«الثورة الليبية».. آخر نبض تبقى من الربيع العربي

ذات مصر

في السابع عشر من شهر فبراير من كل عام يحتفل الليبيون بذكرى ثورتهم على نظام العقيد الراحل معمر القذافي التي انتهت بمقتل الأخير ونهاية حكمه لتبدأ البلاد رحلتها المتعثرة للوصول إلى رئيس منتخب ومؤسسات موحدة.

ورغم خفوت زخم وصوت ثورات الربيع العربي التي انطلفت تباعا في عام 2011 إلا أن ثورة ليبيا والتي يسميها أهلها "ثورة فبراير" لازالت تنبض وتتنفس وتفرض نفسها وشعاراتها وعَلَمها على الجميع رغم كثير الإخفاقات التي لحقت الثورة لكنها لم تفشل تماما مثل أغلب انتفاضات ربيع 2011.

أهم المحطات التي مرت بها ليبيا بعد انتهاء حكم القذافي الذي جثم على صدورهم أكثر من 42 عاما:

انتخابات لأول مرة

وتمثلت هذه في المؤتمر الوطني العام الذي يعد أول مؤسسة منتخبة بعد الثورة مثلت كافة ربوع ليبيا وأول محطة يحق للمواطن الليبي أن يدلي بصوته في صندوق انتخاب لم يراه من قبل أو يعرف أصلا أن من أبسط حقوقه السياسية اختيار من يمثله.

وبعد انتهاء مدة المؤتمر الوطني العام جرت انتخابات أخرى تمثلت في اختيار أعضاء مجلس النواب المستمر حتى الآن لتكون المحطة الثانية والقاء الثاني للمواطن الليبي مع صندوق الاقتراع.

وبعد توقيع الاتفاق السياسي الليبي في مدينة الصخيرات 2015 انتهى مسمى المؤتمر الوطني ليحل محله المجلس الأعلى للدولة والمستمر ايضا حتى الآن بصفته مجلسا استشاريا يشارك مجلس النواب في أغلب القرارات التشريعية والدستورية.

مؤسسات تنفيذية

شهدت ليبيا منذ انتهاء القذافي عدة حكومات بدأت بحكومة الكيب كأول حكومة بعد الثورة ثم حكومة زيدان انتهاء بحكومة الوحدة الوطنية الحالية التي يترأسها عبدالحميد الدبيبة والتي أفرزتها اتفاقات جنيف وكلفتها بإجراء انتخابات في 24 ديسمبر 2021 وهو ما لم يتم حتى الآن نظرا لعدة أسباب تخص مجلسي النواب والدولة.

لكن مسيرة هذه الحكومات شهدت انقسامات حكومية (حكومتين شرقا وغربا)منذ تصويت المؤتمر الوطني العام بحجب الثقة عن رئيس الحكومة علي زيدان وتكليف نائبه عبدالله الثني بمهامه والذي رفض تسليم مهامه حتى جاءت اتفاقات جنيف، ونازع كل من عمر الحاسي وبعده حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج لتنتهي حكومة الثني بعد وصول الرئاسي الحالي وحكومة الدبيبة للحكم.

لكن ايضا حكومة الدبيبة لم تسلم من الانقسام فبعد عدة أشهر عسل بين الحكومة ومجلس النواب قرر الأخير سحب الثقة منها وتكليف حكومة برئاسة فتحي باشاغا ليظل الصراع بين حكومتين حتى اللحظة.

الوضع العسكري

المؤسسة العسكرية في ليبيا ليست بعيدة عن الانقسامات أو الصدامات أصابها ما أصاب مثيلاتها من المؤسسات التنفيذية والتشريعية.. فقد انقسمت المؤسسة إلى جيشين أحدهما في الشرق يسيطر عليه منذ تأسيسه اللواء خليفة حفتر الذي رقاه البرلمان إلى رتبة مشير، وآخر في غرب البلاد يتبع رئاسة أركان الحكومات المتعاقبة والتي اصطدم حفتر بأغلبها.

