هشام الحمامي يكتب: ليست فكرة!.. «حماس» تاريخ موصول بـ«نور مبين»

ذات مصر

كن كما شئت، مهنيا اجتماعيا وسياسيا ثقافيا فكريا.. إلخ، وتقدم في الحياة بكل الصور التي تريدها لنفسك وتنشدها أو تراها لنفسك أو ترى من خلالها نفسك.. لكنك في النهاية لن تكون إلا (ابن أبيك).. ليس فقط بحملك لاسمه ولقبه وليس فقط لأنك ظله وضوؤه، ولكن -وهو الأهم- لأنك قطعة من ذات نفسه وروحه وجسده وكل كيانه.. وهكذا.. كان ذلك كذلك.. وهكذا هي حركة حماس.. امتداد أمين وقوي لتاريخ موصول بنور مبين.

ورغم أني تورطت في وصف (حركة المقاومة الإسلامية/حماس) بأنها فكرة، فإنني امتعضت امتعاضا معيضا، حين سمعت دانيال هاجارى (المتحدث باسم الجيش الصهيوني) وهو يقول تصريحه الغريب والمدهش بأن (حماس) فكرة، ولن نستطيع استئصالها.. فهي مغروسة في قلب كل الناس في غزة. 

شكرا يا (هاجاري) على تنبيهك لخطئي.. وشكرا أخرى على تكريمك للناس في غزة (أهل الأنوار والمكارم والصبر الجميل).. وتكريمك أيضا لحماس على هذا التوصيف (مغروسة)، وهو بالفعل توصيف جامع مانع لغيره من التوصيفات كما يقول أهل الأصول.. ونعم الغرس كان ونعم الحرث كان.. وعلى خير وبركة زرعها بإذن ربها سيكون.

***

المؤكد أن (طوفان الأقصى/7 أكتوبر) بكل ما قدمته من روعة واكتمال (يقين وشجاعة وإعداد وقدرة وجرأة وعزم وصبر) جعلتهم جميعا في حيرة حائرة، إلى حد أنهم جميعا في مراكز التفكير (ثينك تانك) في (أوروبا وأمريكا) في تلك الحالة الشهيرة.. حالة (يعمهون)، والتي تعني الحيرة والضلال وخداع النفس، وقد ذكرت في (القرآن الكريم) 7 مرات، خمس منها مرتبطة ارتباطا عضويا بـ(الطغيان) ومرة بغياب الوعي (سَكرة) ومرة مرتبطة بإنكار الحساب على الأعمال بعد الموت.

***

دعك من (دولة إسرائيل) لأننا متفقون من البداية على أن دولة إسرائيل حالة طارئة تقوم بدور محدد ومعروف وأشهر من أن يناقشه المتناقشون، دور موصول بالغزو الغربي/ الأمريكي لعالم الإسلام.

ولن نسمح هنا للدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله ، باستدراجنا إلى الموسوعة الشهيرة التي حيَا بها زمنه وعصره موسوعة (اليهود/ اليهودية/ الصهيونية).. 3132 صفحة موزعة على 8 أجزاء. 

وبألفاظه المنحوتة من قلب المعنى ومصطلحاته المسبوكة من كل المعنى، سيقول لنا إن (اليهود) جماعات عديدة، وإن (اليهودية) دين تلاعب به المتلاعبون، وإن (الصهيونية) حالة تكونت من مثلث بثلاثة أضلاع (كراهية اليهود/ التخلص من اليهود/توظيف اليهود).. ثم يشرح لنا كل ذلك في الموسوعة.

***

لا علاقة لنا بكراهيتهم لليهود لأن اليهود كما قال أبا إيبان وزير خارجيتهم الشهير في الستينات: لم يعرفوا الحياة الكريمة إلا مرتين: الأولى في العصور الوسطى (الإسلامية) في ظل الحضارة الإسلامية والثانية في أمريكا، مع الفارق النوعي الكبير بالطبع.

كما لا علاقة لنا برغبة الغرب المسيحي اللحوحة في التخلص من اليهود، فهذا حالهم ومشاعرهم ومصالحهم وما جنته أيادي الاثنين.

لكن للأسف سيكون لنا علاقة بتوظيف اليهود، وتحديدا توظيف اليهودية بضخها في عروق الصهيونية، لتعطيها قداسة تاريخية وذريعة فكرية، كما أضافوا لها (خلطة) طريفة سموها (المسيحية الصهيونية)، وجعلوها وقودا (دائم الاشتعال) للقصة، التي سخروا لها أموال الدنيا وإعلام الدنيا وساسة الدنيا وفلاسفة الدنيا إلا قليلا.

