معوض جودة يكتب: قراءة بدائية في الأمن القومي .. هذا أو الخراب

ذات مصر

الآن يتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض، فأمريكا دائما وأبدا بجانب إسرائيل ظالمة أو ظالمة، وهي في كل شيء ذي فائدة ضد العرب والمسلمين، قولا واحدا لا لبس فيه ولا غبار عليه.

وما يحدث في غزة كشف بصورة جلية أن إسرائيل وأمريكا وأوروبا كيانات عنصرية استعمارية، وأن الكلام عن حقوق الإنسان والمساواة ما هي إلا مسوغات تجميلية يروجها الإعلام الغربي متى أراد الساسة وينام عنها متى أراد صانعو القرار الصهيوني بالعالم.

والآن ونحن غاضبون مهانون عاجزون عن فعل أي شيء، نقف بصدد سؤال المواجهة للذات: ماذا نحن فاعلون؟ وكيف نضمن لنا مكانا على الخريطة، بقليل من التبعية وبعض من الاستقلال؟

يتحتم علينا إن كنا راغبين في الوجود على هذه الأرض أن نواجه الحقيقة بلا مواربة، فلا مناص من مصالحة تعيد لحمة وطن منقسم على نفسه انقساما يسر الأعداء، وأن نقترب من رص الصفوف وتصفير القضايا الداخلية، أو أن نتخفف من المظالم قليلا.

 ونحن بحاجة إلى لملمة ما تبقى من الاقتصاد المتشظي بين القروض والديون والقطاع الخاص والعام، ونهب لا يتوقف في مسيرة وطن شبه متوقف.

نحتاج اهتماما بالتعليم والبحث العلمي أضعاف ما نهتم بالكرة والفن، وندرك أن تقدمنا مرهون بما ننجزه في ذاك المسار.

نحتاج إعادة النظر في التحالفات الإقليمية والدولية، فالصين وروسيا وتركيا وإيران، بل وحتى كوريا الشمالية، لنا أقرب من عدو يتربص بنا الدوائر، وينشد في سلامه الوطني خراب مصر وبلاد الرافدين.

لا أقول بشن الحرب على كيان لم يتوقف يوما عن شن الحروب علينا بصورة أو أخرى، ولكن علينا أن نأخذ حذرنا، وننحو بعيدا عن الدوائر التي تقربنا له، فمصيرنا مغاير لمصيره، وهو يربط بقاءه واستمراره بإضعاف مصر وإنهاكها إن لم يكن تفتيتها.

كان الكيان عنصري وما زال دينيا متطرفا، حتى ساسته الذين يذيعون آناء الليل وأطراف النهار أنهم علمانيون، يرتدون القبعة اليهودية في كل مناسبة، ويتحالفون مع أشد المتطرفين الدينيين في مجتمعهم الصهيوني.

إن ما يخيف الكيان هو المد الديني الإسلامي، وإن ما يؤلم الكيان هي الجماعات ذات الانتماء والمرجعية الدينية الإسلامية، سواء كانت سنية كحماس أو الجهاد الإسلامي، أو حتى شيعية كحزب الله اللبناني.

لقد أظهرت الحرب على غزة أن الغرب كله ملة واحدة، وهو يناصبنا العداء من منطلق ديني، وما تداعى قادة أوروبا وأمريكا لدعم الكيان المدجج بأحدث الأسلحة الفتاكة ضد مقاتلي حماس ومدنيي قطاع غزة، سوى بعض مما تخفيه صدورهم نحونا.

علينا أن لا ننسى ذاك الانحياز ما حيينا، فلقد بدا الغرب صهيونيا صليبا متطرفا في الإصرار على سحق وقتل المدنيين الذين لا ناصر لهم.

ذكرتنا غزة ونحن على مشارف النسيان، أن أمريكا قوة احتلال وأن وجودها وقواعدها بالعالم العربي لاستنزاف ثرواتنا وسحق هاماتنا وبذر الشقاق والنفاق بيننا ونحن مهلهلون بما يكفي لكن أمريكا لا تستكفي.

إن المنافحين عن الأرض العربية الآن هم حركات المقاومة وحدها، ولا يجب أن تكون وحدها بعد اليوم، ولا نذهب بعيدا إن قلنا إن إيران هي القطب الأبرز في تلك الممانعة التي انبطح لها العالم العربي جملة وتفصيلا.

تهرب الأفكار والكلمات في ظل هذا الوضع الضاغط الشائك، لكن لا يجب أن ننسى أننا دائما في مرحلة تحدٍّ مع عدو إن نمنا لا ينام، وإن غفلنا عنه لا يغفل عنا دقيقة، وإن سالمناه حاربنا بالأغذية المسرطنة، وأغرقنا بالأفلام الإباحية، والقضايا المصطنعة، وبالجواسيس والعملاء.

إن كنا راغبين في البقاء تحت الشمس ليكون لنا ظل وقامة وهامة، فعلينا بالإصلاح والتصالح، والعلم ثم العلم ثم العمل، ولندرك أن بطن البلد مفتوح في أسوأ الأوقات، ولا نتحمل مزيدا من اضطراب أو فوضى إن أتت لن تبقي ولن تذر، وعلى صانع القرار أن يوقف هذا الانحدار كي نعاود الصعود نحو قوة تخيف العدا ولا تخيفنا ونطمئن إليها ونعلم أنها لنا درع وسيف.