الحرب على الأشجار.. بيانات الحكومة الخادعة تسقطها «سنتميترات» الظل

ذات مصر

شن رواد مواقع التواصل الاجتماعي هجومًا ضاريًا على الحكومة بسبب «الحرب على الأشجار» التي صاحبت خطط تطوير البنية التحتية والمشروعات الإنشائية والقومية التي تنفذها، لم تراع معها الشروط البيئية المفروض توافرها وحق المواطن في الهواء والظل.

الحرب على الأشجار

على مدار السنوات الماضية، واجهت الحكومة انتقادات على لجؤها إلى قطع الأشجار في شتى المناطق التي ترغب في إنشاء مشروعات طرق ومواقع إنشائية، دون اكتراث بالأضرار التي سيعاني منها المواطن والبيئة على حد سواء.

الموجات الحارة التي تعيشها مصر منذ فترة، وعرفها مناخها مؤخرًا حتى قبل انطلاق فصل الصيف رسميًا، والشمس الحارقة الذي لا يجد المواطن ساترًا طبيعيًا طالما كان موجودًا أظهر للمواطن أهمية انتشار الأشجار في الشوارع.

يد التنمية لم تترك أشجار تاريخية، فحديقة المريلاند التاريخية في منطقة مصر الجديدة، فاستهدفتها في 2015 جرافات تابعة لوزارة قطاع الأعمال العام، لإقامة مستودع تحت الأرض، ورغم الغضب الشعبي والمبادرات التي أجلت التنفيذ إلا أنها لم تفلت.

وفي 2021 عندما بدأت حملات توسيع الطرق في الحي الراقي، استقطع من الحديقة جزءًا لبناء نصب تذكاري، ولكن الأشجار المرقمة هذه المرة لم تمس، ليست لأنها محمية بموجب القانون والدستور، ولكن لأنها موثقة وتحمل رقمًا مسجلًا في وزارتي الزراعة والبيئة.

حتى لا يزول الأخضر

أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم السبت ورقة جديدة في ملف العدالة البيئية بعنوان "حتى لا يزول الأخضر - الأشجار والحدائق في مدن مصر من منظور العدالة البيئية". 

تبدأ الورقة من ملاحظة ما جرى في السنوات الأخيرة، حيث بات قطع الأشجار ظاهرة متكررة تصاحب مشروعات بناء وتطوير المرافق الخدمية، بشكل لا يراعي الوظيفة البيئية للأشجار والمساحات الخضراء، خاصة في المدن. وذلك باعتبار الأشجار والمساحات الخضراء حلًا بديهيًا فعّالًا ومنخفض التكلفة لعلاج مشاكل تلوث الهواء والضوضاء، وتوفير الظل في الشوارع، وتبريدها في ظل الزيادات القياسية لدرجات الحرارة في العقود الأخيرة.

ونوّهت الورقة إلى أن أشجار الريف لم تَسْلَم بدورها من عمليات "التطوير". حيث تم اقتلاع آلاف الأشجار - على أقل تقدير - أثناء تنفيذ مشروع تبطين الترع والمصارف، دون الإعلان عن أي دراسات أثر بيئي لإزالة تلك الأشجار أو تحديد منهجية واضحة للإزالة أو لتخفيف عمليات القطع إلى أقصى درجة ممكنة.

في تحليلها لهذه السياسات نبهت الورقة إلى ضرورة قيام الحكومة بتطوير استراتيجيات القطاعات المختلفة لتحقيق التنمية المستدامة والتكيف مع آثار تغير المناخ. وذلك خاصة في اللحظة الحالية، التي تستضيف مصر فيها مؤتمر المناخ  (COP27) .

وشددت على أهمية تحديد الحكومة أهدافًا واقعية معلنة لنسب نصيب الفرد من المساحات الخضراء في المدن، وللاستثمار في زراعة الأشجار، ولتوفير المساحات الخضراء، كإجراءات مُجدية ومنخفضة التكلفة لتخفيف الحرارة وتلوث الهواء في المدن.

سنتميترات المواطن

جاءت الورقة في صورة ١٠ أسئلة وأجوبة تتناول الجوانب المختلفة لقضية الأشجار والمساحات العامة الخضراء في مصر. وحاولت إلقاء الضوء على مسائل كعدد الأشجار، ونسب المساحات الخضراء، وأهميتها للبيئة ولصحة المصريين، وفوائدها الأخرى المتعددة. كما تناولت الورقة الجوانب القانونية الخاصة بحماية الأشجار في مصر.

وبينت مقارنة للنسب التي تقررها القوانين مع النسب العالمية لنصيب الفرد من المساحات الخضراء. بلغ متوسط نصيب الفرد من المساحات الخضراء في مصر 17 سنتيمترات فقط، رغم أن منظمة الصحة العالمية وضعت معاييرًا توصي بأن يكون الحد الأدنى للمساحة الخضراء المتاحة للفرد في المناطق الحضرية هو 9 متر مربع

ويأتي أكبر نصيب للفرد من المساحات الخضراء في محافظة جنوب سيناء بواقع 161 سنتيمترًا، بينما وصل نصيب الفرد إلى 2 سنتيمتر فقط في محافظات القليوبية والغربية والفيوم وقنا ومطروح، وبلغ متوسط نصيب الفرد في المحافظات الحضرية، وهي القاهرة والإسكندرية والسويس وبورسعيد، حوالي 39 سنتيمترًا، فيما بلغ متوسط نصيب الفرد من المساحات الخضراء في الدلتا، وصعيد مصر، والمحافظات الحدودية 15.5 و10.7 و66.6 سنتيمترات على الترتيب.

بيانات الحكومة

الحكومة المصرية حاولت تبرير موقفها وتخفيف حدة الانتقادات التي طالتها، فأصدرت بيانات عديدة تنفي فيها قطع الأشجار، فنفت «البيئة» قطع أشجار حديقة الميرلاند بمصر الجديدة، مشيرة إلى زراعتها 1.4 مليون شجرة خلال السنة الأولى من المبادرة الرئاسية 100 مليون شجرة، والتي تبلغ حصتها منها 13 مليونًا.

وعلى نفس المنوال نفت وزارة الزراعة قطع أشجار حديقة الحيوان، منوهةً إلى أن الصور المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي هي لأحد الاوناش الذي يهذب الأشجار وليس تقطيعها للحفاظ عليها من التلف لصيانتها وتهذيبها وتجميل شكلها.

وأصدر صندوق التنمية الحضارية بيانًا بشأن مشروع حدائق تلال الفسطاط، لم يقدم جديدًا عن معدلات التنفيذ في المشروع الذي تبلغ مساحته 404 أفدنة، كما نشرت صفحات المحافظات على "فيس بوك" صورًا لبعض المناطق الموجودة بها المزينة بالأشجار.

بيانات الحكومة ووزارتها ومحافظاتها الصادرة ليست كاذبة لكنها أغفلت جزء كبير من الواقع بالحديث فقط عن بعض المناطق الراقية، والعاصمة الجديدة، فعديد المناطق الأقل أهمية والشعبية والقروية غاب عنها ظل الأشجار الذي كان يزينها رغم الزحام الشديد التي كانت تعاني منه.