الولايات المتحدة تدق المسمار الأخير في نعش نتنياهو

ذات مصر

دفعت الولايات المتحدة، بأحد أهم وأخطر رجالها، لإدارة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بعد الإخفاقات المتعددة التي منيت بها تل أبيب منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، وتمكن المقاومة من اختراق صفوف جيش الاحتلال وقتل وأسر المئات. 

الدعم الأمريكي غير المشروط

أمريكا بدأت حملتها منذ 7 أكتوبر بدعم إسرائيل نفسيًا وماديًا وسياسيًا وعسكريًا على مدار الشهر الماضي في محاولة لرد اعتبار تل أبيب لكن الفشل المتتالي لمسؤولي دولة الاحتلال بقيادة، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ومعهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، دفعها إلى تغير خطتها.

الولايات المتحدة استعانت في البداية بوزير الخارجية الأمريكي، لكن تصريحاته وسياساته أشعلت غضبًا عارمًا في الإقليم ضد واشنطن، لتضطر للاستعانة بمنسق مجلس الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض، جون كيربي، لكن لم يفلح هو الآخر، لتلجأ إلى خيارها الأخير.

بلينكن اليهودي يثير أزمة

بدأت إدارة بايدن، التدخل في الأزمة بالدفع بالوسطاء لتحقيق أهدافها والحفاظ على وجود جبهة واحدة تحارب فيها إسرائيل، والعمل على تحييد حزب الله اللبناني، لذا تحرك أنتوني بلينكن، وزير الخارجية، في دول عربية عدة للوصول إلى صفقة تحافظ على حياة حليف الأمريكان في الوطن العربي وطرح خيارات قبيحة يترتب عليها تصفية القضية الفلسطينية.

طريقة إدارة بلينكن، مسؤول إدارة الأزمة، لم تكن جيدة، ففي بداية هجوم إسرائيل العنيف على غزة، أعلن أنه زار تل أبيب كيهودي وليس كوزير خارجية، الأمر الذي فتح طوفان غضب عليه من المواطنين في الشوارع العربية والأجنبية، وشحن موجات غضب ضد الولايات المتحدة.

فشل كيربي 

نحت الولايات المتحدة بلينكن بسبب تصريحاته البلهاء تجاه دعمه غير المشروط للاحتلال، ودفعت بمنسق مجلس الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض جون كيربي لخبرته في إدارة الأزمات في الشرق الأوسط، لكن لم يفلح هو الأخر، في الوصول إلى حل يحافظ على حياة المدنيين، ويرد الكرامة الإسرائيلية، فضلًا عن انفجار الشارع الغربي وتعاطفه مع غزة بعدما فند السردية الإسرائيلية.

مع تفاقم الأزمة في الأسابيع الأخيرة، وجدت الإدارة الأمريكية أن هذا الأمر بات يشكل خطرًا على الصورة الذهنية لدى المواطنين حول العالم بشأن إسرائيل، وكان من الضروري الدفع برجل أخر، يعيد ترتيب الأمور، لذا كان الرجل الثالث والأخير هو مسؤول الاستخبارات المركزية.

بيريز الأخير

إدارة بايدن، أعطت الضوء الأخضر لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه"، ويليام بيرنز، للانتقال إلى إسرائيل لإدارة الحرب، ووقف نزيف الانحدار الإسرائيلي، سياسيًا وعسكريًا، خصوصًا أن طريقة نتنياهو باتت تهدد الولايات المتحدة، وأمن المنطقة بالكامل.

الولايات المتحدة أخذت خطوات على مضض في الأسابيع الماضية لتهدئة الوضع في المنطقة، لكن بالطريقة التي تعيد للإسرائيليين كرامتهم التي سحقتها حركة حماس في عملية طوفان الأقصى، لكن الطريقة لم تفلح طوال 30 يومًا الماضية.

بدأ بيرنز، جولة مكثفة في الشرق الأوسط، بزيارة دولة الاحتلال الإسرائيلي ومن المقرر أن يذهب إلى مصر وقطر والأردن لإجراء محادثات مع عدد من القادة ومسؤولي الاستخبارات في تلك الدول.

يعد بريز الرجل الأخير الذي تدفع به الولايات المتحدة لكبح جماح نتنياهو، عقب المجازر الدامية التي ارتكبها منذ السابع من أكتوبر الماضي، وراح ضحيتها أكثر من 10 آلاف من المدنيين، ثلثهم من الأطفال، ونحو عشرات الآلاف من المفقودين، التي أظهرت وجه أمريكا البشع أمام الرأي العام العالمي.

