ماجدة ملاوي تكتب: فاصوليا بيضاء في غزة

ذات مصر

"أرسلوا إلينا فاصوليا لنطبخها.. ونحن لا نملك الماء"، هكذا يقول أحد سكان غزة وهو يمسك كيس الفاصوليا البيضاء القاسية كالحجر بيديه، تلك التي بعثت بها دول عدة غذاء لسكان غزة بعد نحو 15 يوماً من بدء الحرب، وبعد مفاوضات متعددة وتقبيل الرؤوس والأيدي ليتم إدخال قطرة من بحر من احتياجات غزة اليومية.

الفاصوليا البيضاء القاسية التي تحتاج إلى نقع في الماء ربما لليلة بأكملها حتى تلين ثم يتم طبخها في الماء لساعات عدة حتى تنضج، ربما قد تكون أكثر لينا ممن أرسلها، فكيف يتصور عاقل أن غزة التي قطع عنها الماء وهو شريان الحياة والوقود وهو أهم أساسيات الحياة هناك، كيف يتصور أن رزمة من الفاصولياء البيضاء تصلح لتكون وجبة غداء لسكان غزة؟

لا يشتكي من يمسك كيس الفاصولياء لكنه يسأل محتاراً "إذا كنا لا نملك قطرة ماء للشرب، فكيف نطبخ هذه الحبيبات الصلبة دون ماء؟".

منذ بدء الحرب على غزة، أرسلت مساعدات أمريكية وأوروبية وغيرها إلى الصهاينة وتضمنت طائرات حربية ودبابات وصواريخ وسفن حربية وجنود، ناهيك عن ضخ ملايين الدولارات في جيب الصهاينة لدعم اقتصادهم المنهار، لكن دعونا نرى ماذا أرسلت دولا عربية إلى غزة : عدس مجروش وأرز وسردين وحمص حب وفول وأكفان.

المصيبة أن المشكلة ليست فقط في  هذه المساعدات التي تحتاج إلى وقود للطبخ والكثير من الماء، إنما أن إسرائيل وأمريكا تفاوض الدول التي قدمت المساعدات لإدخالها منذ بدء الاعتداء على غزة ودول كثيرة لا تملك من أمرها شيئا سوى الانصياع.

أعود هنا إلى إحدى المساعدات التي يصفها شخص آخر من سكان غزة بأنها دعوة للموت، فمن ضمن الشاحنات القليلة التي دخلت غزة شاحنات محملة بأكفان، يقول من قام بنشر مقطع فيديو وهو يصور هذه الأكفان أنها مصنوعة من القطن الفاخر، ويعلق: لقد حرصت الدولة التي أرسلت هذه الأكفان على أن ندفن في أكفان فاخرة، هل يعتبرون أن موتنا رخيص وأن ارتفاع سعر الكفن سيرفع من قيمة الشهداء؟

ونحن أيضا يا صديقي الفلسطيني الأبي لا نملك جوابا لأسئلتك التي قتلتنا في الصميم، لكن ما نعرفه أن هذا العدس والفاصوليا هو ما وافقت عليه فرق التفتيش التي شكلت من الأمم المتحدة بناء على شروط صهيونية لإدخال المساعدات إلى غزة، وهذه المواد لا تدعم الإرهاب وفق مزاعمهم، الإرهاب تلك الوصمة الحقيرة التي يوصم بها كل من قاوم المحتل حتى وإن كان هذا المحتل يتربع على عرش الإرهاب العالمي عبر التاريخ.

يا صديقي الفلسطيني الراسخ في أرضه كرسوخ الزيتون، يكفي أن تقول للعالم بأن هذه المساعدات التي يطلق عليها إنسانية ليست كذلك، وأن الإنسانية فيما يخص العرب والمسلمين أصبحت أكثر كلمة مستهلكة تم تفريغها من معناها الإنساني.