محظورة على الوزراء وكبار المسؤولين.. "جرف الصخر" دولة الميليشيات الشيعية بالعراق

ذات مصر

على بعد نحو 60 كلم جنوب غرب العاصمة العراقية بغداد، تقع مدينة جرف الصخر التي تتبع إداريا محافظة بابل وتعتبر من المناطق ذات الغالبية السنية في العراق.

تمتد جرف الصخر من عامرية الفلوجة التابعة لمحافظة الأنبار شمالا وصولا إلى الحلة مركز محافظة بابل جنوبا وكربلاء، ومن الجهة الشرقية تتصل بمناطق اليوسفية واللطيفية والمحمودية (المعروفة سابقاً بمثلث الموت) التابعة لبغداد، أما من جهة الغرب فهي مفتوحة على صحراء الأنبار. 

ينتمي معظم سكان جرف الصخر إلي عشائر الجنابيين الذين كانوا محل ثقة صدام حسين في فرق الاغتيالات وفرق مهام المخابرات الخاصة والمكتب العسكري لحزب البعث الذي كان يرأسه علاء الدين الجنابي أحد المقربين من الرئيس العراقي السابق صدام حسين. 

بين القاعدة وداعش

عد سقوط نظام البعث، تحولت المنطقة إلى أحد أهم معاقل تنظيم القاعدة في العراق وكانت منطلقا لمهاجمة القوات الأمريكية والحكومية في جنوب بغداد وبابل وكربلاء، والمسؤولة عن تنفيذ التفجيرات الكبيرة المنظمة في بغداد.
في 2010 أصبحت جرف الصخر عاصمة ولاية الجنوب لتنظيم داعش، ومن هناك استمرت المفخخات والانتحاريون وقذائف الهاون بضرب التجمعات المدنية في المسيب والاسكندرية والحلة وكربلاء وبغداد.

وبعد سقوط الموصل في يد داعش 2014، كان التنظيم داعش يعتبر جرف الصخر هي بوابة إكمال فتوحاته في العراق لإسقاط بغداد وبابل وكربلاء والنجف وصولا إلى البصرة، حسب ما أعلنه محمد العدناني المتحدث بإسم التنظيم بعد سقوط الموصل بأيام، لذلك قام التنظيم بالدفع بمئات المقاتلين إلى القرى والأرياف والقصبات التابعة لناحية جرف الصخر تمهيدا للهجوم الكبير على بغداد والحلة وكربلاء، خصوصا أن الأنظار كانت تتجه إلى احتمال تعرض بغداد للهجوم من جهة مناطق التاجي وأبو غريب القريبة من المطار حيث تتواجد هناك أفضل الوحدات القتالية العراقية.

وفي خريف 2014، تحولت بلدة جرف الصخر إلى ساحة معارك بين قوات الأمن العراقية، المدعومة بميليشيا الحشد الشعبي من جهة، ومقاتلي تنظيم داعش الإرهابي من جهة أخرى.

تحرير أم تهجير

وفي أواخر أكتوبر من عام 2014، أصبحت جرف الصخر ضمن قائمة المناطق العراقية المحررة من داعش، لكن تزامن ذلك مع تهجير للسكان على يد قوات الحشد الشعبي رغم الإعلان بشكل رسمي تحرير المدينة من التنظيم الإرهابي.

ومنذ عام 2014، بدأ سكان جرف الصخر بالخروج منها تحت ضغط السلاح، حتى خلت تماما منهم بحلول عام 2017، نفس العام الذي أعلن فيه العراق دحر تنظيم داعش.

ومنذ ذلك الحين، تسيطر فصائل تابعة للحشد الشعبي العراقي، وأخرى تابعة للميليشيات، على منطقة جرف الصخر بشكل شبه كامل، وأطلقوا عليها اسم "جرف النصر"، بعدما غادر أهالي المنطقة الزراعية الخصبة مساكنهم، نتيجة العمليات العسكرية.

ورغم مرور 10 سنوات على تحرير المنطقة من داعش، مازال أهالي جرف الصخر ممنوعين من العودة لمزارعهم ومنازلهم، كما تم استثنائهم من إعلان وزارة الهجرة والمهجرين العراقية الصادر 2022 بأنه ستتم إعادة كل النازحين إلى مناطقهم المحررة من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي.

ووفق قاعدة البيانات الرسمية التي نشرتها وسائل إعلام عراقية، يوجد 7500 عائلة نازحة من جرف الصخر.
ومنذ سيطرة الميليشيات على تلك المنطقة، لا يُعرف ماذا يدور بداخلها، حيث إنها محاطة بالسرية التامة، وهو ما دفع إلى تداول كثير من الشائعات حول ما تحتويه القاعدة المحصنة التابعة للميليشيات.

وكان تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عام 2014  قد ذكر إنه "بعد 4 أشهر من المعارك بين تنظيم داعش والجيش العراقي، تدفق نحو 10 آلاف من رجال الميليشيات الشيعية الموالية للحكومة إلى منطقة جرف الصخر، وذلك حسبما أعلن لهادي العامري قائد فيلق بدر المدعوم من إيران والذي نسق العملية".

