طالباني الهوى خُميني الفكر.. حكاية مهدي إسماعيلي المرشح لرئاسة إيران

ذات مصر

شهدت إيران خلال الساعات الماضية حالة من الجدل على خلفية تسريب رسالة تزكية وجهها عدد من الوزراء بالحكومة إلى مجلس صيانة الدستور، للموافقة على ترشيح وزير الثقافة محمد مهدي إسماعيلي في الانتخابات الرئاسية المقررة أواخر الشهر الجاري.

وانتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي صورة من الرسالة التي تحمل توقيع كثير من الوزراء الحاليين في الحكومة الإيرانية.

وبحسب وسائل إعلام، جاء في الرسالة السرية المسربة: «نحن كبار المسؤولين وأعضاء الحكومة الثالثة عشرة، نظراً لترشح محمد مهدي إسماعيلي، واثقون في هذه الظروف الصعبة بأن لديه الحكمة الكافية لإدارة الحكومة المقبلة على نهج خدمة حكومة رئيسي الثورية، في حال تأييدها واختيارها من قبل الشعب الإيراني.

وتزامنت الرسالة بينما يدرس مجلس صيانة الدستور، طلبات 80 مرشحاً لخوض الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في 28 يونيو إثر مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في تحطم مروحية الشهر الماضي.

وأثارت الرسالة استهجان وغضب داخل الأوساط السياسية حيث وصفتها وسائل إعلام مقربة من المرشح الرئاسي علي لاريجاني بالخطوة المستغربة.

ويخوض محمد مهدي إسماعيلي، البالغ من العمر 63 عاماً، الانتخابات الرئاسية معتمداً على خلفيته كقائد سابق بارز في الحرس الثوري الإيراني.

الخلفية والنشأة

ولد إسماعيلي عام 1960 في مدينة نورأباد بمحافظة لرستان جنوب غربي البلاد. درس الفقه والفلسفة في حوزة قم الشيعية وانضم إلى قوات الحرس الثوري بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979.
شغل إسماعيلي عدة مناصب قيادية في الحرس منها قائد قوات القدس، ويُنظر إليه على نطاق واسع كواحد من المقربين من المرشد علي خامنئي.

المواقف السياسية

يوُصف إسماعيلي بأنه "محافظ متشدد" بسبب مواقفه المتصلبة تجاه الغرب وفي القضايا الداخلية. 

يعلى الصعيد الخارجي يتبني إسماعيلي مواقف صلبة رافضة للتطبيع مع الولايات المتحدة وحلفائها. وقد صرح سابقاً بأن "التفاوض مع أمريكا هو خيانة للثورة الإسلامية".

ويؤيد إسماعيلي بشكل قاطع البرنامج النووي الإيراني واستمرار تخصيب اليورانيوم رغم العقوبات الدولية. وسبق وانتقد الاتفاق النووي الموقع عام 2015 معتبراً أنه قيّد إيران بشروط مجحفة.
وسبق ووجه إسماعيلي عدة تهديدات لإسرائيل واصفاً إياها بـ "الغدة السرطانية". وقال إن طهران لن تتردد في "القضاء على كيان العدو الصهيوني" إذا تعرض أمنها للخطر.

من المنتظر أن يتبنى إسماعيلي سياسة إقليمية توسعية في حال وصوله إلى السلطة، من خلال دعم حلفاء طهران في المنطقة مثل حزب الله اللبناني وجماعات الحشد الشعبي العراقية والحوثيين في اليمن.

على الصعيد الداخلي، يشتهر إسماعيلي بمواقفه المتشددة تجاه المعارضين والمنتقدين للنظام. فقد أيد قمع الاحتجاجات المناهضة للحكومة وتشديد الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي.

على الرغم من انحيازه للتيار المحافظ، فقد انتقد إسماعيلي بشدة أداء الرئيس إبراهيم رئيسي على صعيد إدارة الأزمات الاقتصادية في البلاد. ووصف حكومة رئيسي بأنها "فاشلة" في تلبية مطالب الشعب.