***

وسنعرف بعدها أن (الشرق الأوسط) الذى ستستقر في قلبه (دولة القصة الكذوبة).. لا بد من أن يكون ضعيفا منهكا مفككا مكشوفا مشروخا مأزوما حائرا مضطربا، مقطع الأوصال السياسية والفكرية والقومية والوطنية.. وأخيرا وآخرا (الدينية).. وسيكون كل ذلك وسيتم بالضبط دون أن يشعر سكان الأرض أن الأرض تدور! 

فلن يشعر أهل الإقليم بأنهم (مقطوعو الأوصال).. بل سيخيل إليهم من سحرهم، أن العكس تماما هو الصحيح وستسمع وترى من يحدثك ويجادلك ويقنعك بذلك، وحين تصيح في وجهه حزينا حسيرا حائرا: (لكنها تدور) كما العالم الإيطالي (جاليليو) حين صاح في وجه من يحاكمه ويهدده. 

عليك وقتها، أن تتحسس رأسك عملا بنصيحة الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور.. لماذا؟                  لأنه كان يعيش في (زمن الحق الضائع): الذى لا يعرف فيه مقتول من قاتله ومتى قتله؟ ورؤوس الناس على جثث الحيوانات ورؤوس الحيوانات على جثث الناس.. فتحسس رأسك.. فتحسس رأسك!

قالها الشاعر الراحل سنة 1961م في عز أوقات (تقطيع كل الأوصال).

***

وصدق بكل حق من قال إن (القضية الفلسطينية) هي القضية التي استطاعت أن تختزل تاريخ إقليم الشرق الأوسط كله.. وهذا صحيح تماما.. لأن كل شيء كان يدار في الشرق الأوسط من(الخمسينات) كان لحساب قوة وعملقة (دولة القصة الكاذبة) وحالا وفورا بعد خروج الاحتلال الإنجليزي والفرنسي.

كل شيء تغير في الشرق الأوسط على كل مستويات التغيير. تم على خلفية قيام وصعود واستمرار هذا الكيان.. وحين تسلمت أمريكا ملف الشرق الأوسط من بريطانيا (تسليم وتسلم) بالمعنى الحرفي للجملة، استمر الخطر، لكن هذا لم يكن كل شيء. 

***

فقد شاءت إرادة الله العلي الأعلى (ألا تخلو الأرض من قائم لله بحٌجة).. بشر عاديون صحبوا الدنيا بأرواح معلقة بالنظر لأعلى.. ولم تكن (القضية الفلسطينية) في أي وقت من الأوقات، بدءا من 1917م حين دخل اللورد اللنبي القدس تسبقه جملته الشهيرة (الآن انتهت الحروب الصليبية) وحتى 7 أكتوبر 2023م.

لم تكن بحاجة الى هذا الصنف من البشر بأكثر من احتياجها له في هذا الوقت من هذا الزمن.. ولكل أجل كتاب بالفعل.

لم يتأخر الرد على الجنرال الذي كان شديد الصدق والوضوح مع نفسه ومع تاريخه وتاريخ أمته.. فقط كان ينتظر من يكون (أكثر منه) صدقا ووضوحا مع نفسه وتاريخه وأمته.. وقد كان. 

وسبحانه وتعالى (علام الغيوب) هو وحده من يعلم متى يكون ما ينبغي أن يكون ليقول له: (كن.. فيكون)  .. وآخر آيتين في سورة (يس) تفيض فيضا في أنوار الوجود كله بهذا المعنى. 

***

وحين نرى (فتية الأنفاق) يلفون رؤوسهم بشعار الأمة.. أمة التوحيد، وحين نراهم يفرتكون (الميركافا والنمر) وهم يشهدون على أنفسهم، أنهم ما رموا إذ رموا، ولكن الله رمى.

وحين نراهم يصومون ويقسمون أن إفطارهم لن يكون من طعام الأرض، وحين يمشي أحدهم متهاديا سعيدا ثابتا ليضع (الشواظ) في موضعها الصحيح ولا تعنيه كلمة حياة ولا كلمة موت.

حينها.. وحينها فقط، سيعلم أهل الدنيا من هي (أمة محمد) التي قفز (الفتية) قفزا فوق الزمان ليصولوا ويجولوا و(يوصلوا) حاضرها بمستقبلها.. بماضيها، ليكونوا هم.. وهم فقط (شهداء التاريخ).. تاريخ هذه الأمة.. أمتي.. وأمتك.. أمة محمد صلى الله عليه وسلم. 

ورحم الله من قالها.. لتكون أحق قول، في أحق وقت، في أحق حق: (أمتي أمتي .. أنا بها وفيها.. حاضرها العتيد.. وظلها المديد.. حكمتي القديمة.. وعالمي الجديد).