عادل إمام.. زعيم القوة الناعمة في كل العصور

ذات مصر

يقولون إن في عالم الفن ما يستحق التأمل والدرس، تمامًا كما في الطبيعة، ويعد عادل إمام أو "زعيم الفن العربي"، أحد هذه الظواهر التي لا تتكرر كثيرًا، وأحد أيقونات القوة الناعمة لمصر على مدار عقود.

مساء أمس السبت 20 يناير 2024، أعلن رامي إمام، الابن الأكبر للممثل المصري عادل إمام، أن والده قرر التفرغ لحياته العائلية مع أحفاده.

التصريح الذي فُهم على أنه اعتزال، جاء على هامش مهرجان "جوي أوورد" في السعودية، الذي مُنح عادل إمام خلاله جائزة استثنائية باسم "زعيم الفن العربي"، وتسلمها ابنه الأصغر الممثل محمد إمام.

ولم يقدم "الزعيم" أي عمل فني منذ ما يقارب 4 أعوام، حيث عرض آخر أعماله، وهو مسلسل "فالنتينو" من إخراج ابنه رامي.

وبإعلان الاعتزال هذا، يُسدل الستار على مشهد فني عربي بدأ عام 1962 على مسرح جامعة القاهرة، حيث شارك الطالب الجامعي عادل محمد إمام في عروض إلى جوار كبار الفنانين في ذلك الزمان، وكان أبرزهم فؤاد المهندس، ثم انتقل إلى السينما، ليشارك بأدوار صغيرة، إلى أن جاءت فرصة الانطلاق في مسرحية "أنا وهو وهي" عام 1964، وفيلم "مراتي مدير عام" عام 1966، ليبلغ عدد أعماله 126 فيلما و11 مسرحية و16 مسلسلا تليفزيونيا، ومسلسل إذاعي واحد، ومن ثم يعتزل.

قوة ناعمة

وكان "الزعيم" على مدى ستة عقود، أيقونة للقوة الناعمة المصرية، وشريان لهجتها بين العرب، استطاع دون غيره، أن يتربع على عرش النجومية في مصر والوطن العربي لأكثر من 50 عامًا، فلم يستطع أحد بلوغ هذه القمة، سوى ابن الشاويش محمد إمام، الذي ينحدر من قرية شها، التابعة لمحافظة الدقهلية بمصر، فبينما كانت الأفلام المصرية توزع في الوطن العربي مقابل بضعة آلاف، كان الفيلم الذي يحمل اسم عادل إمام يوزع مقابل مليون دولار.

وكانتشار مشاهده ومواقفه الكوميدية في أنحاء القاهرة، فيمكن ملاحظتها في شوارع الصعيد والرباط ودمشق والرياض عرضا في الحوارات العادية للجمهور، وهو ما ساهم في كتابة فصول قصة نجاح عربي يصعب أن تتكرر.

ولهذا كله، فقد صعب تخيل حياة عادل إمام الذي عاش بين الاستوديوهات وخشبة المسرح طوال 60 عاما، فـ"الزعيم" لم يكن مجرد ممثل يؤدي دوره في المسرحية أو الفيلم وينصرف، لكنه كان "دكتاتور العمل" وصاحبه والمسؤول عن كل تفاصيله بدءا من اختيار النص والسيناريست والمخرج والممثلين، وحتى تفاصيل السيناريو في أثناء التصوير، ولم يكن يحق لأي شخص أن يناقشه.

البداية

تصادفت بداية نجومية عادل إمام، مع ظهور النتائج الاقتصادية والاجتماعية للانفتاح الاقتصادي، منذ أن بدأت مصر تشهد التحول نحو فكرة الربح السريع، وظهر المغامرون، ونالت طبقة الحرفيين والتجار فرصا أكبر، بينما بدأ خريجو الجامعات في التراجع من حيث المكانة الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية.

