فراج إسماعيل يكتب: كلهم نازيون

ذات مصر

لن نستطيع بعد اليوم أن نتمثل قيم ومبادئ أوروبا والولايات المتحدة ولا تصديق دفاعهم عن الحقوق الإنسانية ولن يزيد إعلامهم شبرا عن إعلام كوريا الشمالية أو دول السقف "الواطي".

الحرب على غزة أسقطت ورقة التوت عن نازية أكثر شراسة من الهتلرية، بعد أن ظلت تتخفى وراء الحضارة والقوة والحرب على الإرهاب. 

هل يمكن التفرقة بين موقف أمريكا التي تتسربل برداء الحريات والديمقراطية والإنسانية، في دعمها اللا محدود لمحرقة غزة التي تفوق كثيرا محرقة الهولوكوست ضد اليهود، وبين سلوك هتلر وهمجيته وتعطشه للقتل والحرق وسفك دماء الأبرياء؟!..

إذا كان هتلر مسئولا مسئولية غير مباشرة عن بنت خطيئة الاستعمار البريطاني وزرعها في أرض مغتصبة من أصحابها الحقيقيين، كرد فعل على جريمة الهولوكوست، فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن، مسئول مسئولية مباشرة عن الإبادة الجماعية لنحو مليونين و200 ألف فلسطيني.

لقد ذهب بايدن وإدارته بعيدا في دعم العدوان الهمجي. لم يرجف له جفن أوتدمع له عين أو ينبض له قلب على مئات الأطفال والرضع الذين أزهقت القنابل الفوسفورية أرواحهم، وما دعا الديمقراطيين الليبراليين من حزبه يكيلون له الانتقادات، لكن دموعه سقطت كالمطر على روايات خيالية تزعم قطع رؤوس 40 طفلا ورضيعا في مستوطنات غلاف غزة، تماما كما سقطت دموع مذيعي القنوات الأمريكية التي تدعي الصدق والمهنية، على جثة محروقة باستخدام إسرائيل للذكاء الاصطناعي، ثم تبين لاحقا أنه كلب ميت في الواقع وليست جثة آدمية!

ما أكثر فضائح الإعلام الأمريكي بقنواته وصحفه الكبرى في تغطيته لهذه الهمجية، ونفس الشيء القنوات والصحف الأوروبية. لبسهم جميعاً "عفريت النازي" فاصطفوا اصطفافا أعمي مع العدوان، وتحولوا إلى دمية يحركها جنون ونازية بيبي نتنياهو الذي تعرض لسخرية مريرة خلال الأيام الماضية من الرئيس السابق ترامب.

بايدن حشد حلفاءه والعالم ضد روسيا لأنها فرضت حصارا على أوكرانيا، ولكنه لم ير في منع الماء والوقود والغذاء والكهرباء والدواء عن سكان غزة ما يستحق الكلام!

وحتى عندما خرج صحفي أمريكي عن السرب وسأل مستشار الأمن القومي جيك سوليفان: ما الفرق بين ما فعلته روسيا في أوكرانيا وبين ما تفعله إسرائيل في غزة؟.. أجاب باقتضاب ودون خجل: "إسرائيل ليست روسيا". ولأنها إجابة حمالة أوجه، وقد تحمل على التدليل الزائد لبنت الخطيئة، زاد عليها بأنه تلقى من الإسرائيليين ما يفيد استئناف ضخ المياه إلى جنوب غزة.

النكبة الأولى للتهجير القسري عام 1948 جاءت كطلق دموي لولادة بنت الخطيئة الاستعمارية "إسرائيل" وزرعها.. أما النكبة الحديثة فستكون أقسى وأشد.. خصوصا حجم القتلى من الأطفال والنساء الأبرياء وكذلك الأعداد المليونية المهجرين قسريا من بيوتهم أو دمرت عليهم ودفنوا تحت ركامها لدرجة قتل عائلات كاملة لم يبق من نسلها أحد، وهي جريمة غير مسبوقة في أي إبادة بشرية عبر التاريخ.

لا نعلم عن تهجير قسري مشابه لأكثر من مليون و100 ألف من شمال غزة إلى جنوبها خلال ساعات قليلة، ثم يجري قصفهم من الجو أثناء تدافعهم للهروب من القتل الجماعي من الجو بسلاح أمريكي وبريطاني وألماني.

لم يهتز بايدن لذلك.. بل نشر موقع أوكسيوس الأمريكي أنه سيزور إسرائيل في وقت لاحق من هذا الأسبوع لإظهار مساندته "للعدوان" ولردع إيران وحزب الله عن التفكير في التدخل.

ولم يشر وزيراه للخارجية والدفاع اللذان كانا في المنطقة  بحرف واحد إلى تلك المجازر، تكلما بكلمات عامة بلهاء عن أهمية الحرص على قواعد الحرب وعدم إيذاء المدنيين دون ذكر "إسرائيل"، ولولا الغضب الذي لمسوه من دول المنطقة التي يسمونها "الشركاء" ما نطقوا ببنت شفة عن ضرورة احترام قواعد الاشتباك الإنسانية.

ما يحدث وصمة عار لأخلاق الحضارة الغربية الحديثة وصحافتها وقنواتها وإعلامها الجديد والسوشيال ميديا باختلاف شبكاتها.

متى يستعيد أمثالنا الثقة فيمن بنوا ثقافتهم على أنهم القدوة وأنهم المدافعون عن الحريات الشخصية والعامة والقانون وحقوق الإنسان؟!

لا أظن أن هؤلاء النازيين الجدد تركوا لنا المجال.