صبرة القاسمي يكتب: «السلفية».. طريقٌ إلى الإرهاب

ذات مصر

لسنا في صدد الحديث عن تاريخ السلفية وظهور المصطلح.. إذ هو مبحثٌ جد طويل يتخاجل عنه مقال قصير.. ويمكن القول إن السلفية ميزوا أنفسهم بأمور منها مثالًا لا حصرًا: الأول خاص بمصادرهم، إذ يعتبر السلفية مصادر استقاء الحكم الشرعي، كالتالي: الكتاب – بفهم الصحابة رضوان الله عليهم - والثاني صحيح السنة، والثالث العهد النبوي وإن تضمن ذلك في الحديث الصحيح والسير بما شملا من أحداث تاريخية، والرابع فترة الخلفاء الراشدين، والخامس القرون الثلاثة الأولى بداية من العهد النبوي، وتجاهل ما سوى ذلك من اجتهاد المسلمين في أربعة عشر قرنًا تغير فيها الكثير عن العهود «النبوي – الخلافة الراشدة – القرون الثلاثة الأولى»، باستثناء بعض الأئمة الذين اعتقد السلفيون أنهم وافقوهم كليًا في ذلك مثل الإمام أحمد بن حنبل، الذي تشابهوا في موقفه من صحيح الحديث وضعيفه، وتجاهلوا مذهبه، وشيخ الإسلامي تقي الدين أحمد بن تيمية، الذين أخذوا منه ما وافقهم في منهجهم وتجاهلوا اعتباره اجتهاد المسلمين وعلى رأسهم أصحاب المذاهب الفقهية، والإمام محمد بن عبدالوهاب، الذي كان جهده سببًا في إنشاء المملكة السعودية الأولى، وجعلوا من  تجربتهم نبراسًا، امتددت ظلال ذلك النبراس إلى جماعات ارتضت لأنفسها نفس ذلك المنهج، وأعلنوا حركيًا مخالفتهم للشعوب وحكامها وخرجوا عليهم – نقصد هنا التطور الطبيعي للسلفية التي أعلنت عن نفسها في السلفية الجهادية وما نتج عنها من جماعات إرهابية مثل الجهاد وجماعة شكري مصطفى، والجماعة الإسلامية ثم تنظيم قاعدة الجهاد، وأخيرًا تنظيم الدولة الإسلامية داعش-.
وتقريرًا للقول يميز السلفية أنفسهم عن عامة المسلمين أصحاب المدارس الفقهية، بأنهم أصحاب مدرسة الحديث، تأكيدًا لتجاهلهم اجتهاد المسلمين وما جد عليهم من من تطورات تاريخية، وإنصافًا للحق، فإن أصحاب المذاهب الفقهية اعتمدوا في مصادرهم على المصادر التي اعتمدها السلفيون لأنفسهم، واجتهدوا فيما ليس فيه نص.
ويضع السلفيون أنفسهم في المواجهة ضد المتكلمة، لا سيما في مسألة أسماء الله وصفاته، وهو الأمر نفسه الذي فعله أصحاب المدارس الفقهية السائدة بين المسلمين، ولا ننسى قول الإمام مالك في مسألة الاستواء، وفعل الإمام أحمد بن حنبل في فتنة خلق القرآن.
والسلفية حديثًا ظهروا في دول عربية بعيدًا عن شعوبها واعتباراتهم الفقهية، باستثناء دولة واحدة، تأسست بسبب منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب في نجد.
إذًا السلفية جماعة تميزت أو خاصمت الدول التي نشأت بها وشعوبها، سواء عبر مخالفة التيار الديني الشعبي السائد – كالأزهر في مصر والجامعات والمدارس الدينية ودور الإفتاء في الدول العربية الأخرى – وكذلك في المظهر الذي استدعته من العهد النبوي الأول، كما أن السلفية تعتمد أساسًا على فكرة التبديع، التي غالوا فيها حتى أصبح الولاء لشيوخهم قبل المنهج نفسه في أكثرهم إلا من رحم الله.
وقفزًا إلى السلفية  الجهادية، التي وجدت فعلًا قبل أن توجد قولًا، ومن أشكال وفروعٌ أشهرها خرج من رحم جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، الأول في عام 1940م في جماعة أسسها أعضاء في مكتب إرشاد «الإخوان» منهم محمد على المغلاوي، ومحمود أبو زيد، وكان ضمنهم الأذيع صيتًا بعد ذلك شيخ السويس حافظ سلامة رحمه الله.
والرافد الثاني الذي امتخضت عنه جماعة «الإخوان»، «جماعة المسلمين»، أو ما عُرف باسم «التكفير والهجرة»؛ أو جماعة شكري مصطفى. وأهم أعمالها اغتيال الشيخ محمد حسين الذهبي رحمه الله.
والرافد الثالث، رافض صالح سرية، الذي سعى لعمل انقلاب على الحكم في مصر، تحت رعاية جماعة «الإخوان»، وما عرف بـ«تنظيم الفنية العسكرية».
ونذكر جماعة سلفية انبثقت من «الإخوان» وتحديدا فكر سيد قطب، وكان لها وجود تنظيمي في شمال سيناء سبق ومهد لوجود جماعة «أنصار بيت المقدس» التي تحولت لتنظيم «داعش سيناء»، وهي جماعة «دعوة أهل السنة والجماعة» التي تأثرت برافدين، رافد قطبي عن طريق عبد المجيد الشاذلي ومحمد قطب، شقيق سيد قطب، ورافد السلفية الحركية في القاهرة، أو ما عُرف بالسلفية القطبية.
