الكاتب السوداني عبدالجليل سليمان يكتب: حرب «البرهان - حميدتي» قد تفضي إلى تقسيم جديد للبلاد

ذات مصر

حين تشرع في كتابة مقال عن الحرب الدائرة الآن في الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فإنّه ينبغي عليك اصطحاب قصة (وصف معركة) الشهيرة لفرانز كافكا، فلربما ستكون زاداً جيّداً لفهم سياقات الحرب الراهنة. 

"لا بُدّ مما ليس مِنه بُدْ"، فالحرب التي نشبت 15 أبريل الجاري، كانت لا مناص واقعة في وقت ما، لأنه لا يُمكن أن يكون لبلدٍ ما جيشان بقيادة منفصلة وميزانية منفصلة وعلاقات خارجية منفصلة. هذا وضع مثالي لنشوب الحرب. 

ربما لم ُيفكِّر الرئيس المخلوع عمر البشير وجماعته من الإخوان المسلمين، عندما قرروا إطلاق مليشيا قبلية لتحارب المتمردين في دارفور وقتها –  نيابة عن الجيش، في مآلات ذلك مستقبلاً، أو ربما فكروا وخططوا ذلك وكانوا يريدون لهذه المليشيا أن تتمدد وتتوسع وتنمو لتُضاهى الجيش وتوازيه، وإلا لما شرّع برلمان حكومة البشير قانون الدعم السريع عام 2017.

(1)

في فترة ما بعد البشير، لم يتمكن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان – الحاكم الفعلي للسودان – من إدارة البلاد، فهو من جانب يخشى المكونات المدنية (الأحزاب السياسية) ولا يريدها في المشهد السياسي، وقد انقلب عليها مرتان ، عقب فض اعتصام القيادة في يونيو 2019، عندما  أعلن بصفته رئيس المجلس العسكري الانتقالي، وقف التفاوض مع قوى الحرية والتغيير، التي كانت تقود حراك الشارع، وإلغاء كل الاتفاقات السابقة معها، والدعوة  إلى انتخابات خلال 9 أشهر، وأخرى عندما انقلب عليها صراحة في 25 أكتوبر 2021 ، وكان في كل ذلك يقف بجانبه نائبه و قائد قوات الدعم السريع سنداً وعضداً، في مواجهة التحول المدني الديموقراطي وعملا سوياً على إجهاضه إلى تفرقت بهما السبل، ففي لحظة ما قرر قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو؛ الشهير بـ(حميدتي) أن يقول إن الانقلاب فشل في تحقيق أهدافه وأنهم اخطأوا في تقديراتهم عندما انقلبوا على المسار الانتقالي وقطعوا الطريق أمام التحول المدني الديموقراطي فدعم مشروع الدستور الذي أعدته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين لتأسيس حكم مدني جديد- والذي انبثق عنه الاتفاق الإطاري ومشروع الاتفاق السياسي، وكانت هذه هي القشة التي قصمت ظهر العلاقة بين الرجلين. 

(2) 

بطبيعة الحال، وقع قائد الجيش على كل هذه الاتفاقات – لكنه كان دائماً متحفظاً ومتوجساً – وبدا في كثير من الأحيان كأنه غير راضٍ عن تلك الخطوات التي ستنتهي بإزاحته عن المشهد وإعادته إلى (ثكنات الجيش).

وبناءً على ذلك، توترت العلاقة بين الجيش والدعم والسريع، فشرع قادة الجيش (المكون العسكري بمجلس السيادة) وعلى رأسهم الفريق شمس الدين كباشي والفريق ياسر العطا، في تنظيم حملات إعلامية ضد قوات السريع وقائدها، وطالبوها بالاندماج الفوري في القوات المسلحة وأنه لا يمكن لبلد محترم أن يقبل بجيشين – كلمات حق يراد بها باطل – فقد كان المكون العسكري بقيادة الفريق البرهان، والفريق إبراهيم جابر والفريق شمس الدين كباشي والفريق ياسر عطا، يرددون دائماً بأن الدعم السريع جزء من القوات المسلحة وتأتمر بأمرها وقائدها رجل وطني نزيه وغيور.

رويداً اشتد التوتر بين الجانبين، خاصة بعد توقيعهما على الاتفاق الإطاري، حيث اختلفا على الفترة الزمنية لدمج قوات الدعم السريع في الجيش، فاقترح البرهان سنتين، فيما اقترح حميدتي عشر، وهكذا استمرت الخلافات تتفاقم إلى أن تحركت وحدات من الدعم السريع إلى مدينة مروي شمال السودان، وحاصرت قاعدة عسكرية يعتقد أنها مخصصة للطيران الحربي، فحدث ما حدث واشتعلت الحرب في الخرطوم وشمالها (مروي) وفي مدن أخرى – حرب واسعة النطاق، حرب مدن وشوارع، معركة كسر العظم بين قادة الجيش مدعومين من فلول النظام السابق وقائد الدعم السريع وشقيقه ونائبه الفريق عبد الرحيم دقلو. 

 (3)

هذه الحرب، بغض النظر عن من هو الذي أشعلها، لكنها لن تتوقف قريباً كما يظن البعض، فالحروب لا تتوقف بعد يوم أو اثنين من اشعالها، فالذي يحدث في السودان ليس انقلاباً عسكرياً كما يروج البعض، وإنما هي حرب بمعنى الكلمة، حرب ربما اتخذت طابعاً قبلياً وجهوياً وهذا هو الأرجح في كل الأحوال، انتصرت هذا الفريق أم خسر ذاك.

فقوات الدعم السريع جلها من (عرب دافور) أي قبائل الرزيقات والمسيرية والمحاميد وخلافهما من القبائل الصحراوية المقاتلة ذات الامتدادات إلى تشاد، ليبيا، النيجر، ومالي.

وفي هذا السياق، كان محمود موسى مادِّبو، ناظر- أي زعيم -  قبيلة الرزيقات التي ينتمي إليها قائد قوات الدعم السريع، صرّح في يناير العام الماضي إن حميدتي خط أحمر لا تقبل قبيلته المساس به. 

لذلك، لربما يعتبر حميدتي أن قادة الجيش الذين ينتمي معظمهم إلى شمال السودان، خانوه وغدروا به بعد أن استخدموه في حمايتهم والقتال نيابة عنهم، ولربما لا يفوت علينا وصفه للبرهان، خلال مداخلة من إحدى الفضائيات بالمجرم والكذاب وأنه لن يقبل بأقل من القبض عليه ومحاكمته أو قتله في ميدان المعركة. 

هذه المرارة التي يشعر بها قائد الدعم السريع، هي ذات المرارة التي تشعر بها ما تعرف بالقبائل العربية في دافور، وهي ذات المرارة التي تشعر بها المكونات الأفريقية في دافور إزاء منسوبي شمال السودان وإزاء القبائل العربية التي تشاطرهم الإقليم وإزاء حميدتي نفسه، الذي يتهمونه بشن الحرب عليهم وحرق قراهم وتهجيرهم وارتكاب الكثير من الفظائع وجرائم الحرب بحقهم نيابة عن حكومة عمر البشير والجيش السوداني.

إذاً، فإن معركة الخرطوم هذه لن تنته خلال يومين أو ثلاثة – كما يتصور الجانبين، إنها معركة طويلة – هكذا تقول كل الشواهد والأدلة، ولربما هي معركة انفصال إقليم دارفور عن السودان، وإن حدث ذلك فإن أقاليم كثيرة ستحذو حذوه ولن يكون هناك سودان على خارطة العالم المستقبلية.