خبير اقتصادي يكشف سر تراجع صندوق النقد عن التعويم: التضخم وصل لمرحلة الخطر

ذات مصر

غير صندوق النقد الدولي، خطة تعامله مع مصر مؤخرًا، فبعد إصراره على تنفيذ القاهرة الخطة المتفق عليها بتحرير سعر الصرف وتخلي البنك المركزي عن التعويم المدار تمامًا، تحولت بوصلته إلى اتجاه آخر، في ظل الاضطرابات السياسية المحيطة بالبلاد، وآخرها أزمة قطاع غزة.

صندوق النقد يغير موقفه

مديرة صندوق النقد الدولي، كريستينا جورجييفا، قالت في تصريحات تلفزيونية على هامش قمة المناخ "كوب 28" التي انعقدت في دبي، إن الصندوق يعطى الأولوية لمعركة التضخم في مصر على حساب عملية تعويم الجنيه على غير المعتاد.

وأشارت بعد لقائها مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، في دبي، إلى أن الاضطرابات السياسية على الحدود المصرية سواء في السودان أو ليبيا أو فلسطين، أضافت أعباء جديدة على الاقتصاد المصري، وبات دعمه حاليًا أهم في حدود قدرات وآليات الصندوق.

وأضافت المديرة التنفيذية: «نحن نعطي الأولوية لمكافحة التضخم وبعد ذلك سننظر بالطبع إلى نظام سعر الصرف»، متابعًا: «لقد طلب منا مساعدة مصر في استهداف التضخم، وهو أمر حكيم للغاية لأن التضخم هو عدو الفقراء».

تصريحات كريستينا الأخيرة، تختلف تمامًا عن أحاديثها السابقة بشأن ضرورة تخلي البنك المركزي المصري عن دعم الجنيه، والقضاء على السوق الموازية للدولار تجنبًا للأضرار التي ستلحق بالجنيه على المدى الطويل.

الرئيس ينتصر

وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي، قال في مؤتمر صحفي، إنه لن يحدث تعويم جديد للجنيه حال تأثر المصريين حتى ولو كان ذلك القرار سيتعارض مع مطالب صندوق النقد، منوهًا بأن الدولة لن تتحرك إلى الأمام إلا بتقليل فجوة الاستيراد والدولار.

وذكر الرئيس في يونيو الماضي، إن الحكومة تدخلت في سعر الصرف لتثبيت سعر الدولار، منوهًا بأن مصر تحتاج متطلبات بنحو 90 مليار دولار سنويا من أجل شراء احتياجات المواطنين من الخارج.

وأشار الرئيس السيسي إلى أن مصر قامت بتثبيت سعر صرف الدولار مقابل الجنيه عبر إيداع الدولار في السوق والتدخل في سعر الصرف، ثم الحفاظ على قيمة الجنيه لأنها تتعلق بحياة المواطنين والأمن القومي.

غزة تساعد مصر

الوضع الأمني في المنطقة حاليًا خصوصًا في ظل الحرب على غزة خفت الضغوط التي كانت مفروضة على مصر خلال الفترة الماضية بضرورة تحرير سعر الصرف قبل البحث عن استثمارات جديدة، لتنحي الدول والجهات الاقتصادية مطالبها جانبًا قليلًا.

وبين تقرير لـ"بلومبرج"، أن الاتحاد الأوروبي يريد دعم مصر بنحو 10 مليارات دولار لتعزيز قدرات الاقتصاد وتخفيف عبء الديون، مبينًا أن الاتحاد يحاول تسريع الجهود الرامية إلى تعميق علاقته مع مصر ومساعدة البلاد على معالجة التداعيات المتزايدة الناجمة عن الصراع بين إسرائيل وحماس على حدودها.

قالت مديرة صندوق النقد الدولي، إن الصندوق «يدرس بجدية» زيادة محتملة لبرنامج القروض لمصر البالغ ثلاثة مليارات دولار نتيجة الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، مبينةً أن الصندوق بات قريبًا من الموافقة.

كارثة التضخم

الخبير الاقتصادي المصري، عبد النبي عبد المطلب، قال إن تجاوز نسبة التضخم في البلاد حاجز الـ40% يمثل خطرًا كبيرًا على الاقتصاد لأنه يؤدي إلى تآكل دخول المواطنين، وبالتالي إضعاف قوتهم الشرائية، وأيضًا هروب الاستثمارات الأجنبية والعربية إلى الخارج، بالإضافة إلى خسارة المودعين نحو 20% من قيمة أموالهم.

وأشار لـ«ذات مصر»، إلى أن الزيادة في نسبة التضخم في مصر زادت من أقل من 10 % إلى 40%، مضيفًا أن هناك مشروعية في طلب مديرة صندوق النقد الدولي بتقليل نسبة التضخم أولًا قبل أي تعويم للضرورة والحتمية.

ونبه بأن تأجيل قرار التعويم سواء من الصندوق أو الدولة المصرية ليس اختياريًا بل وجوبيًا، لأنه يجب تخفيض نسبة التضخم أولًا، لأن عدم حدوث ذلك سيؤدي إلى كارثة على الاقتصاد المصري لأنها أكبر قوة تسبب معاناة شديدة للمواطنين.

ويرى الخبير الاقتصادي، أن رفع نسبة الفوائد من البنك المركزي على مدار الفترات الماضية لم يحقق الهدف المنشود منه بالسيطرة على كبح جماح التضخم، خصوصًا وأن أسعار الفائدة بلغت 19.25% للإيداع و20.25% للإقراض.

السياسات الخاطئة

وكشف عبدالمطلب أن القرار الاقتصادي في مصر يعاني من الارتباك وهو ما تسبب في آثار وخيمة، مبينًا أن تأجيل قرار التعويم كان سببًا رئيسيًا وراء الزيادة الكبيرة في التضخم حاليًا، وأنه كان يجب تعويم الجنيه في مارس الماضي تدريجيًا، لكن محافظ البنك المركزي قرر التعويم على درجة واحدة، ما سبب زلزالا كبيرا في السوق وتوابعه لا تزال مستمرة.

 وذكر أنه ترتب على هذا القرار زيادة تكاليف الحياة، منوهًا بأن السعر العادل للجنية في الربع الأول من العام الجاري كان 20 جنيهًا إلا أن السياسات الخاطئة لم تستطيع السيطرة علية ليجاوز الـ30.95 في البنوك.

وأرجع ذلك إلى القرارات الحكومية التي أدت إلى زيادة الطلب على الدولار، جراء تكدس البضائع في الموانئ والإفراج عنها وغيرها من الأمور التي ساهمت في مضاربات السوق السوداء.

وشدد الخبير الاقتصادي على أنه لا جدوى من إنقاذ الاقتصاد المصري قبل وقف جماح التضخم، وترك سعر الصرف لآلية العرض والطلب، وضخ الاستثمارات العربية والخليجية والحصول على مساعدات بشروط ميسرة.