سد النهضة.. ما البدائل المصرية لإيقاف إثيوبيا عن الملء الرابع؟

ذات مصر

بعد أشهر من الصمت، عاد ملف سد النهضة إلى طاولة الاهتمام الحكومي والإعلامي، بعد تأكيد استعداد إثيوبيا لبدء الملء الرابع للسد، ليصل تخزينها من المياه نحو 30 مليار متر مكعب، بحسب تقديرات خبراء الجيولوجيا، ما يصعب من المهمة المصرية والسودانية في التفاوض مع الطرف الإثيوبي حول قواعد الملء والتشغيل.

وكشفت صور للأقمار الفضائية، مطلع مارس الجاري، عن استعدادات إثيوبيا لبدء الملء الرابع لسد النهضة، تبين منها فتح البوابة الغربية للسد لتصريف حوالي 50 مليون متر مكعب من المياه، وتوقف توربينين عن العمل مع استمرار عبور المياه بهدف تجفيف الممر الأوسط تمهيداً لبدء الأعمال الخرسانية وزيادة ارتفاع جانبي السد وبدء التخزين.

ويعادل التخزين الرابع المتوقع 75% من جملة ما تم تخزينه خلال السنوات الثلاث الماضية، وفي كل مرة تقترب أديس أبابا من عملية ملء جديدة تتسم التصريحات الصادرة عن القاهرة بالحدة تجاه الموقف الإثيوبي، في وقت تغيب الحلول الناجعة عن سقف العملية التفاوضية بين الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا.

 

كل الخيارات مفتوحة

آخر هذه التصريحات الحاسمة ما أدلى به وزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي قال إن كل الخيارات مفتوحة في أزمة سد النهضة وتظل كافة البدائل متاحة ومصر لها قدراتها وعلاقاتها الخارجية ولها إمكانياتها.

وخلال الأسبوعين الماضيين، توالت التصريحات المصرية المحذرة من الآثار الكارثية لسد النهضة، حيث أكد وزير الري هاني سويلم أن استمرار التحركات الأحادية من جانب إثيوبيا يشكل خطرا وجوديا على 150 مليون مواطن، وأن مصر معرضة لفقدان 15% من رقعتها الزراعية بسبب تصرفات إثيوبيا.

وتحدث سويلم في بيان مصر أمام الجلسة العامة لمؤتمر الأمم المتحدة للمياه 2023، عن تاريخ التعنت الإثيوبي، حيث تم بناء السد منذ أكثر من 12 عاما على نهر النيل دونما تشاور ودون إجراء دراسات وافية عن السلامة أو عن آثاره الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على الدول المتشاطئة، وتستمر عملية البناء والملء بل والشروع في التشغيل بشكل أحادي، وهي الممارسات الأحادية غير التعاونية التي تشكل خرقا للقانون الدولي بما في ذلك اتفاق إعلان المبادئ الموقع في عام 2015، ولا تتسق مع بيان مجلس الأمن الصادر في سبتمبر عام 2021.

وخلال السنوات الطويلة الماضية استنفدت القاهرة طرق التفاوض المختلفة وسعت لتدويل قضيتها من خلال ذهابها لمجلس الأمن، غير مرة، ورغم عدم نجاحها في إيقاف عملية الملء أو الوصول لاتفاق حول قواعد التشغيل، إلا أن الحكومة المصرية تميل إلى خوض جولة جديدة بمجلس الأمن.

وسبق أن شكت مصر إثيوبيا بالأمم المتحدة ، بسبب استمرار أديس أبابا في الملء الثالث لسد النهضة، بشكل أحادي دون اتفاق مع مصر والسودان حول ملء وتشغيل هذا السد. وجاء في الشكوى المصرية أن هذا يُعد مخالفة صريحة لاتفاق إعلان المبادئ المبرم عام 2015 وانتهاكاً جسيماً لقواعد القانون الدولي واجبة التطبيق، والتي تلزم إثيوبيا، بوصفها دولة المنبع، بعدم الإضرار بحقوق دول المصب. 

