علاء عوض يكتب: لماذا لم يجتح الجيش الإسرائيلي غزة حتى الآن؟

ذات مصر

لماذا لم يجتح الجيش الإسرائيلي غزة حتى الآن؟رغم الدعم اللوجستي اللا محدود من أمريكا وبريطانيا وقيام البحرية الأمريكية بتأمين منافذ إسرائيل البحرية، ووضع كامل سواحل  إسرائيل تحت الحماية، وبما يضمن ردع «حزب الله» وإيران بشكل كامل؟

«طوفان الأقصى» لم تدلل على خطورة وفاعلية حركة «حماس» العسكرية فحسب، بل أيضا كشفت أن لدى حماس تقديرات دقيقة حول نقاط ضعف الجيش الإسرائيلي، ونقاط ضعف المنظومة التكنولوجية التي كان يفتخر بها هذا الجيش. وكما انهارت أسطورة خط بارليف في ساعات قليلة في حرب السبت 6 أكتوبر 1973 الذي كانت تسوقه اسرائيل على أنها مقبرة المصريين إذا حاولوا العبور للضفة الأخرى للقناة بسلاح المياه.

انهارت أيضا أسطورة الجدار الحديدي الذكي الذي يفصل بين غزة وإسرائيل على طول أكثر من ستين كيلومترًا في الحدود بين إسرائيل والقطاع، شمالًا وجنوبًا، ويصل إلى البحر.

وكانت إسرائيل التي أنفقت على إنشائه أكثر من مليار دولار تتباهى  بقدرته على الرصد المبكر ومهارته  في الردع السريع حتى قبل أن تفكر فصائل المقاومة في الاقتراب منه، هو الآخر انهار تماما في ساعات قليلة، ولم يصمد أمام طلقات بنادق  القناصة.

تلك الفكرة البسيطة التي أفقدت الجدار الإسرائيلي فاعليته، أدخلت الجيش الإسرائيلي في نفق كبير من القلق والخوف. وأصبح يخشى مفاجآت «حماس»، فمن المؤكد أن حماس وهي تنفذ «طوفان الأقصى»  كانت  تضع في حساباتها أن رد الفعل الإسرائيلي سيفكر في اقتحام غزة.

وهي الآن لا شك تنتظر سقوط جيش نتنياهو في فخ الاجتياح، وتعد له مفاجآت غير سعيدة، في ظل انخفاض الروح المعنوية للجيش الإسرائيلي، وسط حالة غير مسبوقة من الانقسام تسود إسرائيل، حتى من قبل «طوفان الأقصى».

فالمظاهرات على مدار الشهور الماضية ضد نتنياهو لم تتوقف حتى انطلاق «طوفان الأقصى»، بسبب محاولة نتنياهو تحصين فساده من الملاحقة القضائية وأصبحت شعبيته في المنطقة الحمراء.

ويرى قطاع كبير من الشعب الإسرائيلي الآن أن الطريقة السيئة التي أدار بها نتنياهو البلاد سهلت لحماس عملية طوفان الأقصى،  حيث أرهق الأجهزة الأمنية وشغلها في مواجهة المظاهرات، ولم يتعظ ويتعلم من حادث الجندي المصري محمد صلاح الذي توغل في حدود إسرائيل لمسافة كبيرة، وقتل ثلاثة جنود إسرائيليين في شهر يونيو الماضي، مما يعني ان إسرائيل تسجل أداء أمنيا غاية في السلبية كشف مدى هشاشة مخابرات وجيش وحكومة إسرائيل بقيادة نتنياهو، مما أدى إلى تهاوي شعبيته.

فحسب أحدث  استطلاعات الرأي  في إسرائيل هناك 84 % من الجمهور يعتقدون أن ما حدث يوم السبت 7 أكتوبر  في مستوطنات الجنوب ومحيط غزة هو فشل لقيادة الدولة، و56 % يعتقدون أن على رئيس الوزراء أن يستقيل وسط القتال.

