هشام النجار يكتب: أطفال غزة.. كيف نسي الإسرائيليون سلاح داود؟

ذات مصر

أي مكسب سياسي محتمل يحصده الفلسطينيون مستقبلًا بعد أن تضع الحرب الشنيعة
أوزارها، لن يكون من جراء براعة من نفذوا عملية طوفان الأقصى، إنما هى أثر
في المقام الأول لصمود وصبر ونضال أهل غزة (رجالها وشبابها ونساؤها
وأطفالها) تحت الحصار والقصف الهمجي القاسي الغبي.
الصور التي نراها كل لحظة تحكي كل شيئ فلا يظهر في الكادر سوى الأطفال
تحت القصف، حيث لم يسمعوا صافرات الإنذار تدوي قبل الغارة ولم يفروا لملاجئ
(فلا ملاجئ في الأساس)، وقد اختبأ المسلحون تحت الأرض وفي الأنفاق وتواروا
في الكمائن وفقًا لحساباتهم الميدانية، ولا وجود سوى لطفل أو مجموعة أطفال
يتلقون النار والجحيم بثياب رثة وأجساد هشة وقلوب من حديد، لو كُتب لأصحابها
البقاء لصاروا أبطالًا مغاوير ذوي بأس شديد.
تكفي نظرة الطفل حتى بدون أن يضرب أو يصد بيده الناعمة لمن يحاول طمسه
وتحييده ويقول له وهو يرسل لرأسه قذيفة أن اختفي للأبد ولا تكبر، كونها شرارة
مقاومة لا تنطفئ ولا تخبو، وحالة حياة تطفو على بحار اليأس وتجتاز جبال
الحزن، وتتكسر عليها آلة الموت وإن أماتت عائلته بأكمها وأخته الصغيرة وأدمت
عروستها القماشية ولم تترك لأخيه فرصة ليكمل وجبته.
أطفال غزة وان قدر جيش الموت على إفناء المسلحين ومطلقي الصواريخ عن بكرة
أبيهم سيبقون، ستجدهم إن لم تُعد الحقوق وتُقام الدولة منتشرين بطول الأرض
المحتلة وعرضها يزاحمون محتليهم وغاصبي أرضهم؛ إما نحن أو أنتم أو نحن معًا
وفقًا لصيغة تعايش عادلة، فأرض مروية بدماء آبائنا وأجدادنا لن نغادرها وسنظل
نقاتل ولو بالحجر إذا تعذر علينا تدبير الصاروخ والرصاصة والمقذوفة.

إستعدتُ وأنا أراقب حركة ونظرات وركض أطفال غزة ودبيب أقدامهم على
الأرض، ولغة أجسادهم وتعبيرات ملامحهم المدهشة حتى تحت الهول وفي قلب
الملحمة، ما رواه الإمام الطبري في تاريخه أن نبي الله داود عليه السلام لما خرج
لمقاتلة جالوت، ألبسه طالوت عليه السلام (سلاحه).. فكره داود عليه السلام أن
يقاتل بسلاح، وقال: إن الله إن لم ينصرني عليه لم يغن السلاح.. فخرج إليه
ب(المقلاع) وبمخلاة فيها أحجار، ثم لما برز له..
قال له جالوت: أنت تقاتلني؟
قال داود: نعم ..
قال: ويلك، ما خرجت إلا كما تخرج إلى (الكلب) بالمقلاع والحجارة.. لأبددن
لحمك ولأطعمنك اليوم الطير والسباع..
فقال له داود: بل أنت عدو الله شر من الكلب.. فأخذ داود حجرًا من المخلاة ورماه
بالمقلاع حتى نفذ في دماغه، فصرع جالوت وانهزم.. واحتز داود رأسه" ..
هي دروس لا تنفد تتعلمها شعوب العالم الحر وجماهير الأمم المقهورة من تلاميذ
غزة الذين يواجهون أعتى ما توصلت إليه العنجهية و(العبقرية) البشرية المزعومة
في تصنيع آلات الهدم والردم والتدمير والسحق والبتر والمحق، بصدور عارية
ونظرات ذهول نارية، وانتظار واستشراف لفرصة قادمة لإثبات الذات وإحياء حلم
من مات، وبيد داوود ذو العزم الشديد الذي ألان الله له الحديد..
وهكذا تظل قصيدة نزار القديمة (يا تلاميذ غزة علمونا) التي نُشرت حين ولادتها
في (الأهرام) العريقة المعبرة عن صوت العروبة المقاوم، حية ما دامت الحياة وما
دامت نساء الأمم الحرة الشريفة تنجب وترضع..

يا تلاميذ غزة علمونا

يا تلاميذ غزة

يا تلاميذ غزة علمونا بعض ما عندكم فنحن نسينا
علمونا بأن نكون رجالا فلدينا الرجال صاروا عجينا
علمونا كيف الحجارة تغدو بين أيدى الأطفال ماسا ثمينا
كيف تغدو دراجة الطفل لغما وشريط الحرير يغدو كمينا
كيف مصاصة الحليب إذا ما اعتقلوها تحولت سكينا
يا تلاميذ غزة لاتبالوا بإذاعاتنا ولا تسمعونا
اضربوا اضربوا بكل قواكم واحزموا أمركم ولا تسألونا
نحن أهل الحساب والجمع والطرح فخوضوا حروبكم واتركونا
إننا الهاربون من خدمة الجيش فهاتوا حبالكم واشنقونا
نحن موتى لا يملكون ضريحا ويتامى لا يملكون عيونا
قد لزمنا جحورنا وطلبنا منكم أن تقاتلوا التنينا
قد صغرنا أمامكم ألف قرن وكبرتم خلال شهر قرونا
يا تلاميذ غزة لا تعودوا لكتاباتنا ولا تقرأونا
نحن آباؤكم فلا تشبهونا نحن أصنامكم فلا تعبدونا
نتعاطى القات السياسى والقمع ونبنى مقابرا وسجونا
حررونا من عقدة الخوف فينا واطردوا من رؤوسنا الأفيونا
علمونا فن التشبث بالأرض ولا تتركوا المسيح حزينا
يا أحباءنا الصغار سلاما جعل الله يومكم ياسمينا
من شقوق الأرض طلعتم وزرعتم جراحنا نسرينا

هذه ثورة الدفاتر والحبر فكونوا على الشفاه لحونا
أمطرونا بطولة وشموخا واغسلونا من قبحنا إغسلونا
إن هذا العصر اليهودى وهم سوف ينهار لو ملكنا اليقينا
يا مجانين غزة الف أهلا بالمجانين إن هم حررونا
إن عصر العقل السياسى ولى من زمان فعلمونا الجنونا.