وزير طالباني 

أثار تعيين إسماعيلي في منصب وزير الثقافة والإرشاد خلال حكومة رئيسي غضب في أوساط المثقفين الإيرانيين، نظرا لتبنيه مواقف متشددة حيث عمد على فرض رقابة صارمة على وسائل الإعلام والفنون والثقافة بذريعة "محاربة الانحراف الأخلاقي".

كما حظر الكثير من الأعمال الفنية والأدبية والموسيقية التي اعتبرها مخالفة للقيم الإسلامية، وأغلق العديد من الصحف والمجلات ومنع النشر لعدد من الكتاب والمثقفين المعارضين لخطه المتشدد.

كما شدد الرقابة على المسرح والسينما والحد من حرية التعبير الفني والإبداعي في  محاولة فرض نمط معين من "الثقافة الإسلامية المتشددة" على المجتمع الإيراني.

سياسات إسماعيلي كوزير للثقافة جعلته أحد أبرز الشخصيات المثيرة للجدل في إيران بصورة دفعت الفنانين والمثقفين الإيرانيين للهجوم عليه بشكل كبير حيث وصفه المخرج البارز همايون اسعديان بأنه متطرف الفكر يشبه حركة طالبان التي استولت على أفغانستان. 

كما وصفه همايون غني زاده، وهو مخرج آخر معروف، إسماعيلي بأنه وزير الثقافة الأكثر "أمية" في العقدين الماضيين.

خامنئي وإسماعيلي

يرتبط محمد مهدي إسماعيلي، بعلاقة وثيقة مع علي خامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، حيث تم تعيينه وزيراً للثقافة والإرشاد الإسلامي في أغسطس 2021، بدعم وموافقة من المرشد الذى وجه له تعليمات وتوجيهات بضرورة استخدام الثقافة كأداة لمواجهة "الغزو الثقافي" الغربي.

ويتمتع إسماعيلي بدعم سياسي قوي من المرشد خامنئي، يظهر في التصريحات العلنية للمرشد التي تشيد بجهود وزارة الثقافة تحت قيادة إسماعيلي.

شارك إسماعيلي في العديد من الفعاليات الثقافية والدينية التي حضرها المرشد خامنئي. كان من بينها احتفالات دينية ومناسبات وطنية حيث ألقى المرشد خطباً تتناول دور الثقافة والإعلام في المجتمع.

في هذه المناسبات، كان إسماعيلي يشدد على التزام وزارة الثقافة بتوجيهات المرشد في حماية وتعزيز القيم الدينية والثقافية.

تحت قيادة إسماعيلي، عملت وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي على تعزيز دور الإعلام الحكومي وتوجيهه بما يتماشى مع سياسات المرشد خامنئي. كان هناك تركيز على تعزيز البرامج التي تعكس القيم الإسلامية وتقديم محتوى يدعم رؤية المرشد.

تم إطلاق عدة مبادرات إعلامية وثقافية تهدف إلى تعزيز روح الثورة الإسلامية والمبادئ التي يدعو إليها المرشد.

عقوبات أوروبية

وفي 20 من فبراير 2023، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على محمد مهدي إسماعيلي ومنظمتين و31 مسؤولاً أمنياً وبرلمانياً بتهمة "الارتباط بالقمع الأمني للمتظاهرين". وشمل هذا الحظر حجب الممتلكات والمنع من السفر.

وكتب إسماعيلي، ردا على بيان وزارة الخارجية البريطانية بشأن فرض عقوبات جديدة على مسؤولين ايرانيين في مجالات الثقافة والامن الداخلي والقضاء على حسابه على شبكة التواصل الاجتماعي: لقد فرض الغرب عقوبات على الكثير من مراكزنا الثقافية والفكرية في العقد الماضي، لكن ادعياء الدفاع عن الحرية نسوا أنه لا يمكن فرض العقوبات على الثقافة.

وأشار إلي أن استمرار العقوبات على خدام الثقافة للشعب من قبل بريطانيا وأمريكا وغيرهما ما هو إلا علامة على فشل العقوبات السابقة وزوال الناتو الثقافي.