ولا شك أن تصاعد أرقام حساب  معادلة الضحايا قبل اقتحام غزة بمقتل أكثر من 1300 إسرائيلي وإصابة 3526 بالإضافة إلى 199 أسير، عنصر آخر يجعل نتنياهو يفكر ألف مرة قبل دخول غزة التي غادرها الجيش الإسرائيلي في 2005 هروبا من جحيمها، بعد ظهور سلاح الأنفاق في مطلع عام 2003، حيث تمكنت حماس من بناء شبكة من الأنفاق تحت الأرض، شكلت تهديدا خطيرا على الجيش الإسرائيلي، خاصة وأنه لم يتمكن من تدميرها بسبب عمقها الكبير تحت الأرض، وخرائطها المتشعبة. ومن المؤكد أن حماس طورت تلك الإنفاق الآن بشكل يجعل غزة مقبرة كبرى لجيش إسرائيل، الذي هرب من غزة في 2005 في وقت كانت المقاومة ضعيفة الإمكانيات عند مقارنة تلك الإمكانيات بما تملكه الآن المقاومة من معدات وخبرات وتحالفات تضمن لها تدفق الإمدادات.

ولكن هل حسابات  العوامل السياسية والجغرافيا هي فقط ما تقف خلف عدم الدخول إلى غزة حتى الآن؟ 

هنا يحضر اقتصاد إسرائيل المأزوم منذ بداية العام، بفعل تقديم نتنياهو مصالحه الشخصية على مصلحة إسرائيل، فتراجع رامز الاقتصاد الإسرائيلي الشيكل 10% من بداية العام حتى، الآن والنصيب الأكبر من هذا التراجع تقف خلفه المظاهرات المناهضة لتعديلات نتنياهو القضائية.

ثم جاءت «طوفان الأقصى» لتفتح باب الهلاك المالي والنقدي على إسرائيل. فتكلفة تلك الحرب تبلغ في أقل تقدير مليار دولار في الأسبوع الواحد، بالإضافة إلى أن حشد 300 ألف من قوات الاحتياط وسحبهم من سوق العمل أصاب المشهد الإسرائيلي بالارتباك، مما دفع البنك المركزي هناك لضخ 30 مليار دولار في الأسواق لدعم العملة الإسرائيلية. وبذلك تكون إسرائيل أنفقت 15% من الاحتياطي قبل أن تصل أقدامها إلى مستنقع غزة.

ويفهم نتنياهو أن الدخول إلى غزة ليس نزهة، وربما يكون الأمر ذهابا بلا عودة قبل عام على الأقل.

فهل يتحمل اقتصاد إسرائيل تبعات تلك الحرب؛ خاصة أن غزة ليست وحدها، وهناك دعم مصري إيراني روسي أردني تركي سوري لها، بما يسمح بفتح ساحات أخرى لتلك الحرب؟

يبدو لي مما سبق أن إسرائيل لن تدخل غزة، وأن نتنياهو يضغط بضرباته الجوية للمستشفيات ويدمر البنية التحتية ويقتل المدنيين، ويحاصر أهل غزة بهدف شراء الوقت، حتى يقوم الرئيس الأمريكي الذي وصل المنطقة لإيجاد حل.

في الواقع أن حماس ربحت جولة  المعركة هذه. ويعلم نتنياهو العاجز  ذلك. ويدرك أنه يخوض معركته الأخيرة وهو مذبوح، وأكبر خسائره  هو شعور الشعب اليهودي بعدم الأمن للمرة الأولى منذ محرقة هتلر، التي ترتب عليها هروب عدد كبير من  اليهود من أوروبا إلى الشرق.

أما على المستوى الشخصي فأهم خسائر نتنياهو تكمن في خسارة الرهان على  مشروعه  السياسي الذي كان يحلم من خلاله بأن يتوج ملكا على العرب، فالأحداث الحالية لن تؤدي إلى تعليق الحديث عن التطبيع فقط بعد أن كشفت عملية طوفان الأقصى أنه أوهن من بيت العنكبوت، بل أيضا غرق أسس وفلسفة هذا المشروع وانتهاء صلاحيته وأن الشعوب العربية لن تشتريه أبدا.

فالتطبيع الإسرائيلي مع الأنظمة العربية المنبطحة كان هدفه الأساسي غاية في المكر، ويجعل  الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يختفي بطريقة سحرية، ويضمن ذهاب حقوق الشعب الفلسطيني دون ثمن، لذا فهدم البيت الإبراهيمي في اعتقادي أهم مكسب جيوسياسي حققه العرب منذ عام 1973 في صراعهم مع إسرائيل.

