يحيى حسين عبدالهادي يكتب: قَفَا حامِد

المهندس يحيى حسين
المهندس يحيى حسين عبدالهادي

هل تُسَمَّى (مباراةً) تلك التي تدخلها بناءً على دعوة خصمك فتُفَاجَأ بأنَّ: خصمك بلا مرمى.. ومرماك بلا عارضة؟!.. وأنَّ خصمك له مطلق الحرية في ركلك أَنْتَ والكرة بالقدم والرأس واليد (بل والسلاح) بينما فريقك مُكَبَّلُ الأيدي والأرجل؟! .. وأنَّ الوقت المحدد لك شَوْطٌ واحد.. والوقت المحدد لخصمك مفتوحٌ وممتدٌ إلى أن يتعب من اللعب والتسجيل؟! .. وأنَّ خصمك هو نفسه الحكم، ومعه الفار والكروت، والعقوبة تبدأ بالضربات المباشرة وغير المباشرة وتصل إلى الحبس والإعدام؟!.
طبيعيٌ والحالُ كدلك أن يُنهِيَ الحكمُ (المباراةَ) ١٠٠ / صفر لصالح نفسه بعد أن تعب من كثرة التسجيل.
إذا ما اعتبرنا ما حدث (سذاجة أو طِيبَةَ قلب)، فما القَوْلُ إذا تكررت الدعوة وتكررت السذاجةُ والقبول وتكررت المهزلة؟!. وهل يجوز أن يُلدَغَ المؤمنُ من نفس الجُحر مَثنَى وثُلاثَ ورُباع؟!.
وبماذا نُسَمِّي مَن يتهيأُ بحماسٍ للمشاركة في (المباراة) القادمة بنفس القواعد ويتوقع نتيجةً مختلفة؟! .. أَلا يُذَكِّرُكَ ذلك بالكفِّ المتكرر على قفا حامد في مَوَّال المنتصر بالله ووحيد سيف في المسرحية الشهيرة؟!.
تَصاعَدَ الحديث في الفترة الأخيرة عن ما يُرَوَّجُ له بخصوص الاستحقاق الانتخابي الذي تم العبث بالدستور ليتأجل من ٢٠٢٢ إلى ٢٠٢٤   ومنها إلى ٢٠٣٠ ثم إلي يوم القيامة أو الموت أيهما أقرب .. بل بدأ البعض (بِحُسْنِ نِيَّة) يطرح أسماءً محترمةً للترشح والمنافسة من الآن .. ومعظم الأسماء المتداولة محترمةٌ بالفعل .. ولكن ما هو مطروحٌ ليس انتخاباتٍ وإنما مهزلةٌ نربأ بهم أن يشاركوا فيها.
نحن من الداعين لتغيير النظام الفاشل سلمياً .. ولا يكون ذلك إلا بالانتخابات كما يحدث في البلاد الطبيعية .. لكن ما نحن بصدده ليس انتخاباتٍ وإنما مَلهاة .. والمسرحيةُ التي يُرَوِّجون لها قديمةٌ ومُمِلَّةٌ (فضلاً عن أنها هابطة) .. يُعادُ عرضها منذ عدة مواسم كمسرحيات عادل إمام .. غير أن الأخيرة كان يُمَدِّدُها الجمهور بإقباله عليها لجودتها، بينما المسرحية التي يُسَوِّقُونها لنا تُعادُ بأمر المُخرِجِ لا الجمهور. 
أَيُّ انتخاباتٍ تلك التي تم إقصاء كل المعارضين المحتملين منها بتلفيق قضايا واستصدار أحكامٍ ضدهم لا تزال قائمةً دون ردِّ اعتبارٍ .. واستصدار قوانين مُفَصَّلَة من البرلمان المُعَلَّب تجعل العصمة في يد الرئيس؟!.  
لِكَي تكون انتخاباتٍ لا بُدَّ أن يسبقها الإفراج عن كل من أُدينوا أو حُبِسوا بواسطة محاكم ونيابات أمن الدولة من ٢٠١١ حتى الآن وإلغاء كل موانع الترشح عنهم .. ورفع كل قوائم الترقب والوصول المُنشَأَة في هذه الفترة .. ورَدّ الجنسية المصرية لكل من سُحِبَت أو أُسقِطتْ عنهم .. ثم فتح باب الترشح لكل المصريين بلا استثناء .. أُكرر بلا استثناء لكل من يحمل الجنسية المصرية في مصر وخارجها .. وإلغاء كل الاستثناءات السابقة حتى لو أتاح ذلك لخصوم الثورة أو اللصوص أن يترشحوا .. لا قوائم سوداء.. والاختيار في النهاية للشعب .. وكل ذلك طبعاً تحت إشرافٍ أُمَمِيٍّ كاملٍ.. غير ذلك لا انتخابات.
ليست هذه دعوةً للانسحاب والهروب .. وإنما هي دعوةٌ للمواجهة والاقتحام .. الرفضُ مقاومةٌ.
في ٢٠١٠ تبلورت أهداف الجمعية الوطنية للتغيير في مقاطعة أيِّ انتخاباتٍ وعدم الاعتراف بنتائجها ما لَمْ تتحقق سبعة مطالب (تم جمع التوقيعات عليها) .. لم يكن هذا الموقف انسحاباً من الانتخابات بل على العكس كان اقتحاماً جادَّاً لها .. فقد كان مجرد الدعوة لرفض الانتخابات الكرتونية (حتى دون طرح أسماء) كفيلاً بنسف السؤال الرائج وقتها (مَنْ الذي يَحِلُّ بعد مبارك ووريثه؟) .. هذا السؤال المُهِين الغبي الذي يُرَوِّجُ له كلُ ديكتاتور .. وكأن مصر كانت  قبل أن تُبتَلَى بفخامته قَفْراً يباباً خِلْواً من القادرين على القيادة .. وإذا غادرها ستعود إلى نفس العدم.
لم يمر عامٌ إلا ونجحت الثورة بهذه المقاطعة الإيجابية التي دَعَّمَتها التصرفات الديكتاتورية الغبية .. اليوم يُراد لنا العكس .. أن نُرَمِّمَ بمشاركتنا الساذجة جدار الديكتاتورية الساقط .. ونعطي  من أنفاسنا المُنهَكَةِ قُبلةَ الحياة للجسد المحتضر الجاثم على صدورنا.
الاستعداد لمهزلة ٢٠٢٤ يبدأُ برفضها والحشد داخلياً وخارجياً لفضح زيفها .. الرفض قد يأتي بنتيجةٍ .. أما المشاركةُ فلن تأتي بأفضل مما نحن فيه.
هذا رأيي الشخصي مع كامل الاحترام والمحبة لكل المختلفين معي.