لم يقفز الزعيم إلى مربع البطولة بين ليلة وضحاها، إذ عانى كثيرا وقدم العديد من الأدوار البسيطة في السينما والتليفزيون، ويصف هو هذه المرحلة بأنها كانت مرحلة الانتشار، وخلالها شارك في عروض وأفلام كثيرة منها مسرحية "غراميات عفيفي" وفيلم "مراتي مدير عام" أمام شادية وصلاح ذو الفقار. 

وفي بداياته، وشارك في مجموعة أعمال أكدت مكانته بوصفه ممثلا متميزا، يشق طريقه نحو النجومية، رغم اختلاف مواصفاته الشكلية عن تلك التي ينبغي أن تكون لدى النجم، لكن اللون الكوميدي شفع له، إذ لم يقدم نفسه للجمهور بوصفه منافسا لأي من نجوم الصف الأول الذين اشتهروا بالأدوار الرومانسية مثل محمود ياسين وحسين فهمي.

وكانت المحاولة الأولى لاستقراء الواقع الجديد عام 1973، في فيلم "البحث عن فضيحة"، وبقدر ما أن فيه من محاولة للإضحاك، كانت فيه ملامح تلك الشخصيات التي تتسم بكثير من الإدعاء، وتعيش في كذبة اجتماعية كبرى، تتناقض مع واقعها المختلف تماما.

مدرسة المشاغبين

وفي عام 1973 أيضًا، كانت مسرحية "مدرسة المشاغبين"، التي لم تمر مرورًا كريمًا في تاريخ الفن المصري أو المجتمع على حد سواء،  بل تركت آثارها على عدة مستويات، لكن الأهم أن فارسها الأول هو عادل إمام، الذي جعل منها قاعدة انطلاقه كنجم في سماء الفن، بقي محلقا لـ50 عاما.

ومن خلال هذه المسرحية، ولد جيل جديد من النجوم والفنانين، في مقدمتهم عادل إمام، وسعيد صالح، ويونس شلبي، وانطلق الثلاثة في مشهد تكرر بعد 35 عاما مع جيل المضحكين الجدد، إذ ولد من خلال فيلم "إسماعيلية رايح جاي" عام 1997 كل من محمد هنيدي وأحمد السقا.

ولم يتراجع الزعيم بعد هذه المسرحية للدور الثاني، وقرر أن يكون الأول في السينما والمسرح والتليفزيون.

تعرض العمل لعديد من الاتهامات في مصر، بالتسبب في إفساد التعليم، والحط من مكانة المعلم والتقليل من احترامه، لكن الأمر لم يكن بهذه البساطة، فقد لمست المسرحية، بما فيها من قيم سلبية، حالة مجتمعية ساعدتها على الانطلاق، وأصبحت بذلك نموذجا لكيفية تأثر الفن بالواقع وتأثر الواقع بالفن.

موهبة الزعيم

في أوائل الثمانينيات، عُرض فيلم "المشبوه" من إخراج سمير سيف، الذي خلع عباءة إمام الكوميديا، ليمنحه لونا آخر، وهو الدراما والدموع والحزن، وبعض المعارك، ورغم المغامرة الكبرى حينها، فقد حقق الفيلم المفارقة وصنع من عادل إمام نجما شاملا وممثلا يملك من الطاقات الدرامية، بقدر ما يملك من قدرة على الإضحاك.

ظل نجاح فيلم "المشبوه" بمثابة ولادة جديدة، لا تشبه إلا تلك التي حدثت حين تعاون مع كل من السيناريست وحيد حامد والمخرج شريف عرفة في الخماسية الشهيرة "اللعب مع الكبار"، و"الإرهاب والكباب"، و"المنسي"، و"طيور الظلام"، و"النوم فى العسل"، والتي منحت مشواره الفني لونا مختلفا، خاصة بعد أعماله الخفيفة في السنوات الأولى، وسلسلة "المتسول" و"الهلفوت" و"بخيت وعديلة"، وجميعها حققت أرباحا بمعيار زمانها، لكن قيمتها الفنية أو الاجتماعية قد تكون محل نقاش.