيام إسرائيل، وفي قلب طهران، وُلد شهرام مفضض كار لأب يهودي يعمل مديرًاً لمدرسة؛ والذي أصبح يُعرف بعد هجرته إلى إسرائيل "شاؤول موفاز" بعد اسم شهرام الذي حمله في إيران. هاجر موفاز مع والديه لإسرائيل عام  1957 قبل عدة أعوام من اشتعال الثورة في إيران، وكعادة معظم الإسرائيليين، التحق موفاز بجيش الاحتلال، ليصبح جندياً في لواء المظلات في عام 1966.

صعود سريع

اشترك موفاز في حرب 1967 ضد الجيش المصري، وبسبب تفانيه في العمل لجيش الاحتلال ومهاراته التي أظهرها لقادة الجيش، ترقى موفاز بسرعة لشغل مناصب قيادية مختلفة خلال العقد التالي. ففي حرب 1982 في لبنان، خدم موفاز كقائد كتيبة في لواء المظلات، وفي عام 1984 غادر إسرائيل لحضور كلية القيادة والأركان في مشاة البحرية الأمريكية، وعاد إلى إسرائيل ليصبح قائداً لمدرسة الضباط في جيش الاحتلال الإسرائيلي ليعود في عام 1986 كقائد للواء المظلات.

في عام 1990 قاد موفاز قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، وفي عام 1994، تمت ترقية موفاز إلى رتبة لواء وأصبح قائد المنطقة العسكرية الجنوبية وشدد الحرب على حركتي حماس والجهاد الإسلامي في غزة، كما أصبح رئيسًا لفرع التخطيط لهيئة الأركان العامة للجيش ونائباً لرئيس هيئة الأركان العامة، وفي عام 1998 أصبح موفاز رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي السادس عشر، خلال السنوات الأولى من الانتفاضة الفلسطينية الثانية، عندما أشرف على إعادة احتلال مدن الضفة الغربية الكبرى والتدمير شبه الكامل لجنين، وهو مخيم للاجئيين، على إثر ذلك؛ شجبت منظمات حقوق الإنسان الدولية التكتيكات الوحشية المستخدمة لقمع الانتفاضة الفلسطينية تحت قيادة موفاز، مستشهدةً بالعديد من جرائم الحرب بما في ذلك القتل غير القانوني والإعدام.

وفي عام 2002 عين أرييل شارون - رئيس الوزراء آنذاك - موفاز وزيراً للدفاع في إسرائيل. كونه وزيراً للدفاع؛ كثف موفاز من استخدام الضربات الجوية الموجهة ضد قطاع غزة، وأقام السياج الأمني ​​في الضفة الغربية، بالإضافة إلى ذلك؛ قام موفاز بتنفيذ خطة الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية.

كما سمح موفاز بإلقاء قنبلة تزن طن على مبنى سكني في حي مزدحم بمدينة غزة، مما أسفر عن مقتل 15 فلسطينياً، من بينهم تسعة أطفال. ونقلت الصحافة البريطانية عن موفاز حينها أنه أمر الجيش الإسرائيلي تحت إمرته بقتل 70 فلسطينياً في اليوم.

في زي المعارض

في 2005، رفض موفاز عرض شارون للانضمام إلى حزبه الجديد كاديما، وبدلاً من ذلك أعلن ترشحه لقيادة حزب الليكود - أحد أكبر الأحزاب في إسرائيل والحزب الحاكم الآن بقيادة نتنياهو - لكن بعد شهر من ترشحه، انسحب موفاز من حزب الليكود وانضم إلى كاديما، ليشغل منذ عام 2006 حتى 2009، منصب وزير النقل والسلامة على الطرق في عهد إيهود أولمرت.

وفي الكنيست - مجلس النواب الإسرائيلي - ترأس موفاز لجنة الشؤون الخارجية والدفاع وكذلك لجنة ميزانية الدفاع. وفي 2012، هزم موفاز تسيبي ليفني رئيسة حزب كديما آنذاك ووزيرة الخارجية في عهد أرييل شارون ويهود أولمرت؛ إذ حصل موفاز على 61.7٪ من الأصوات مقابل 37.2٪ لليفني، ليصبح قائد المعارضة في إسرائيل، والذي انتقد نتنياهو وممارساته التي وصفها بأنها "أخرجت إسرائيل عن طريقها الصحيح"، إلا أنه قام في نهاية المطاف بتشكيل حكومة مشتركة برئاسة نتنياهو ليصبح نائباً لرئيس الوزراء، وظل يعمل في هذا المنصب حتى منتصف عام 2012 عندما صوت حزب كاديما على مغادرة الائتلاف.

