هالة الحلفاوي تكتب: كفار قريش.. و«تُجّار الغبرة»!

ذات مصر

لا ينكر أحدٌ أن بلادنا تمر حاليًا بمرحلة صعبة، لعل أبرز عناوينها ـ غير الأخطار المحدقة إقليميًا ـ تلك الأزمة الاقتصادية الشديدة التي تستدعي تفكيرًا خارج الصندوق نستجمع فيه ما تتطلبه من حلول ترفع المعاناة بعض الشيء عن كاهل الشعب وبالذات الطبقة الوسطى التي تتآكل تدريجيًا.. وهذه وحدها خطورة غير محمودة العواقب.

الوضع الحالي فعلًا ينذر بتآكل التكاتف الشعبي مع انتشار ظاهرة "الاستباحة والاستحلال" التي يتلاعب فيها عديمو الضمير في السوق المصرية بكل المقدرات، بل أجزم أنها تتسبب في هدم كل جهود الدولة نحو الاستقرار في الشارع.

لهيب الأسعار أصبح يكوي الجميع، وضعف الرقابة ـ إن لم يكن انعدامها ـ أوجد فجوة كبيرة بين قرارات الدولة والوزارات المعنية، وبين الواقع الفعلي في الأسواق، وتتسع هذه الفجوة بشكل سيئ النية يوجد متسعًا لكل المغرضين باستغلالها واللعب على أوتارها لزيادة مساحة النفور الشعبي والغضب الكامن في الأعماق، وسط شكاوى متزايدة ـ بالحق أو بالباطل ـ نلحظها على وسائل التواصل الاجتماعي وما تبثه من قصص ربما أكثر مأساوية مما نتوقع.. وجميعها ينبغي أن تكون ترمومترًا لصانع القرار الاقتصادي لمعالجة الأمر بشكل أكثر جدية ونفعًا للمواطن البسيط.

أتفهم أن تكون هناك أسباب موضوعية لهذا الغلاء المتوحش وارتباطه بملابسات إقليمية وعالمية ليس هذا مجال الخوض فيها، ولكن هذا لا يمنع من وجود سياسات خاطئة للأسف قاصرة عن معالجة الأمر بسياسات واقعية، تمتص الغضب ولا تحاول تبرير الأزمات كالعادة، وهو ما أعطى غالبية التجار رخصة مشبوهة للتلاعب في أساسيات احتياجات المواطن، تحت شعارات مثل "العرض والطلب" أو "ترشيد الإنفاق" لأنه بات حقيقة إذ لم يعُد هناك ما نرشِّده! ما أوجد حالة مكتومة من الاحتقان الذي نأمل في تخفيفه بقرارات صارمة ورقابة عملية لا نظرية.

ربما تكون من حسنات الأشهر والأسابيع الأخيرة، ما نسمعه عن حملات تقوم بها الأجهزة المسؤولة لضرب محاور الاحتكار بضبط كميات كبيرة من السلع التموينية والقبض على عدد من التجار الجشعين، ولكنها تبدو نقطة في بحر.

رمضان على الأبواب.. ونحن مجتمع متديّن بالسليقة، ولكنه للأسف فرصة ذهبية لضعاف النفوس لاستغلال حاجة الناس في هذا الشهر الفضيل لتحقيق أكبر مكاسب مادية ممكنة دون أي اعتبار لقواعد دينية أو أخلاقية أو حتى مسؤولية مجتمعية.. وربما تكون خطوة الدولة في إقامة معارض لبيع السلع بأسعار شبه مخفضة، بادرة معتبرة ضمن حزمة حماية اجتماعية تتوسع يومًا بعد يوم، لكنها تبقى "مؤقتة" وفي حاجة للتفعيل بشكل مستدام يعيد الاعتبار لمشاعر المواطن البسيط أو المحتاج.
أرجو أن يفهم صانع القرار الاقتصادي أنه مرتبط بالوضع السياسي وضرورة استقراره، وأنه لا ينبغي الوقوف وقفة المتفرج على ما يحدث في الشارع المليء بالعديد من المطبات المعيشية بفعل فاعل مريب، لذا يكون التشديد الرقابي أكثر أهمية من أي وقت مضى، مع الوضع في الاعتبار وجود طبقة انتهازية تمتص كل آثار حزم الحماية الاجتماعية إلى جيوبها هي فقط.. وتضع مؤسسات الدولة في وضعٍ حرجٍ أمام مواطنيها، بل تثير كثيرًا من علامات الاستفهام حول الوضع الراهن.

أما "تجار الغبرة" فعليهم أن يعتبروا من تجار "كفار قريش" وأن عام الرمادة قبل قرابة 1500 عام، بات يتكرر الآن وللأسف بشكل لا يوجد فيه ضمير حي.. لأن المواطن فعلًا أصبح "يكحّ تراب"!