إن عملية طوفان الأقصى أبعادها وأهدافها غير المرئية هي من تحرك وتوظف الأحداث الآن. وينعكس ذلك على الثقة الحكيمة التي تدير بها حماس المعركة التي خططت لها بشكل جيد، لذا فهي ليست وحدها، وستظل تداعيات طوفان الأقصى تعمل على إعادة بناء المنطقة لعدة سنوات قادمة، وهي تحظى بدعم قوى إقليمية وأيضا من دول مؤثرة دوليا، ولكل منهم مصلحته فيما يحدث، وتشارك وتشابك المصالح بينهم صنع حلفا غير معلن لإعادة هندسة خريطة الشرق الأوسط جيوسياسيا وجغرافيا واقتصاديا، فلم يكن صدفة على الإطلاق إعلان رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان عودة العلاقات مع إيران بالتزامن مع اشتعال النيران في غلاف غزة، فالآن يمكن لإيران ليس فقط دعم الجيش السوداني في معركته ضد ميليشيات حميدتي المدعوم من الحلف الإماراتي الإسرائيلي بل وأيضا فتح ممر لإيصال السلاح لحماس عبر البحر  الأحمر، بالإضافة لعرقلة الأنشطة الملاحية لإسرائيل بنفس الصواريخ المجهولة التي كانت تصيب السفن الإسرائيلية في بحر العرب.

وكذا إعلان بوتين قبل التوجه إلى الصين لحضور منتدى الحزام والطريق، أن حصار غزة من قبل إسرائيل يشبه حصار ستالينغراد من قبل النازية. يفهم بوتين جيدا أهمية صمود غزة حتى تصبح مقبرة لخطط واشنطن التي تهدف لإقصاء روسيا خارج لعبة ممرات الطاقة وطرق التجارة؛ فالجيش الروسي في قلب الحدث يحرك الأحداث من دمشق وروسيا لم يعلن قط أن حماس منظمة إرهابية. كما أن وفوداً من حماس زارت موسكو العام الماضي وهذا العام، ومنظومات أسلحة روسية الصنع قد شقت طريقها إلى قطاع غزة، ربما على الأرجح عبر سيناء (في مصر) وبمساعدة إيرانية حسبما أعلن مؤخرا مركز جيمس مارتن للدراسات الخاصة بمنع انتشار الأسلحة النووية.

ويلوح بوتين في تصريحاته بأن مسرح العمليات الحربية إن ذهبت إسرائيل لغزة قد يتسع. لا يقصد بوتين هنا سوريا وإيران وحزب الله، فأعتقد أنه يفكر في القاهرة أيضا، فعلى مدار السنوات الماضية والجيش المصري عبر صفقات سلاح ضخمة ومتنوعة من عدة دول يبدو أنه يستعد لمعركة تقلدية.

وبوصول بوتين إلى الصين اليوم   لحضور منتدى الحزام والطريق يبدو أنه يحتفي بنجاحه في نقل جزء من لعبة الحرب من المسرح الأوكراني إلى اسرائيل وانعكاس ذلك بالسلب على الحلف الأمريكي الأوروبي الداعم لأوكرانيا، وأصبح التركيز الآن على الشرق الأوسط مما أضعف مركز الجيش الأوكراني وفي الوقت نفسه المظاهرات المناهضة لإسرائيل وتدين مجازرها في غزة أصبحت تهدد أوروبا من الانفجار من الداخل، بسبب صراع الثقافات الناجم عن تيارات الهجرة لأوروبا، وذلك الانفجار من الداخل هو أحد رهانات بوتين  بالإضافة إلى رغبته في توظيف أحداث غزة بالتعاون مع بكين في الإطاحة بالرئيس الأمريكي بايدن في الانتخابات الأمريكية العام القادم بإفشال صفقة التطبيع السعودي الإسرائيلي ونشر الفوضى في إسرائيل بما ينعكس بالسلب على مركز بايدن وشعبيته في الانتخابات القادمة. 
وربما يفسر ذلك  سبب إرسال حاملات الطائرات الأمريكية لشواطئ إسرائيل، وكذا وصول وزير خارجية أمريكا للمنطقة ثم قدوم بايدن بنفسه. فهو بالأساس فهم المخطط ويحاول إنقاذ مستقبله السياسي فاللعبة كبيرة جدا.

بوتين يريد أن يقول أيضا من الصين لشعوب العالم، بينما يركز هو وشي جينبينغ على التنمية والتعاون  وتخليص العالم من هيمنة أمريكا، فإن إمبراطورية الفوضى الأمريكية الإسرائيلية تشارك في تصدير الموت والدمار إلى الشرق الأوسط بنزع الصفة الإنسانية عن سكان غزة ومنع الماء والغذاء والدواء عنهم وقصف المستشفيات.