يعد بيرنز من أخطر الرجال في الإدارة الأمريكية، بسبب رؤيته وتعامله مع القضايا الحساسة التي ترتبط بأمن بلاده وأمن تل أبيب، ففي أغسطس الماضي، تنبأ بيرنز بمقتل بريجوجين، القائد العسكري الروسي الذي انقلب على بوتين.

ملفات على طاولة بيرنز في الشرق الأوسط

تتمحور أولويات جولة مدير الاستخبارات الأمريكية خلال زيارته للشرق الأوسط، حول ثلاثة ملفات رئيسية، أهمها هو إطلاق سراح الأسرى لدى الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماس، بالإضافة إلى إقامة هدنة إنسانية في قطاع غزة وتجنب نشوب حرب إقليمية.

يزور بيرنز إسرائيل لحث نتنياهو على التوقف عن القتال من أجل إتاحة إدخال المساعدات إلى غزة وبذل المزيد من الجهود لتفادي وقوع ضحايا مدنيين، والسبب الآخر والأهم لهذه الزيارة والذي ربما يأتي في المقدمة، هو ردع الدول والأطراف الأخرى عن تصعيد لكي لا يتوسع الصراع مع دول عربية أخرى في المنطقة.

رحيل نتنياهو

بات رئيس الوزراء الإسرائيلي، في طريقه إلى الخروج من المشهد تمامًا، وأصبحت العلاقة متوترة في الوقت الحالي بين مسؤولين أمريكيين ونظرائهم الإسرائيليين، فبحسب تقرير "فايننشال تايمز"، فإن أمريكا طلبت من إسرائيل خفض حدة الهجوم إلا أن الأخيرة تجاهلت الأمر وهو ما فاقم الخلاف بين المسؤولين في البلدين.

نتنياهو ووزرائه باتوا في أزمة كبرى في ظل فشلهم في تحقيق تقدم يذكر رغم استمرار القصف على القطاع، وقتل أكثر من 10 آلاف شخص، خصوصًا في ظل الضغوط المحلية بسبب نجاح المقاومة في قهر أسطورة الجيش الأسرائيلي، وطريقة إدارة الحرب، وأزمة الأسرى.

واشنطن تحاول بشدة منع تدخل أطراف أخرى في الصراع الحالي، بالدفع بسفينتين حربيتين، بالإضافة إلى غواصة نووية، لكنها ترى أن الطريقة إدارة نتنياهو تفاقم الأزمة وتقود إلى تدخل أطراف أخرى، وزيادة التوتر ما يعني اندلاع حرب إقليمية.

يخشى جو بايدن أن يتوسع الصراع في الشرق الأوسط بين إسرائيل ودول عربية أخرى، وذلك قبل معركته الانتخابية في 2024، وما سيترتب عليه تغيير جذري في الوطن العربي، ما يشكل تهديدًا حقيقيًا على وجود إسرائيل.

بيرنز يطيح بنتنياهو

تشير المعلومات الواردة من واشنطن وتل أبيب إلى أن زيارة بيرنز ستكون المحاولة الأخيرة لواشنطن لتجنب الصراع، وأن استمرار نتنياهو وحكومته بنفس السياسات وتجاهل التحذيرات الأمريكية يعني رحيلهم جميعًا عن المشهد.

الولايات المتحدة ستسعى خلال الفترة المقبلة إلى تجنب اندلاع صراع إقليمي ودولي، يهدد وجودها كدولة عظمى في ظل انحيازها الكامل لإسرائيل، بالإضافة إلى أنه قد يضطرها إلى الدخول في مواجهات مباشرة مع روسيا والصين وإيران.

اندلاع الحرب بالنسبة لواشنطن يعني حدوث سيناريوهين فقط، الأول الدخول في مواجهة قوية للقضاء على المعسكر الآخر ما يهدد باندلاع حرب عالمية ثالثة، ستضطر معها لاستخدام السلاح النووي للبقاء في مركز قيادة العالم.

وترى إدارة بايدن أن تحالف القوى المنافسة ضد بلاده قد يعني نهاية أسطورة أمريكا الخالدة، وشطب إسرائيل من الخريطة، وهو ما لا ترغب فيه واشنطن نهائيًا، وتتجه نحو إزاحة نتنياهو ومن معه بأي طريقة، وتعويضهم بآخرين مع استمرار الحرب في غزة ولكن بأسلوب قتال مختلف للحفاظ على بقاء إسرائيل في المنطقة.