هلال عبدالحميد يكتب: لقمة العيش، ونظام (جوعني شكرًا)!!

ذات مصر

كان نظام ما قبل ثورة 25 يناير ديكتاتوريًا بمعنى الكلمة، وكانت الانتخابات  والاستفتاءات شكلية، وكلها تحت  السيطرة، ولكن كل هذه الأنظمة الديكتاتورية كانت تتمتع بحس سياسي واجتماعي، وعندما حاول السادات تحريك الأسعار، وثار عليه الشعب  في 17 و18 يناير 1977، فيما سماها السادات  انتفاضة الحرامية، وسمتها المحكمة برئاسة القاضي حكيم منير صليب (انتفاضة شعبية) كرد فعل طبيعي على غلاء الأسعار، رجع  الرئيس السادات من أسوان ورجع في قراراته. 

بينما ظل مبارك في اتباع نفس السياسات الديكتاتورية لأكثر من ثلاثة عقود، إلا إنه ظل محافظًا على ما يحفظ رمق المصريين، فكان المواطن يجد لقمة العيش وانبوبة البوتجاز ويستطيع دفع فاتورة الكهرباء والماء وقادر يعيش ويلاقي لقمة العيش.

لكن وبعد ثورة يناير والتي كان شعارها (عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية)، ومنذ تعرض الثورة لانتكاسات متتالية، تراجعت كل هذه القيم والشعارات وحتى لقمة العيش أصبحت عزيزة. 

والحكومة تكذب وتتحرى الكذب: فتقول إن سعر رغيف الخبز لم يتحرك من 30 سنة، وهي نفسها  ذات الحكومة ونفس الوزير من خفضوا وزن الرغيف من 110 جرام لـ 90 جرام في قرار لوزير التموين والتجارة الداخلية في 8 أغسطس 2020، كأن تخفيض الوزن ليس رفعًا للسعر؟!!!

الحقيقة ان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء لم يعلن عن نسب الواقعين تحت خط الفقر منذ فترة طويلة، ولكن حسب مستشارة الجهاز الدكتورة هبة الليثي فإن مؤشرات معدلات الفقر ستصل في يوليو 2023 لـ 35.7% وهذا التوقع كان  قبل التعويم الأخير وزيادة نسب التضخم بعده.https://aps.aucegypt.edu/ar/events/110/open-panel-discussion-at-aps-on-poverty-figures-in-egypt-an-inflation-driven-increase

فهل تخلى نظام ما بعد ثورة 25 يناير، وهو نفسه ما كان قبلها، عمًا  تبقى من حسه الاجتماعي، وإذا كان نظام مبارك الذي قامت ثورة عليه وكان يقول زكريا عزمي أحد أقطابه وتحت قبة مجلسه (أن الفساد في المحليات للركب)، وعلى الرغم من كل هذا الفساد وعلى الرغم من ارتفاع نسب الفقر، إلا ان المواطنين لم يكونوا قد وصلوا لمرحلة الجوع! وكان المثل الشعبي (مفيش حد بيبات من غير  عشا) كان مثالًا موجودًا فعلًا على أرض الواقع، ولم يصل المواطنون فعلًا لمرحلة الجوع.

ولكننا في السنوات العشر العجاف الأخيرة وصلنا فعلًا لمرحلة الجوع وأصبحت قدرة المواطنين على الحصول على وجبة طعام واحدة بأقل السعرات الحرارية أضحت مستحيلة، وكان حصول المواطن على الرغيف أبو شلن صعبًا!

فكيف تجرأت الحكومة على رفعه 4 أضعاف؟!

هل تعتقد الحكومة انها تسيطر على الشعب فعلًا وانها تأمن غضبه وانتفاضته؟!

هل سيصمت الشعب المصري على تجويعه؟!

وهل عدمت الحكومة وسيلة للحفاظ على سعر رغيف الخبز؟! 

الحكومة رصدت في موازنتها للعام المالي 2024/2025 مبلغ ( 143.2 مليار جنيه  للخبز والسلع التموينية منها: 90 مليار و756 مليون حنيه بأقل من 2 مليار دولار سنويًا) فهل استخسرت الحكومة في الشعب المصري هذا المبلغ وهي تجمع منه الضرائب (الفقراء يدفعون ضريبة القيمة المضافة وبما انهم الأكثر عددا الا  انهم يدفعون اكثر حتى وان قلت مشترواتهم).

نظام الأغنياء وتجويع الفقراء 

وفي الوقت الذي أقرت الحكومة في حساباتها الختامية  للعام المالي 2022/2023 بأن لديها متأخرات لدي الغير بلغت 571 مليار جنيه منها 70% متأخرات صرائب، وطبعًا فنحن هنا نتحدث عن ضريبة الدخل وهذه المتأخرات لا علاقة لها لا بالموظفين ولا بالمهنيين ولا بضريبة القيمة المضافة، فأنا كمدرس وحضرتك كطبيب ومهندس وأي موظف حكومي تخصم الضرائب من المنبع، والمحامي على كل دعوى يدفع ضرائبه، وحضرتك تدفع الفيمة المضافة على ستندوتش الفول والطعمية وعلى أي سلعة تشتريها، فليست هنا متأخرات للحكومة، وحتى متأخرات القيمة المضافة وعي قليلة جدًا فقد دفعها المستهلك النهائي، والمديونية طرف التاجر الأكبر.

فالحكومة التي تذل الشعب على 90 مليار جنيه عمي يسدون رمق 50 مليون مواطن هي بذات  نفسها لديها أكثر من نصف ترليون جنيها (571 مليار جنيه)  متأخرات لدى الأغنياء ولكنها تتشاطر على لقمة الغلابة فتخطفها من أفواههم وافواه أولادهم.

عزيزي المواطن حضرتك على نظام ( جوعني شكرًا) بينما هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لديها مستحقات لدى الغير (معظمهم من كبار  المطورين العقاريين) بلغت (323.2 مليار جنيه) في العام المالي 2022/2023.

لقد قمت بإعداد استجواب  منذ سنتين -لأحد السادة النواب ولم يُقدم- حول فساد هيئة المجتمعات العمرانية مع شركة واحدة فقط بلغ 109 مليار جنيه بحسابات ما قبل التعويم وتضخم أسعاره من  بيع الأراضي، الغير قانوني والمخالفة لكل بنود عقدها مع الشركة، والتي قامت الشركة ببيع الأراضي التي قامت بشرائها بواقع 7 و10 جنيها للمتر المرفق حتى تقوم بتطويرها وبيع وحدات ولكنها تبيع الأراضي  خام بمتوسطات سعر بيع متر الأرض 5 الآف جنيه للمتر، مخالفات قامت بها شركة واحدة بمدينة واحدة قمت  برصدها وكل مخالفة بمستند وعقود بيع ولكن النظام المعادي للفقراء والمحابي للفاسدين يغض الطرف، ويترك شركة واحدة تتربح بأكثر من 100 مليار جنيه في عقد واحد!!!! (تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات مليئة بمخالفات لشركات التطوير العقاري).

أكثر من ثلث ترليون مستحقات لهيئة واحدة لدى الغير بينما الحكومة تستخسر في الشعب كله 90 مليار جنيه!!

اعتقد ان الحكومة تسير في سكة الندامة، ولن تنفعها زيادة أسعار رغيف الخبز، فتوفيرها عدة مليارات جنيه من دعم الخبز لن يسد عجز موازنتها التي تأكل ديونها معظم إيراداتها وزيادة، فهل يدرك نظام (جوعني شكر ا)  خطورة أفعاله فيرتد عنها؟!