إصدار جديد لـ"الظواهري".. مصير "أمير القاعدة" ما زال غامضا

نشرت مؤسسة السحاب، الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة، مساء الجمعة الماضي، إصدارًا جديدًا لأمير التنظيم، أيمن الظواهري، بعنوان "الروهينجا جرحُ الأمة كلها"، وذلك بعد فترة طويلة من انقطاعه عن الظهور الإعلامي، ورواج أنباء غير مؤكدة عن وفاته لأسباب طبيعية.

وضاعف الإصدار الأخير من الشكوك المثارة حول مصير "أمير القاعدة"، لا سيما أنه لم يؤكد أو ينفي بشكل قاطع الأنباء التي تم تداولها أواخر العام الماضي عن وفاته بسبب معاناته من أمراض تنفسية، وفقًا لتقرير سابق نشرته صحيفة "عرب نيوز"، بعد حديث لعدد من المصادر الاستخبارية المطلعة على ملف التنظيم في أفغانستان وباكستان.

وجاء الإصدار الجديد في 21.39 دقيقة، وتضمن الإشارة إلى مأساة مسلمي الروهينجا داخل إقليم أراكان بميانمار، لكن اللافت للنظر أن الإصدار خلا من أي صورة أو تسجيل مرئي لـ"الظواهري"، إذ تحدث أمير القاعدة لنحو 5 دقائق فقط من إجمالي مدة الإصدار، فيما بدا صوته واهنًا بدرجة واضحة مقارنةً مع آخر إصدار نشره التنظيم له في الذكرى الـ19 لهجمات الحادي عشر من سبتمبر.

وعانى "الظواهري"، خلال المدة القصيرة التي تحدث فيها، من مشكلات في التنفس، وهو ما بدا في صعوبة التنفس "النهجان" الذي وضح في بعض فقرات حديثه، ومن الواضح أن القائمين على الجناح الدعائي للقاعدة عمدوا إلى اجتزاء/ قص مقاطع من صوته وتوظيفها في الإصدار لإخفاء المشكلات التنفسية التي عانى منها أمير التنظيم.

تسجيل قديم

خلال الإصدار، تحدث أيمن الظواهري عن الانتهاكات التي قامت بها الحكومة الميانمارية ضد مسلمي الروهينجا، خلال فترة حكومة رئيسة الوزراء "أونغ سان سوتشي" قائلًا: "أما حكومة ميانمار الديمقراطية فلم تُفرض عليها عقوبات.. رغم أن الجريمة ثابتة بالصور والأصوات والأشلاء والدماء، كل هذا لأن الضحايا مسلمون"، وهو ما يشير إلى أن تسجيل زعيم القاعدة، قد تم خلال الفترة التي سبقت الإطاحة بـ"سوتشي" من سدة الحكم عبر انقلاب عسكري قام به الجيش مطلع فبراير الماضي.

ولم يُتبع اسم أمير القاعدة بأي صيغة من صيغ الدعاء التي يستخدمها تنظيم القاعدة عادةً، كعبارات: (حفظه/ رحمه/ تقبله الله)، وذلك خلافًا للمعهود في الإصدرات التي تبثها تلك المؤسسات الدعائية.

وربما يكون اللجوء إلى هذه الطريقة من قبيل المراوغة الدعائية التي تنتهجها مؤسسات إعلامية تابعة للتنظيم في إطار عمليات الحرب الإعلامية- النفسية، إذ سبق أن التزم فرع التنظيم بشبه الجزيرة العربية الصمت بعد شائعات القبض على أميره "خالد باطرفي" في عملية للقوات اليمنية خلال أكتوبر الماضي، رغم أن تلك الشائعات وجدت طريقًا لتقرير الدعم التحليلي المكلف بمتابعة ملف تنظيمي القاعدة وداعش والتابع لمجلس الأمن الدولي، لتظهر في تقريره الأخير حول وضع التنظيمات الجهادية في العالم.

 خالد باطرفي

 

وبعد أيام من نشر هذا التقرير، بثت مؤسسة الملاحم إصدارًا جديدًا لخالد باطرفي بعنوان: "أمريكا والأخذ الأليم" تحدث فيه عن اقتحام مبنى الكونجرس الأمريكي والذي تم خلال يناير 2021، نافيًا بذلك الشائعات التي ترددت حول القبض عليه.

وعقب ظهور "باطرفي" روج أنصار "القاعدة" على شبكة الانترنت، أن ظهوره بعد الحديث عن القبض عليه يعد بمثابة الانتصار في معركة من الحرب الدائرة بين ما يصفونه بـ"إعلام المجاهدين" و"إعلام الصليبيين".