ومن المؤكد ان حليفه الصيني هو الاخر في غاية السعادة بما يحدث في الشرق الأوسط ويحتفي مع بوتين بقرب الاطاحة بالرئيس الأمريكي، وقطع طريق ممر بايدن وإظهار مفترق طرقه من الهند إلى الخليج وصولا لإسرائيل على أنه منطقة غير مستقرة أمنيا بشكل يجعل إقامة المشاريع في دروبه ضربا من الجنون والخيال.

فالهدف  الصيني إعدام أي طريق بديل لطريق الحرير  عبر إشعال النيران في محطة ارتكاز ممر بايدن في عسقلان وأشدود ويمكن الآن للصين بعد طوفان الأقصى أن تحصل على ورقة تفاوض مهمة مع واشنطن على السماح بمرور طريق الحرير من سوريا مقابل إطفاء النيران في تل أبيب، فأحد الوظائف الرئيسية للقواعد الأمريكية في سوريا  منع  طريق الحرير الصيني من العبور.

ولكن هل الصين لها نفوذ في غزة يسمح لها بأن يفعلوا مرة أخرى ما فعلوه مع السعودية وإيران؟

الاجابة نعم، فبكين ستكون المحفظة المالية التي تعيد إعمار غزة ومواقفها من الصراع الحالي تميل لمصلحة حماس.
وتهدف الصين من استمرار صمود حماس لفترة طويلة  في حربها ضد إسرائيل للإضرار بالاتفاق الأمريكي السعودي الإسرائيلي في إطار التطبيع وطريق بايدن. وبالفعل الرياض تراجعت خطوات بعد طوفان الأقصى. 

ما هذه الصدفة العجيبة! تزامن عملية طوفان الأقصى مع منتدى الحزام والطريق . وهل الأحداث في عالم السياسة تحكمها الصدفة؟

مصر هي الأخرى لاعب أساسي في تلك المباراة، فبرهان السودان حسب مجريات الأحداث في حرب الخرطوم الاهلية ينسق مع القاهرة في كل خطواته ولا شك أن عودة العلاقات السودانية الإيرانية في هذا التوقيت بالتزامن مع عملية طوفان الأقصى هي إحدى الرسائل المصرية لأمريكا وإسرائيل والإمارات، وتعكس تنسيق مستتر بين طهران والقاهرة فيما يحدث بالمنطقة وثمة شواهد أخرى تعكس هذا التقارب اهمها انضمام القاهرة وطهران للبريكس في إطار عملية شاملة للتعاون التجاري والاقتصادي. والشاهد الآخر  الأهم كان في نهاية مارس الماضي بإعلان القاهرة السماح للإيرانيين بزيارة محافظة سيناء  وتدرك جيدا القاهرة قطعا الأثر المزعج لتلك الخطوة على إسرائيل، فطهران على بعد خطوة واحدة منها في أكثر من بقعة ملتهبة لبنان وسوريا  والآن سيناء، ورغم ذلك فعلتها القاهرة.

في الواقع يمكن فهم أهمية حرب غزة بالنسبة لمصر من اللحظة الأولى لانطلاق عملية طوفان الأقصى وتوظيفها لصالح حماية الأمن القومي المصري، فهجوم عناصر حماس منذ الدقائق الأولى  على مدينة عسقلان وأشدود  والأخيرة تعدّ الميناء  الأهم في إسرائيل ويمثل 60% من حجم تجارة إسرائيل أما ميناء عسقلان فهو خزان وقود إسرائيل ومحطة الرياض وأبوظبي المنتظرة لنقل بترول الخليج إلى أوروبا ويشكل هو وميناء اشدود حسب المخطط لممر بايدن بديل لقناة السويس  بسرقة حصة كبيرة من رصيد  التجارة الدولية التي تمر  بقناة السويس. لصالح إسرائيل مما يجعلها الدولة المحورية في المنطقة  فممر بايدن هو تطوير لفكرة ابن زايد نتنياهو ايلات عسقلان، لنقل بترول الخليج لأوروبا دون المرور في قناة السويس. ويعد ذلك  بمثابة طريق رأس رجاء صالح جديد وكما ساعد اكتشاف هذا الأخير  في تعميق أزمة مصر الاقتصادية وقتها مما سهل سقوط دولة المماليك فإن ممر بايدن في اهم وظائفه أيضا تعميق أزمة مصر المديونية لثعالب بيوت المال وخنقها اقتصاديا وإسقاط نظام يوليو بهدف تقزيم مصر لصالح إسرائيل والإمارات التي تقوم  بشراء النفوذ التاريخي لمصر بثمن بخس عبر شراء أفضل أصول مصر المنتجة والسيطرة على عدة موانئ إستراتيجية، وفي نفس الوقت تشعل النيران بالتعاون مع إسرائيل في حدود مصر الجنوبية بالتزامن مع نجاح مشروعهم في إثيوبيا بظهور سد النهضة على مسرح الأحداث وأحد وظائفه، ليس فقط تصدير المياه لإسرائيل لزراعة صحراء النقب بل وأيضا فرض قيود على القرار المصري مقابل المياه.

