الجمارك.. عقود من الفشل والفساد وبداية الطريق لطحن المواطن

ذات مصر

لا تزال الحكومة المصرية، والوزارات المعنية تبحث عن حل جذري لإنهاء كافة الأزمات المرتبطة بالجمارك، والتي تؤدي لإلحاق خسائر ضخمة بالنسبة للمصدرين والمستوردين، وتضيف أعباء مالية ضخمة، علاوة على التأخير الكبير في الإفراج عن البضائع سواء غذائية أو مستلزمات إنتاج أو ترفيهية.

الحكومة في مصر، ووزارة المالية المسؤولة عن هيئة الجمارك، فشلت على مدار السنوات الماضية في إقرار خطة إصلاح تعالج العيوب المتفشية في الهيئة، وتنهي تاريخ البيروقراطية الذي أصابها بالشلل.

لا يمكن نكران تأثير الأزمة الاقتصادية الحالية والنقص الحاد في العملات الأجنبية، على الإفراجات الجمركية لكنها ليست السبب الرئيسي في التدهور الحالي، فتاريخ الهيئة الطويل يدل على ذلك.

وعود الحكومة

مساء أمس الثلاثاء، تحدث رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، عن أهمية منظومة الشحن المسبق في إتاحة المزيد من التيسيرات والعمل على تسريع عمليات الإفراج الجمركي بمختلف الموانئ المصرية، للسلع والمنتجات والمواد الخام المستوردة من الخارج.

وأشار مدبولي، خلال اجتماع مع عدد من المسؤولين عن أهمية المنظومة لاختصار زمن الإفراج عن تلك السلع والبضائع، للمساهمة في سرعة توفيرها، تلبية لاحتياجات المواطنين، والمصنعين والمنتجين.

ولم ينس وزير المالية، محمد معيط، التشديد على أن وزارته تبذل جهودًا كبيرة لتسريع وتيرة الإفراج الجمركي بمختلف الموانئ، بالتنسيق مع وزارة التجارة والصناعة، منوهًا إلى دور منظومة الشحن المسبق في المساهمة في الإفراج عن العديد من السلع الاستراتيجية ومستلزمات الإنتاج.

معيط أكد خلال الاجتماع أن تلك الإجراءات للمساهمة في استمرار عمليات الإنتاج بمختلف القطاعات، دعماً للصناعة الوطنية، فضلًا عن تأمين المخزون الاستراتيجي لعدد من السلع الأساسية.

تطوير لم ينته

منذ عقود وتطلق الحكومات المصرية خطط لتطوير مصلحة الجمارك، كان أخرها الخطة التي أقرتها حكومة مصطفى مدبولي، في 2021 والتي مفترض أن تنتهي العام الجاري، وصلت نسبة إنجاز بعض محاورها الـ100%، لكن مجملها حتى سبتمبر الماضي بلغ 89%.

فبند متابعة تطبيق آليات الحوكمة تماشيًا مع برنامج عمل الحكومة، بلغت نسبة تنفيذ أهدافه 74%، وتطبيق المرحلة الثانية من برنامج تأهيل منتسبي شئون الجمارك بما يحقق التنمية المستدامة حقق 99% من أهدافه، مواصلة بناء الشراكة ومتابعة تنفيذها مع الجهات ذات العلاقة في المنافذ لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، وضمان الاتصال الفعال مع الشركاء والعملاء حقق 100%.

وعلى نفس المنوال تقريبًا سارت نفذ بنود الرؤية الأخيرة للحكومة والمصلحة، لكن واقعها كان بعيد تمامًا عن أرصفتها التي امتلأت بعشرات مئات الآلاف من الحاويات المكتظة بشتى أنواع البضائع من مستلزمات الإنتاج والأعلاف والأغذية وغيرهم، لتصيب السوق المحلي بالشلل.

صرخات دون استجابة

المستوردون والمواطنون معًا أطلقوا صراخات، للحد من البيروقراطية، فقالت النائبة هناء أنيس رزق الله، في طلب إحاطة عام 2022، إن غرامات الأرضيات المفروضة عليهم نتيجة شغل الشحنات المستوردة رصيف الموانئ لعدة أشهر، نتيجة تأخرهم عن الإفراج عن بضائعهم وفقًا للتوقيت الزمني المتفق عليه مع الخطوط الملاحية تجاوزت السعر الأصلي للشحنات.

وأوضحت «أنيس»، أن أزمة تراكم غرامات الأرضيات على المستوردين المصريين لها شقين أساسيين؛ وهما وقف العمل بمستندات التحصيل لتمويل عمليات الاستيراد والاعتماد على فتح الاعتمادات المستندية؛ لتقليل الطلب على العملة الصعبة، والثاني تعذر حصول المستورد على الدولار.

ونوهت بأن تأخر الإفراج عن البضائع بالموانئ يفرض على المستوردين غرامات تتراوح بين 40 و150 دولارا عن كل حاوية في اليوم الواحد، وهو ما دفع بعض المستوردين إلى عدم استلام بضاعتهم، أو تركها بالموانئ لتباع بالمزادات العلانية، ما يرفع حجم البضائع المهملة بمخزن الجمارك، والتي تحتاج لسنوات وتكاليف مالية ضخمة للتخلص منها.

المواطن يتحمل الفاتورة

الأزمات أخذت في التفاقم لتجاوز كل الحدود، فأصحاب المصانع مثلًا وجدوا أنفسهم لا يملكون مستلزمات إنتاج تمكنهم من استمرار عملهم، فخرج الكثيرين من السوق سواء بانتقال الكبار منهم إلى أسواق جديدة في الجول المجاورة، أو إغلاق الصغار منهم نهائيًا.

بند واحد كلف الدولة خسائر باهظة، فرغم تحقيق مصر الاكتفاء الذاتي من الدواجن والبيض، لكن أزمة نقص الأعلاف تسببت في ارتفاع كارثي في الأسعار تجاوزت الـ500% تقريبًا، واكتفت وزارة الزراعة بالإعلان كل فترة عن الإفراج عن القليل منها.

وبخلاف ذلك وصلت الأزمة مداها ليجد المواطن نفسه وحيدًا في وجه كل تلك الأزمات فلم ترحمه الجمارك ببروقراطيتها، ولا الظروف الاقتصادية الصعبة بسبب نقص النقد الأجنبي، وصولًا إلى فشل الجهات الرقابية في السيطرة على جشع التجار، وعجز الحكومة عن مكافحة التضخم ليسقط في النهاية.