«عيد الأم مجاش».. الغلاء و«السوشيال ميديا» يدمران أهم تقليد أسري

ذات مصر

اعتاد المصريون خلال العقد قبل الماضي على طقوس معينة في الاحتفال بعيد الأم، وكانت هناك مشاعر أخرى غير الموجودة حاليًا في عصر «السوشيال ميديا»، وسوء الأوضاع الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة.

كان لعيد الأم بهجة معينة في حياة الشباب والفتيات في الماضي، ويجري التجهيز له قبله بوقت معين لمفاجأة الأم، رغم أن الهدايا كانت معروفة، وتقتصر على «طقم كوبايات» أو طرحة، أو وردة بلاستيكية؛ لكن تظهر حبًا مختلفًا عن الآن، الذي فقد فيه عيد الأم معناه تقريبًا، وتأثر بالأزمة الاقتصادية الموجودة حاليًا.

سباق الأبناء لإرضاء الأم

وردة عبد الحليم، 59 عامًا، أم لثلاثة أبناء، تحكي عن ذكرياتها مع احتفال أبنائها بعيد الأم في الماضي، قائلةً: «زمان الولاد كانوا بيتسابقوا على تجهيز هدية عيد الأم سواء من خلال (تحويش) جزء من مصروفهم، أو حتى طلب مساعدة من والدهم، ورغم رمزية الهدية فإنها كانت لها شعورٌ مختلف عن الآن».

الهدية البسيطة التي كانت لا تتجاوز نصف دستة أكواب زجاجية، أو طرحة بسيطة، أو عباية ببضعة جنيهات، كانت بالنسبة لـ«وردة» أفضل هدية؛ لأن قيمتها تعني لها الكثير بعيدًا عن المعاناة التي يعيشها أبناؤها الآن.

الأزمة الاقتصادية تؤثر

توضح: «ربنا يكون في عون شباب دلوقت، زمان كانت أسعار المنتجات مقبولة ومع كبر أبنائي كانوا كل عام يبحثون عما أحتاجه؛ ولأن التكلفة مقبولة حينها كانت الأمور أسهل من الآن، فأسعار كل شيء أصبحت تتجاوز قدرتهم، بالإضافة إلى احتياجات أسرهم».

وتضيف: «في عيد الأم خلال السنوات القليلة الماضية، يكتفي أبنائي في اليوم ذاته بمكالمة هاتفية لتهنئتي، ويعتذرون عن عدم الحضور لانشغالهم بأمور كثيرة، ويعدونني بالقدوم خلال الأيام المقبلة، لكني أعلم أنهم ينتظرون توفير أموال أو قبض مرتباتهم لاستقطاع جزء منها».

وتختتم وردة: «أشفق على أبنائي ولا انتظر منهم شيئًا إطلاقًا، وأطالبهم دومًا بعدم تقديم هدايا. يكفيني فقط تجمعهم حولي، وأدعو الله ليل نهار أن يخفف عنهم أسعار أيامهم، ويستطيعون تجاوز الأزمة الحالية».

عيد الأم «Fake»

عمر حسين، طالب جامعي، يؤمن بأن البوستات المنتشرة على مواقع التواصل بمناسبة عيد الأم أغلبها «Fake»، ولا تنم عن مشاعر حقيقية بين الأبناء وأمهاتهم، وهي فقط من أجل جمع عدد أكبر من اللايكات والكومنتات.

يفسر محمد اعتقاده بأن كثيرًا من الأشخاص الموجودين حوله ينشرون بوستات في هذه المناسبة، رغم أن علاقاتهم بأمهاتهم ليست في أفضل حال، ولا يزورونهن إلا في النادر، وينصب اهتمامهم فقط على زوجاتهم وأبنائهم.

وأردف: «لا يُدرك هؤلاء نعمة وجود الأب والأم في حياتهم سوى بعد فقدانهما، ليبدأوا في التباكي على ما فاتهم، رغم حرصهم في كثير من الأوقات على نشر بوستات عن حبهم لأهلهم، ولكنها جميعًا مرتبطة فقط بـ(اللايكات والكومنتات والشير) وخدع السوشيال ميديا المنتشرة حاليًا».