وحتى الآن، لا يمكن الجزم بما إذا كان قيادة التنظيم المركزية وذراعها الإعلامي "السحاب" يكرر ما فعله سابقًا في اليمن، خاصةً في ظل حالة عدم اليقين التي تكتنف مصير "الظواهري" في الوقت الحالي، والتي تتعزز في ظل عدم إعلان الولايات المتحدة أو أي من الدول المنخرطة في مواجهة القاعدة، عن أي معلومات رسمية حوله.

وحسب تقرير سابق لـ"ذات مصر" فإن قيادة تنظيم القاعدة تعرضت لحالة من الخلخلة منذ حادثة اغتيال أبو محمد المصري (عبد الله أحمد عبد الله) في العاصمة الإيرانية، طهران، في أغسطس 2020، إضافة لمحاولات أخرى لاغتيال عدد من قيادات “القاعدة” البارزين، منهم نجل مصطفى حامد أبو الوليد، المعروف بقربه من قيادتي طالبان والقاعدة، ومحاولة اغتيال نجل أحمد حسن أبو الخير (نجل أبو الخير المصري، الرجل الثاني في القاعدة، وصهر أبو محمد المصري سابقًا)، وكانت المحاولة الأخطر استهداف مقر محتمل لإقامة أيمن الظواهري والتي أدت إلى مقتل "الساعي" (المراسل الشخصي) الخاص به، ما أدى إلى انقطاع الاتصال بينه وبين تنظيم أنصار حراس الدين، فرع القاعدة في سوريا، وهو الأمر الذي أسهم في تعزيز الشكوك حول موت الظواهري الذي تدهورت حالته الصحية بصورة ملحوظة خلال السنوات القليلة الماضية.

ودفعت سلسلة الاغتيالات المذكور، قيادات الصف الأول بالقاعدة، إلى الكمون والاختفاء، والتوقف عن استعمال الهواتف وأجهزة الاتصال الإلكترونية، إذ اختفى محمد صلاح الدين زيدان “سيف العدل” وغيره من قيادات القاعدة، وتوقفوا عن التواصل الروتيني مع “شبكة القاعدة”، في حين ظل مصير أيمن الظواهري مجهولاً، لكن مصدر على معرفة وثيقة بشؤون التنظيم، أكد لـ“ذات مصر” أنه ما زال على قيد الحياة، وأن اختفاءه ليس إلا هروبًا من الملاحقة.

الاستراتيجية ذاتها

وبعيدًا عن المصير الغامض لأمير تنظيم القاعدة، أكد إصدار "الروهينجا جرحُ الأمة كلها" على 2 من محاور الاستراتيجية الرئيسية للتنظيم، الذي يسعى لإثبات جدارته بقيادة حركة الجهاد المعولم، بعد الشقاق الجهادي مع "تنظيم الدولة الإسلامية- داعش".

 أقلية الروهينجا

 

وقد يكون اختيار أزمة الروهينجا كمحور للحديث في هذه الفترة مرتبط، بإعلان مجموعات محلية من هذه العرقية مبايعة أبو إبراهيم الهاشمي، أمير تنظيم داعش، رغم عدم إعلان الأخير قبوله لتلك البيعات صراحةً لأسباب تنظيمية- مصالحية، إذ اكتفى متحدثه "أبوحمزة القرشي" بالإشارة إلى قبول الأول للبيعات التي قُدمت له من مختلف الأقطار، وذلك خلال كلمته الصوتية الأخيرة والتي بثتها مؤسسة الفرقان في أكتوبر 2020.

وحث أيمن الظواهري بقية جماعات الإسلام السياسي لتدشين تحالف قتالي بدعوى الدفاع عن الأمة الإسلامية، وهي الدعوة التي دأب على ترديدها خلال السنوات القليلة الماضية، ووجها إلى شباب جماعة الإخوان الناقمين على قيادتهم وغيرهم من المقتنعين بأفكار الحركات الإسلامية، في حين انتقد في ثنايا حديثه هيئة تحرير الشام التي يقودها أبومحمد الجولاني والتي انقلبت على القاعدة وفرعه السوري المسمى بـ"حراس الدين" خلال وقت سابق، ويبدو أن حديث "الظواهري" الأخير لم يراوح المنطقة التي ظلت قيادة القاعدة متوقعة فيها، منذ سنوات، كتعبير على ما يبدو على شيخوخة التنظيم الذي أصبح ينظر إليه كـ"أسد عجوز".