محمود سلطان يكتب: تفكيك المفكك: الإسلاميون والسلطة.. علاقة ملتبسة!

ذات مصر

في كتابه "شوبنهار مربيا".. يقول نيتشة : "ما يُبقيك في الأسر ليس الخوف كما تعتقد.. إنما هو فقط "الكسل"!

وظني: أن لا الخوف ولا الكسل، هما اللذان يُبقيان "الحركات الإسلامية" ـ طبعا وغيرها من الجماعات السياسية ذات الطابع العلماني الأخرى ـ  في أسر "المراوحة" عند ذات النقطة التي بدأت منها أول مرة، وإنما تراخي عضلات "التساؤل" ـ لغياب المران والتدريب عليها ـ  والتي بدونها تحافظ الآراء على يقينها المطلق. ولذا ينسب إلى الألماني "كارل ياسبرس" قوله: "الأهم في الفلسفة ليست الأجوبة، وإنما الأسئلة."، ولعل ذلك ما يجعل كل القوى الأيديولوجية، تستبطن "عسكرة" علاقات السلطة، دون وعي منها بداخلها: تَلَقي الأوامر ـ بحسب تراتبية الهياكل التنظمية ـ من أعلى إلى أسفل، والتسليم بـ"حكمتها"!!، ويعتبر اختبار "صلاحيتها" بطرح الأسئلة بشأنها "خيانة" تستوجب العقوبات الخشنة.

 في السياق: لم تجر أية جماعة سياسية في العالم العربي، مراجعات جادة ورصينة، إلا "الجماعة الإسلامية" في مصر.

لا اليسار الشيوعي والناصري.. ولا اليمين الإسلامي والليبرالي والعلماني، أقدم على مثل هذا المراجعات، رغم أن الكل ارتكب أخطاء كبيرة وجسيمة أو على الأقل قدم حزمة من التصورات التي ترتب عليها تراث بالغ السوء سواء في العلاقة مع السلطة أو مع المجتمع..أو في العلاقات البينية، أي بين تلك التيارات بوصفها "شركاء وطن".. وتمثل الطيف الوطني، وقاطرة حراكه السياسي.

الجماعة الإسلامية، كانت ـ وحدها ـ التي تحلت بـ"الشجاعة".. صحيح أن المراجعة اقتصرت على عدم جدوى "الكفاح المسلح" لتغيير الأنظمة، إلا أنها ـ أي المراجعات ـ كانت في صلب الأزمة ذاتها.. حيث أثمرت الانخراط في المجتمع السياسي السلمي، وتأسيس أحزاب شرعية "قانونية" وفي النهاية التأسيس لفكرة التعايش مع السلطة القائمة، والاكتفاء بالأدوات المدنية للتغير أو المشاركة في صنع القرار.

ولئن كانت كل التيارات الإسلامية والعلمانية على تنوعها واتساعها، تحتاج إلى الاعتراف بحتمية مثل تلك المراجعات.. إلا أن الإسلاميين بوصفهم الكتلة الأكبر والأثقل وزنا والأكثر تأثيرا، في تحديد شكل العلاقة بين المجتمع والسلطة.. فإنهم يعتبرون كـ"جماعات" الأكثر حاجة إلى مراجعات شاملة وشجاعة، من حاجة تيارات "الهامش" الأخرى المخالفة لها.

المواجهة مع "الذات الإسلامية" ومن داخلها، بالغة الأهمية الآن، أكثر من أي وقت مضى، لأن حجم الخسائر التي لحقت بالإسلاميين، عقب وصولهم إلى السلطة في بعض دول "الربيع العربي".. هي ـ في واقع الحال ـ خسائر جسيمة وغير مسبوقة، وربما ستعطل "مشروعهم" ـ الذي أعتقد أنه يحتاج إلى توضيح للرأي للعام بفحواه ومعناه الحقيقي ـ لعدة عقود قادمة.

أعرف أن الأنظمة العربية التي ظهرت عقب فترة التحرر الوطني في الخمسينيات والستينيات، تأسست على القمع والترويع الأمني.. إلا أن علاقة تلك الأنظمة التي تعاقبت على تلك الدول، بالإسلاميين على وجه التحديد، يحتاج إلى إجابة على سؤال "المراجعات".. وهو ما إذا كان بطش السلطة بالتيار الإسلامي، يرجع في جزء منه، إلى موقف من الإسلام ذاته كـ"مشروع سياسي".. أم من "تطرف" حقيقي موجود أيا كان حجمه.. ومن غلو في التفسير والتأويل ومن سياسات ومواقف ووعي غض وغير مؤهل للحكم ويعتبر "عبئا" على تأسيس دولة تقوم على "حقوق المواطنة" وليس على "حقوق الطائفة" وحسب؟!

ويبدو لي أن الاعتقاد السائد حاليا بشكل لا يمكن إنكاره، بين قطاع كبير من التيار الإسلامي، بأن الدولة على "خطأ " مطلق.. وأن الإسلاميين على "صواب" مطلق.. يبدو لي بأنه اعتقاد يحرم الإسلاميين من بركة المراجعات والتفكير والاعتراف بالخطأ الذي يعتبر مقدمة للإصلاح والتنوير وتصويب الخطوة التالية.

علاقة الإسلاميين بالدولة وبالسلطة.. تحتاج فعلا إلى "مراجعة/أسئلة".. وإلى تفكيك كل "الأساطير" المؤسسة لمنطق "العصمة" للجماعات المناضلة من أجل "المشروع الإسلامي".. لأنها في النهاية "جماعات بشرية" تصيب وتخطئ.. وليست "ربانية" كما يعتقد أبناؤها أو معصومة من الخطأ ومعفية من المراجعة والتوبة والعودة إلى الحق.