محمد حماد يكتب: هل تدخل إيران الحرب من أجل غزة؟

ذات مصر

إيران دولة كبيرة، ولكنها ليست دولة عظمى تتصرف في العالم أو في إقليمها طليقة من أي قيد، لا تخشى عقاب أحد، ولا تدخل في حساباتها ردود أفعال الدول الأخرى كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث مصالحها هي القانون الدولي، وقراراتها فوق قرارات الأمم المتحدة، وإجراءاتها فوق المراجعة من أي دولة أخرى مهما عظمت قوتها.

إيران دولة ذات تأثير كبير في محيطها الإقليمي، ولكنه دور محدود بقصور قدارتها وتحده خطوط مصالحها، يرجع تزايد نفوذها في المنطقة إلى تراجع أدوار دول أخرى ترهن قرارها في الجراب الأمريكي، وتضع كل بيضها في السلة الإسرائيلية.

إيران ـ مثل كل دولة في العالم ـ مصالحها ترسم سياستها، وأمنها القومي فوق أيديولوجيتها، وحدود تدخلاتها ترسم ملامحه المصالح، لا الدعاية الإعلامية، ولا البروباجندا السياسية.

**

تصاعد التدخل الإيراني في المنطقة العربية وتزايد تفاعلاتها في بلاد العرب مستغلة ثلاثة عناصر قوة:

 أولًا مجموعات العرب الشيعة المنتشرة في العراق وسوريا ولبنان ودول الخليج العربي.

 وثانيًا موقفها السياسي من القضية المركزية في المنطقة، وهو الموقف المساند والداعم للقضية الفلسطينية، والرافض لسياسات إسرائيل العدوانية والهمجية تجاه شعب فلسطين، ومؤازرتها لحق الفلسطينيين في المقاومة المشروعة للاحتلال الإسرائيلي.

وأهم هذه العناصر الثلاثة التي تستغلها إيران في التدخل المباشر في المنطقة هو غياب الموقف العربي الموحد، ثم تخاذل المواقف العربية في مواجهة إسرائيل، وأخيرًا الهرولة العربية إلى الحظيرة الأمريكية، وسعيهم الدؤوب في سبيل الرضا الإسرائيلي.

**

هذه العناصر الثلاثة هي في الحقيقة أوراق إيران في التدخل بالمشرق العربي.

ويتزايد نفوذها في الدول العربية مع كل زيادة في حصة أي عنصر من العناصر الثلاثة، مع كل زيادة في الوجود الشيعي بأي بلد عربي وتزايد تأثير هذا الوجود في محيطه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.

كما يصبح للتدخل الإيراني في شئون المنطقة مشروعية سياسية مع كل تراجع عربي عن الدفاع عن الحقوق العربية الشرعية والتاريخية.

وتصبح السياسة الإيرانية المناصرة للحق العربي (حتى لو كانت مجرد شعارات أو استغلال سياسي) وقد صار لها أنصار ومؤيدين في صفوف الرأي العام العربي، خاصة في أوقات احتدام موجات الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين كما هو جاري اليوم في غزة والضفة.

**

نأتي الآن إلى السؤال الذي طرحناه في العنوان:

هل تتدخل إيران في الحرب من أجل غزة؟

الإجابة المنطقية بالتأكيد لا.

إيران معنية بمساندة حقوق الشعب الفلسطيني، ولكنها ليست مدعوة للحرب من أجله، ولا هي مطالبة بذلك.

ولا أظن أن أحدًا يمكنه أن يأخذ عليها تقاعسها عن الدخول في حرب تواجه فيها أمريكا ومن ورائها الغرب كله من أجل غزة، إلا من باب المزايدة عليها، والسخرية من المحور الذي تتزعمه تحت مسمى محور المقاومة، وهي مزايدة رخيصة ممن يفترض أنهم مدعوون ومطالبون ومجبورون على التدخل في الحرب لمنع إبادة فلسطيني غزة أو تهجيرهم أو القضاء على قوتهم وتجريدهم من أي قدرة على الحياة الكريمة. 

**

هناك فريسة على الأرض اجتمع عليها عجوز أمريكا الراغب في التمديد له أربع سنوات جديدة، ونتن إسرائيل الذي أنهى السابع من أكتوبر حياته السياسية، وحثالة الغرب من النازيين الجدد، مع تخاذل عربي رسمي فقد القدرة حتى على الشجب والتنديد، والمطلوب من هذا الجمع هو تصفية القضية الفلسطينية، والشروع في رسم خريطة جديدة للمنطقة التي يسمونها في مخططاتهم وخرائطهم منطقة الشرق الوسط.