وبالعودة للحظة فوزه برئاسة حزب كاديما؛ أكد موفاز فور فوزه برئاسة الحزب بعد أن خسرت ليفني أن مكانها محفوظ في الحزب، إلا أن ليفني تركت حزب كاديما لتشكيل حزب جديد هو هتنوه.

وفي عام 2013 أُعيد انتخاب شاؤول موفاز للكنيست في يناير كرئيس لحزب كاديما، إلا أن كديما بالكاد تجاوز العتبة الانتخابية في انتخابات 2013 - حصدت 74735 صوتًا (2.09٪) - وفاز بمقعدين فقط في الكنيست.

لا يؤيد ضرب إيران

في مقابلة معه عام 2008 عندما كان وزيراً للنقل والمواصلات، وبعد فشل الضغط الدبلوماسي على القيادة الإيرانية لوقف تطوير البرنامج النووي، صرح موفاز بقوله: "يبدو أن هجوماً إسرائيلياً على إيران أصبح أمر حتمي". إلا أنه في عام 2012 انتقد طريقة تعامل نتنياهو مع القضية الايرانية بشكل مباشر، وحمل على عاتقه مسؤولية تصعيد "الهستيريا" - كما وصفها - حول إيران من أجل صرف الانتباه عن المشاكل الاجتماعية لإسرائيل، وهاجم موفاز نتنياهو لتعريضه التحالف الدولي ضد إيران للخطر من خلال عمله المستمر على زعزة هذا التحالف بمواقفه التي يتخذها.

ويميل مراقبوا الداخل الإسرائيلي إلى وضع موفاز في معسكر الخبراء الأمنيين المعارضين لضربة إسرائيلية أحادية الجانب ضد إيران، إذ أنه وصف ضرب إيران في عام 2012 بأنه "سابق لأوانه" و " كارثي"، وذكر أنه ليس برنامج إيران النووي ما يبقيه مستيقظاً في الليل، إنما نزاع إسرائيل الطويل مع الفلسطينيين، واحتمال أن يتسبب ذلك في زوال الدولة اليهودية إذا فاق عدد العرب في نهاية المطاف عدد اليهود في إسرائيل.

وعلى هذا قال موفاز أنه سيطرح خطة سلام قام على إعدادها منذ عام 2009 والتي لم يدعمها أحد ولم تقرها الحكومة بقيادة نتنياهو في ذلك الوقت، والتي يتصور فيها موفاز قيام دولة فلسطينية بحدود مؤقتة على 60% من أراضي الضفة الغربية مع استمرار المفاوضات، وهو ما سيقوم بإنهاء الأمر بإبقاء إسرائيل على الكتل الاستيطانية اليهودية الرئيسية، مع إجلاء ما يقرب من 100 ألف مستوطن إسرائيلي خارج الحدود التي سيقطنها الفلسطينيين.

وبالعودة إلى ملف إيران النووي في ذلك الوقت؛ وبالحديث عن استخدام إسرائيل للقوة، قال موفاز: " يجب أن يكون ذلك فقط عندما يكون السيف على أعناقنا، ونرى أنه لا أحد سيتحرك ولا يوجد خيار آخر". وأضاف "اليوم ليس هذا هو الوضع، فهناك وقت ومجال للدبلوماسية والعقوبات". وقال إن الأولوية الدولية لإسرائيل في الوقت الحالي يجب أن تكون حماية معاهدتي السلام مع الأردن ومصر، وقال إن على إسرائيل أن تعمل عن كثب مع أي شخص ينتهي به الأمر بقيادة مصر، سواء كان إسلاميًا أو غير ذلك.

نهايات باعتقال محتمل

في نهاية مشواره السياسي، وبحلول عام 2015 أعلن موفاز انسحابه من السياسة وانحل على إثر ذلك حزب كاديما، فيما أعتبر المحللون أن يكون انسحاب موفار من الحياة السياسية بمثابة موت للتيار الذي مثله موفاز طوال السنوات التي عمل فيها في السياسة.

وفي سياق إعلانه اعتزال السياسة، اعترف موفاز بأنه "ليس سياسياً عظيماً ... السياسة ليست شيئاً أسعى للتفوق فيه". فيما نُقل أن وزارة الخارجية والسفارة الإسرائيلية في لندن تقوم بترتيب حصانة دبلوماسية قبل زيارة موفاز للندن، حيث كان هناك تكهنات لتعرضه للاعتقال بسبب جرائم حرب.

وقبل الرحلة، أبلغ السفير البريطاني لدى إسرائيل - ماثيو جولد - موفاز أن جهوده للحصول على حصانة له باءت بالفشل، فيما قرر موفاز المضي قدما في الرحلة بغض النظر عن العواقب. وهو ما لم يحدث بحقه أي اعتقال، مع ظهور قضايا فساد أخرى تلاحقه في الخارج.