أما السعودية التي يبدو لي من سياق أحداث تعنتها المالي الحالي مع القاهرة أنها كانت تريد استغلال الأزمة المالية في مصر لشراء حصة  في قناة السويس، فلم تكن الإشاعات التي انتشرت حول بيع قناة السويس في الربع الأول من هذا العام إلا بالونة اختبار.

ولكن مكانة قناة السويس التي يمر بها 10% من تجارة العالم في قلوب المصريين أجهزت على المشروع السعودي في بداياته  فالأهمية المعنوية لقناة السويس في قلوب المصريين تفوق أهميتها الاقتصادية بعدة مراحل، فهي رمز للتحرر من استعمار واحتلال دفعت مصر ثمنا باهظا للتخلص منه.

أخطأت الرياض وأبوظبي في الحسابات مع القاهرة  وجاءت عملية طوفان الأقصى لتعطي فرصة جيدة لمصر لضرب رأس حربة المشروع الإماراتي السعودي الإسرائيلي في مقتل، فميناء عسقلان وأشدود أصبحت الآن مناطق خطر لا تصلح في الاعتماد عليها في التجارة الدولية، ولا بديل عن قناة السويس.

يبدو أن  ولي العهد السعودي فهم   ذلك و قفز من مركب التطبيع قبل  أن يغرق به وحاول أن يسوق نفسه من جديد كحام للمقدسات وغاضب من نتنياهو ولم يجد إلا اهانة وزير الخارجية الأمريكي حتى يمرر رسالته فظل بلينكن يجاهد على مدار يومين كي يحظى بمقابلة ابن سلمان في الرياض  وعندما قابله أبلغه أنه لن يكون من السهل القضاء على حماس، ناهيك عن السيطرة على غزة،  والخطط المجنونة لدى إسرائيل لن تنجح.

ومن سياق الأحداث فإن طوفان الأقصى أعاد رسم خريطة المنطقة وبات يتألف الشرق الأوسط الآن من دول تتمتع بمزيد من القوة، والمزيد من الحكمة، والمزيد من الاستقلال الاستراتيجي والاقتصاد هو الحصان الرابح عند حسن استخدام وتوظيف الحروب لصالحه، وإذا كانت الحملة الفرنسية علي مصر في نهاية القرن 18، كان اهم أهدافها قطع طريق التجارة بين انجلترا ومستعمراتها في الهند.

فإن طوفان الأقصى وان كانت اهم نتائجه الظاهرية إعادة إحياء القضية الفلسطينية التي كادت ان تموت بفعل قراصنة  التطبيع  ولكن يملك نتيجة هامة اخري  غير معلنة في محفظته وهي ايضا قطع التجارة  وممرات الطاقة من الهند الي أوروبا مرورا باسرائيل وبتمويل سعودي اماراتي.

فصراع  الموانئ والممرات التجارية علي أشده وطوفان الاقصي معركة ضمن هذا الصراع، وكل اللاعبين في حالة ديناميكية  مستمرة  والتحالفات في حالة عدم ثبات واستقرار  علي رقعة الشطرنج، ولن يسهل قلب الصَّفحة الحالية من النزاع بين اللاعبين الحاليين علي مسرح العمليات الحربية في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا   ولا تصفُّحها كماض فلن  تضع الحرب أوزارها وسوف تشتعل النيران في مزيد من الساحات وحتى  الذاكرة ستعلن نضالها وستظل تغذي تلك الصراعات  بواجبات دينية وعرقية.