وفقًا لذلك فإن هناك تيارين من السلفية وفي وسط كل تيار تيارات يبدع بعضها بعضًا: السلفية، والسلفية الجهادية، إلا أن الحقيقة تقول إنهما ليسا تيارين بل تيارًا واحدًا.
التطور الطبيعي السلفي وفقًا لأدبيات منهجه أن يصبح سلفيًا جهاديًا حركيًا، التي تعني قولًا واحدًا: الانضمام للجماعات الجهادية بأنواعها، لا سيما «القاعدة» و«داعش».
مقولات مثل «الخلافة - دولة الإسلام - تطبيق الشريعة - الطائفة الممتنعة - التكفير - والتكفير المتسلسل - الولاء والبراء - قتال الصائل» على سبيل المثال لا الحصر هي المقولات الرئيسية في السلفية الجهادية، وهي كذلك مقولات رئيسية لا يكون السلفي سلفي إلا بالإيمان بها.
الفارق بين السلفية التقليدية بروافدها «المدخلية - العلمية - الدعوية» وبين السلفية الجهادية فارق أقل في عرضه من شعرة معاوية.
اجتمعت كل التيارات السلفية التقليدية والسلفية الجهادية بجماعاتها الإرهابية، على الإيمان بالمقولات السابقة، والفارق البسيط هو تحديد المعين.
فالتيارات السلفية التقليدية «المدخلية - العلمية - الدعوية» لا تختلف عن إيمانها بأكثر المقولات تكفيرًا لدى الجماعات السلفية، مثل الطائفة الممتنعة وتكفير من لم يحكم بما أنزل الله «تطبيق الشريعة» والولاء والبراء وقتال الصائل، وبكل أريحية يمكن أن يضاف إليها جاهلية المجتمع التي هي أشد من جاهلية، وغيرها من مقولات.
إيمان واحد، إيمان كل التيارات السلفية، واختلاف بسيط في تطبيق المعين، فإذا نزعت تطبيق المعين، توضع كل السلفيين مع تنظيم داعش في سلة واحدة.
ويتفاوت السلفيون في تعريف المعين، بين أن يكون دولًا أو شعوبًا أو أنظمة سياسية -كالمجالس النيابية- وأجهزة تنفيذية، وأفراد ما سبق.
الأمر الذي أوجد خصومة بين السلفيين في تمازيهم وبين مجتمعاتهم، وصلت أحيانًا إلى حد الاستعلاء والمخاصمة والتحقير حتى لعلماء المسلمين وجمهورهم ما سلف وما خلف وما حضر.
والطريف أن بعض السلفيين عقائديًا ومنهم من يحيا بين ظهورنا في مصر يستخدمون حيلة من الحيل الأساسية التي يرفضونها في أشد خصومهم عقائديًا (الشيعة) وهي التقية.
فلا يظهرون ما يبطنون ويتحولون عما كانوا يؤمنون به ويتصدر كتبهم ودروسهم ومباحثهم، ولنا في مصر بعد ثورة يناير نموذج ما زال بيننا انقلب على كل مقولاته السابقة؛ لا سيما في تحريم مؤسسات الدولة السياسية والانضمام لها.
يختلط الأمر على كثير حول السلفيين، لضبابيتهم وكونهم جماعة أو جماعات ذات اتحاد و«اختلاف» فكري وليس هيكليًا، إلا أن بعض التيارات السلفية كونت منذ سبعينات القرن الماضي هيكلًا مستعارًا من الهيكل الإخواني مع تغيير بعض المسميات.
ويعتقد كل تيار فكري أنه هو الجماعة الناجية من النيف وسبعين فصيلًا إسلاميًا، بما في ذلك التيارات السلفية الأخرى.
ختامًا: لا ننسى أن الهدف الرئيس للسلفيين عمومًا إعادة الخلافة وإحياء المجتمع الإسلامي الأول في عهد النبي -صلى عليه وسلم- وبعده الخلفاء الراشدين، وتطبيق الحدود، تجاهلًا لتطورات التاريخ التي حولت المسلمين من مجتمع صغير في مدينة صغيرة (المدينة المنورة) إلى إمبراطورية شاسعة حكمت ما بين الصين وفرنسا، ثم دول ذات طابع قومي.
ذلك الهدف الذي حققه كما يحلم به كل سلفي، حققه أكبر تنظيم إرهابي شهده العالم، وهو تنظيم «داعش» في إعادة الخلافة وإحياء مجتمع المدينة الصغير وتطبيق الحدود، تجاهلًا لتطورات التاريخ وتناسقًا مع فكر شكري مصطفى.
ويمكن التعميم بأن كل داعشي وكل قاعدي -نسبة لتنظيم «القاعدة»- وكل سلفي جهادي وكل جهادي هو سلفي.
بينما كل سلفي هو داعشي محتمل وقاعدي محتمل وجهادي محتمل وسلفي جهادي محتمل، وجهادي محتمل، ولا ننسى إصدارًا لأيمن الظواهري في العشر الأولى من القرن الحالي قبيل أحداث 25 يناير، الذي يقوله فيه عن فصيل سلفي مصري ملء الأسماع والأبصار: «إخواننا على ثغر الإسكندرية ليس بيننا وبينهم إلا أن ينضموا إلينا».