كل الأطراف التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة مع ما يجري من وقائع تدمير وقتل وتهجير وتجويع شعب غزة، كلها بدون استثناء واحد بما فيهم إسرائيل لا يريدون أن تنخرط إيران في حرب غزة.

الأمريكان قالوها أكثر من مرة: لا دليل على تورط إيراني في أحداث يوم السابع من أكتوبر (المجيد).

والإسرائيليون حذروا إيران ومن تسميهم أذرعها في المنطقة من التدخل وتوسيع نطاق الحرب المفروضة على غزة وحدها في الوقت الراهن.

**

إيران إذن ليست مدعوة، ولا هي مطالبة، بل تأتيها التحذيرات من كل جانب من التدخل في حرب يمكن أن تخسر فيها كل ما حققته في السنوات الأربعين الأخيرة.

وحزب الله ليس وحده هو صاحب القرار في الدخول في حرب ستكون ويلاتها على لبنان كله كبيرة وفظيعة، هو فريق من فرقاء كثيرين في لبنان، كلهم فيما عدا المكون الشيعي الآخر الممثل في حركة أمل، كلهم ضد جر لبنان لحرب يدفعون أثمانها باهظة على كل صعيد.

وكانت هناك إشارة من داخل صف محور المقاومة إلى أن التدخل قد يطال المصالح والقوات الأمريكية في المنطقة، وقد يأتي من الساحات الأبعد، في إلماحٍ إلى أنصار الله باليمن أو الحشد الشعبي والمجموعات التابعة لإيران في العراق.

وقد شهدت الأيام القليلة الماضية تعرُّض قواعد عسكرية عديدة تستخدمها قوات التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة للاستهداف بهجمات بطائرات مسيّرة وهجمات صاروخية.

**

في إطار المحددات السابق ذكرها ما هي السيناريوهات الممكنة أمام أي تدخل إيراني؟

الهدف من الحشد العسكري الأمريكي في شرق البحر المتوسط والذي يتعاظم يوما بعد يوم واضح لكل الأطراف وهو يشكل رادعًا لكل من يفكر في التدخل ضد إسرائيل، من الدول الإقليمية أو من الجماعات المدعومة من بعض هذه الدول.

ولذلك يبقى أن تدخُّل إيران كدولة في تلك الحرب لا يزال أمرًا مُستبعدًا بدرجة كبيرة، فهي لن تسعى إلى التورط في حربٍ تواجه فيها أمريكا والغرب مجتمعًا ومعهم إسرائيل التي تتلمظ من فترة طويلة من أجل تدمير ما يمكن تدميره من القدرات العسكرية الإيرانية، ولجم السياسة الإيرانية في المنطقة.

المتاح في ظل الظروف الراهنة أن تواصل الجماعات المدعومة إيرانيًا شن هجمات محدودة على أهداف إسرائيلية أو أمريكية، تحت سقف عدم التصعيد الكبير الذي يكون من شأنه أن يدفع إيران إلى التورط المباشر في الحرب.

**

لابد من توسيع زاوية النظر إلى ما يجري الآن في منطقتنا، وتداعي البوارج الحربية وحاملات الطائرات وقوات من النخبة الأمريكية وعلاقة كل ذلك بالمعركة التي تدور رحاها تحت عنوان أن يبقى القرن الحالي قرنًا امريكيًا.

رد الفعل الغربي الأمريكي على ما جرى في يوم 7 أكتوبر الجاري لا يمكن فصله عما يجري من معارك أخرى قائمة في أوروبا، ومعركة كبرى قادمة في بحر الصين.

أول ما يمكن ملاحظته في هذا الشأن أن الاصطفاف الغربي تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية الذي يحارب روسيا في أوكرانيا هو نفسه الذي جمع عدته وعتاده وإعلامه وأبواقه كلها في حرب غزة.

السؤال الذي يطرحه البعض عن تدخل إيران المباشر في الحرب من أجل غزة مردود إلى الحكومات العربية، فهي أولى بالإجابة عن الدور المطلوب منها أن تؤديه حماية لمصالحها وحفاظًا على مستقبلها قبل أن يكون دفاعًا عن غزة.