تدفق الميليشيات الشيعية على جرف الصخر تزامن مع عملية تهجير واسعة النطاق لسكان المنطقة، حيث تراوحت الأرقام تتراوح بين 130 ألف، إلى 150 ألف نسمة تم تهجيرهم بحسب بيانات مركز جنيف الدولي للعدالة في سويسرا.

دولة داخل الدولة

ذكر تقرير لمعهد دراسات الحرب الأميركي، أن الميليشيات العراقية الموالية لإيران أخلت جرف الصخر من سكانها، وطوقتها منطقة مغلقة، ومنعت الدخول إليها وغيرت اسمها لـ"جرف النصر".
وحسب قناة الحرة الأمريكية فقد اعتبر مايكل نايتس، الباحث بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إن "ما هو مهم جدا في جرف الصخر، أنها كبيرة، ولا يسمح لقوات الأمن العراقية بدخولها، المنطقة ضاعت وصارت كثقب أسود في العراق، جزء منه تسيطر عليه إيران، ولا أحد في البلاد يمتلك السلطة لاستعادتها".

ليس قوات الأمن العراقية فقط غير المسموح لها بدخول المدينة فالأمر يمتد لأكبر قيادات الدولة العراقية، فبحسب الإعلامي العراقي، مهند الغزي، فإن" جرف الصخر أصبح عبارة عن قاعدة محصنة لا يستطيع أحد دخولها، حتى رؤساء الوزراء لا يستطيعون دخول المنطقة"، بحسب قوله.

دولة جرف الصخر كما يمكن وصفها تؤكدها تصريحات أحد منسوبة لرئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، أعلن فيها إن "جرف الصخر الآن معسكر.. معسكر للفصائل المسلحة، ولا أحد قادر على دخولها".

وهو نفس ما أعلنه رئيس الحكومة العراقية الأسبق، إياد علاوي، في تصريحات متلفزة، ما إن "جرف الصخر أصبحت مستقلة فيها معامل ومصانع ومعتقلات".

لهذا احتلتها الميليشيات

سطوة الميليشيات الموالية لإيران داخل العراق تكشفها أكثر تصريحات رئيسة لجنة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي المعنية بالاختفاء القسري، باربرا لوشبيهلر، حيث ذكرت بحسب بحسب وسائل إعلام أنه "أحيانا يخرج الأشخاص الذين يتحكمون في المنطقة لنقل ميليشيات معينة، ويهددون علنا أي مسؤول عراقي 'إذا اقتربت من المكان ستندم'، وهذا يعني أن الناس خائفون جدا من الذهاب إلى جرف الصخر، أو حتى التعامل مع هذا الملف".

وفق الكثير من التقارير فقد أصبحت جرف الصخر"قاعدة عسكرية إيرانية" داخل العراق نظرا لسيطرة الميليشيات الموالية لطهران عليها بشكل كامل.

اهتمام الميليشيات الإيرانية بجرف الصخر دون غيرها من مدن العراق يرجع بحسب خبراء إلى المكانة العسكرية والاستراتيجية لهذه المنطقة التي يوجد بها ثلاث منشآت مهمة وأبنية كاملة جاهزة مخصصة للأمور العسكرية، كما إن المنطقة المجاورة لجرف الصخر كانت مركز المجمع الصناعي العسكري في عهد صدام حسين، وبالتالي كانت موقعا للمنشآت، الخاصة باختبار القذائف والصواريخ إضافة لتوافر الخدمات والمرافق، كالكهرباء، والصرف الصحي وكل الخدمات، التي يجعل المنطقة أشبه بالمعسكر المتكامل. 

وكان المدير التنفيذي لمركز جنيف الدولي للعدالة، ناجي حرج قد ذكر في تصريحات صحفية: "المعلومات لدينا هي أنه استخدمت بعض المصانع القديمة، التي كانت تابعة للدولة قبل عام 2003، وأنه يجري التعاون مع الحرس الثوري الإيراني في كل هذه القضايا، مشددا على أنه عندما لا يسمح لأي مسؤول عراقي بالذهاب إلى جرف الصخر، والتجول في جرف الصخر، وعندما لا يسمح للأهالي بالعودة، إذاً هنالك أمر خطير جدا يجري إخفاؤه".

كما تحتوي المنطقة بحسب مايكل نايتس، زميل بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى على منشآت ضخمة تحت الأرض محصنة ضد الهجمات العسكرية، وبالإمكان إخفاء الكثير داخل تلك الأنفاق الكبيرة كمراكز تصنيع الطائرات المسيرة والصواريخ".

هذه الأهمية الاستراتيجية والعسكرية لجرف الصخر ربما كانت نقمة على أهالي المدينة الذين يبدو انه كتب عليهم البقاء نازحين داخل وطنهم ، خاصة أن الميليشيات ومن خلفها، إيران، لا تبدي أي نية للجلاء عن المنطقة على الأقل في المستقبل القريب.