تم مؤخرا تشكيل لجنة عسكرية من الطرفيت تحت مسمى اللجنة المشتركة 5+5 من أجل وضع خطة ورؤية لتوحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا ووقف الاقتتال بين أبنائها وإخراج المرتزقة الذي استقوى بهم كل طرف.

وحتى الآن أنجزت هذه اللجنة عدة أمور أهمها توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار والتي لاتزال صامدة حتى الآن، وكذلك الاتفاق على توحيد رئاستي الأركان ووضع خطة لإخراج المرتزقة الأجانب من كافة ربوع ليبيا وهي العقبة التي تواجه العسكريين هناك حتى الآن.

انتخابات متعثرة

منذ اتفاقات جنيف 2020 والتي أفرزت مجلسا رئاسيا بقيادة عضو المؤتمر الوطني العام السابق والسفير السابق محمد المنفي وحكومة وحدة وطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، تم الاتفاق من قبل ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي انتخب المؤسستين بأن تجرى انتخابات شاملة في البلاد برلمانية ورئاسية بحلول يوم 24 ديسمبر 2021 لكن جاء هذا التاريخ ولم تجرى أيه انتخابات.

ثم مرت سنة أخرى وبضعة أشهر ولازالت العملية الانتخابية متعثرة والكل يلقي باللوم على الكل وتبادل اتهامات بين الجميع بأن الآخر هو الذي عرقل الانتخابات ليستمر في منصبه.

الحكومة ترى أنها لم تعرقل الانتخابات كونها سلطة تنفيذية وليست تشريعية ومع غياب قاعدة دستورية تحكم العملية الانتخابية ليس من المنطق إجراء الانتخابات ومن ثم فالبرلمان ومعه المجلس الأعلى للدولة هما المعرقلان.

في حين يؤكد مجلس النواب أن حكومة الدبيبة هي التي تعمدت إفشال العملية الانتخابية لتستمر في الحكم أكبر وقت ممكن، وأن مدتها القانونية تنتهي بانتهاء يوم 24 ديسمبر المحدد للانتخابات لذا فهي حكومة فاقدة للشرعية ومن ثم سحب منها الثقة وكلف أخرى.

ردت حكومة الدبيبة بأنها تتمتع بشرعية دولية ولن تسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة وهو ما يرى البعض أنه موقف قانوني كون خارطة الطريق لم تحدد مدة بعينها للحكومة لكنها حددت مدة للانتخابات وكون الأخيرة لم تجرى فالحكومة باقية.

انفراجة

مؤخرا حدثت انفراجة بين مجلسي النواب والدولة بالوصول إلى شبه توافق على تعديل الإعلان الدستوري الحاكم للبلاد ليصبح قاعدة دستورية يمكن إجراء الانتخابات على ضوئها أي يمكن أن تحسم العملية الانتخابية خلال العام الجاري بعد صياغة قانون انتخابات وبدء مفوضية الانتخابات في الإجراءات.

المشهد الليبي معقد جدا وتداخلات فاعليين دوليين وإقليمين في أدق تفاصيله تزيده تعقيدا.. لكن رغم كل هذه الإشكاليات والإخفاقات نرى احتفالات تعم عدة ميادين في ليبيا احتفاء بذكرى ثورة فبراير على حكم القذافي لتؤكد هذه الجموع أن حلم الانتخابات ورؤية رئيس منتخب لأول مرة منذ حوالي 50 عاما ممكن جدا تحقيقه ولعل احتفالات فبراير تحيي هذا الأمل ليبدأ بعده العمل ويحتفي الليبيون بذكرى الانتخابات التي لا تقل أهمية عن الثورة غذا أحسن المواطن اختيار من يمثله وتعلم من الدروس القاسية التي مرت به

أخيرا.. من المؤكد أن استقرار ليبيا يصب في مصلحة عدة دول خاصة دول الجوار التي يجب عليها أن تقوم بدور إيجابي في الدفع نحو انتخابات حقيقية ونزيهة في ليبيا حتى تخرج البلاد من مجرد الاحتفاء والغناء لفبراير إلى تذوق مكاسب هذه الثورة التي مر عليها 12 عاما.