ويضيف: «السوشيال ميديا لها إيجابياتها لكنها أصبحت تسيطر على حياتنا، وجعلتنا نُهمل التعبير عن مشاعرنا الحقيقة»، مشددًا على ضرورة أن ينتبه الجميع لمخاطر السوشيال ميديا، والاهتمام الحقيقي بالأهل بدلًا من الكلام فقط عبر العالم الافتراضي.

هدايا من أجل «السوشيال ميديا»

أماني محمد، سيدة في منتصف الأربعينات وأم لفتاة 20 عامًا، أصبحت ترى «عيد الأم» بنظرة مختلفة في ظل تأثيرات السوشيال ميديا عليها وعلى ابنتها، فلعيد الأم بالنسبة لها طقوس معينة يجب أن تُتبع، تبدأ أولًا  بـ«بوست عاطفي» من ابنتها عبر السوشيال ميديا، ثم هدية قيمة تختارها بنفسها.

تقول أماني: «تغيرت حياتنا كثيرًا عن الماضي، وأصبحت عاداتنا مختلفة، في السابق كانت الحياة هادئة وبسيطة، وكنت مثل كل الشباب والفتيات، نقدم لأمهاتنا الهدية المتعارف عليها (طقم كوبايات)، والأغنياء منا يقدمون هدايا أقيم كخاتم ذهبي أو حلق، لكن الآن الطقوس أصبح مختلفة تمامًا».

تضيف: «مع بداية إدارة ابنتي لعيد الأم وتأثير السوشيال ميديا علينا جميعًا، أصبح التباهي عبر مواقع التواصل الاجتماعي جزءا رئيسيا من الاحتفال، بالإضافة إلى شراء هدية (دبدوب) وبعض الشوكولاتة لنشر صورتها مع صورة لي يجب أن تكون معبرةً جيدًا، حتى أصبحت أشعر بأن الهدية ليست لي، رغم اهتمامي بنشرها».

الخوف من «السوشيال ميديا»

«أخاف أحيانًا من أن يكون شعور ابنتي تجاهي هو فقط للحصول على لايكات ومشاهدات أكثر، رغم أن علاقتنا جيدة لكن هناك فتور أفسره باختلاف العقليات»، هكذا اعترفت أماني من تأثير مواقع التواصل على علاقتها بابنتها.

وتابعت أماني: «أريد أن أعترف بأن شعوري وشعور أمي في الماضي كان أفضل، لكن الآن أصبحت أشعر بأنه شيء مزيف لارتباطه بأمور أخرى غير المشاعر الحقيقية التي كنت أكنها لأمي، ولا أعلم هل هو فعلًا احتفال بعيد الأم، أم إيفنت مرتبط بالسوشيال ميديا».

أمنية لم تتحقق

محمد إبراهيم، 30 عامًا، لم يتمكن من جلب هدية لأمه في عيد الأم، واكتفى بمكالمة، مبررًا ذلك بالظروف الصعبة التي يعيشها الجميع الآن بسبب ارتفاع الأسعار، مشددًا على أنه «يتمنى أن يجلب لأمه أعظم هدية لأنها تستحق».

وأشار إلى أن «الظروف الاقتصادية الصعبة أثرت علينا، وأمي تدرك ذلك وتلتمس لي العذر، لكن أشعر بالضيق لعدم تقديم الهدية المعتادة في كل عام»، متابعًا: «تحتاج أمي هدية معينة كنت أنوي تقديمها لها، لكن الأيام الأخيرة استنزفت ما كنت أدخره وأصبح الوضع صعب جدًا».

واختتم محمد حديثه: «اعتذرت لأمي عن عدم تقديم الهدية ووعدتها بهدية حين تتحسن الظروف، لكنها أقسمت أنها لن تأخذ شيء، ويكفيها فقط أن أكون بخير أنا وأولادي»، مكملًا: «كنت أتمنى أن أعوض أمي بعد أن كبرت لكن يبدو أن أيامنا لن تمكنا من تحقيق ذلك».