 

مصر أفرطت في حسن النوايا مع إثيوبيا

في هذا السياق، يؤمن السفير معصوم مرزوق، مساعد وزير الخارجية الأسبق لشئون أفريقيا، بأن مصر يجب أن تسلك جميع الطرق الدبلوماسية والضغط بشتى الطرق على إثيوبيا لإخضاعها لاتفاق ملزم حول قواعد الملء والتشغيل، وعدم المضي قدما في الإجراءات الأحادية التي ستؤدي لا محال إلى تهديد حياة الملايين من المصريين.

مرزوق اعتبر، في تصريحات لـ«ذات مصر» أن مصر أفرطت في حسن النوايا في ملف التفاوض مع الطرف الإثيوبي ما تسبب في إهدار الوقت طوال السنوات الماضية، رغم ما نعلمه جميعا أن المفاوضات في هذه الأمور الخاصة باتفاقيات دولية ونزاعات بهذا المستوى تأخذ وقتا طويلا.

وأضاف، أنه لا مهرب أيضا من تهيئة المجتمع الدولي للرد المصري على الإجراءات الأحادية الإثيوبية وإشعارهم أن السد يهدد وجود المصريين في ظل ندرة الموارد المائية المصرية واعتمادها بشكل كلي على نهر النيل، والتأكيد على أن الحكومة لن تسمح لإثيوبيا بإبادة المصريين بهذه الطريقة.

وينبه مرزوق إلى أن الخارجية المصرية عليها أن تحدث اختراقا حقيقيا في الدوائر الإقليمية لعزل إثيوبيا دوليا وتجريدها من مصادر نفوذها، بما فيها من تحركات داخل الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية وكذلك الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن.

«دبلوماسيتنا الأفريقية مازالت تحاج لدفعة كبيرة نحتاج لأصدقاء داخل القارة لمواجهة نفوذ إثيوبيا التي تمتلك حضورا أكبر داخل الاتحاد الأفريقي بحكم أنها بلد المقر» يقول مرزوق، بينما لا يعول في الوقت ذاته على ترأس جرز القمر الاتحاد الأفريقي لتبني الموقف المصري.

 

إثيوبيا تخطط لاحتجاز 13 مليار متر مكعب في الملء الرابع

في سياق متصل، أوضح عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، أن التحركات المصرية الأخيرة في الجامعة العربية ومحاولات العودة إلى مجلس الأمن من جديد للفصل في هذا النزاع تظهر مدى إدراك المسؤولين لحجم الضرار الواقع على مصر من استمرار عمليات ملء سد النهضة.

ويشير شراقي في تصريحات لـ«ذات مصر» إلى إثيوبيا تخطط لإتمام الملء الرابع في شهر سبتمبر المقبل باحتجاز 13 مليار متر مكعب ما يزيد عن أي تعبئة سابقة، وهو الأمر الذي سيحرم مصر من 13 مليار متر مكعب خلال هذه الفترة سنعتمد خلالها على مخزون السد العالي بشكل أساسي، متابعا: «ما يحمي مصر الآن السد العالي ومشروعات تحلية المياه».

يواصل شراقي حديثه: «مصر أنفقت ملايين الدولارات في مشروعات تحلية مياه حتى لا يعطش المصريون ولا يتأثرون بالسد ما تسبب في تعميق الأزمة الاقتصادية الخاصة بقلة العملة الصعبة بالبنوك المصرية».

ويشدد السفير معصوم مرزوق في نهاية حديثه على أن مصر لن تقبل أن يتم إبادة شعبها وهي صامتة، بينما يتخيل الإثيوبيون أن القاهرة مكتوفة الأيدي أمام استفزازاتهم المستمرة، لذا يجب أن نستغل جميع قدراتنا لتسوية هذا النزاع.