دعاة مصريون بالعباءة المغربية.. رغبة في الانتشار أم تجنبًا للملاحقات؟

ذات مصر

كان الزي الأزهري لسنوات طوال في مصر هو الملمح الرئيسي للدعاة والعلماء المصريين، وكان هذا الزي محل فخر لمن يرتديه، وتأكيدًا على المكانة الرفيعة له. وقد استمر هذا الأمر لعقود طويلة، إن لم يكن قرونًا، ولكن هذا الزي لم يعد المفضل لقطاع كبير من العلماء والدعاة منذ ما يقرب من 4 عقود على الأقل؛ حيث زاحمه لفترة الزي الخليجي المكون من الغترة والشماخ في موجة الصعود الوهابي.

موجة الصعود الوهابي تزامنت مع حرص الدعاة والعلماء على ارتداء هذا الزي، خصوصا من قبل مَن سعوا عبر ارتداء هذا الزي إلى تحقيق عدد من الأهداف، منها ضمان استمرار العمل لفترة أطول في بلدان الخليج وتحقيق مكاسب مالية، كانت تقدمها المملكة العربية السعودية للعلماء الذين يروجون للمذهب الوهابي وفقه ابن حنبل وابن تيمية لسنوات. 

وخلال هيمنة الزي الوهابي قفز إلى المشهد الديني والدعوي في المنطقة ما يمكن أن نطلق عليه الزي الباكستاني؛ حيث شهدت فترة الثمانينات من القرن الماضي ذيوعًا لهذا الزي؛ خصوصا في مساجد «أهل السنة والجماعة»، و«الجمعية الشرعية»، ومساجد «التبليغ والدعوة» على وقع الغزو السوفيتي لأفغانستان ونجاح المجاهدين الأفغان في الوصول لكابول عام 1989، ولكن هذا الانتشار ما لبث أن تراجع مع استمرار ارتداء قطاع واسع من الدعاة للزي الخليجي. 

هيمنة الزي الخليجي المكون من الغترة والشماغ تعرضت لاختبار شديد الصعوبة مع تغيير نهج الحكم السعودي، وتبني ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان نهجًا مخالفًا للمذهب الوهابي، وتراجع الدعم الذي كانت تقدمه الرياض للدعاة السلفيين، بل وتعرض التيار السلفي لحملات أمنية في كثير من البلدان، وإدراج عدد من الدعاة والعلماء السلفيين في قوائم الإرهاب.

السلفيون الجدد والعباءة المغربية  

هذه الإجراءات التي طالت الدعاة في كثير من بلدان المنطقة دعت قطاعا واسعا منهم إلى اللجوء إلى العباءة المغربية التي شهدت انتشارًا في أوساط أئمة المساجد، سواء الرسمية في مصر أو الدعاة المحسوبين على التيار السلفي، أو ما يمكن أن نطلق عليه «الدعاة الجدد».

إقبال الدعاة المحسوبين على التيار السلفي على ارتداء العباءة المغربية عكسته كذلك تدوينة على شبكة التواصل الاجتماعي للدكتور محمد جلال القصاص، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، تساءل خلالها: “لماذا اتجه شيوخ السلفية الجدد لارتداء الجلابية المغربية وليس الغترة والشماغ؟”.
واستمر القصاص في طرح تساؤلاته: “لماذا لا يرتدون ما يرتديه الناس في مجتمعهم، كما يفعل السعوديون وكما يفعل المغاربة، وكما يفعل الدعاة في كل بلد؟ ليه عندنا بالذات بيحاولوا يخالفوا؟".

العباءة المغربية والرغبة في الانتشار

للإجابة على التساؤلات التي طرحتها  تدوينة الدكتور القصاص وتفسير أسباب إقبال الدعاة السلفيين منهم والجدد علي ارتداء العباءة المغربية طرحنا الأمر على عدد من الدعاة وعلماء الأزهر والخبراء في العمل الدعوي، حيث أرجعوا الأمر إلى عديد من الأسباب، منها تأمين مكاسب مالية عبر الاندماج مع هوية هذه البلدان عبر ارتداء الزي الخليجي وتأمين مكاسب أو توسيع رقعة الانتشار تارة أخرى، وما يجلبه هذا من فوائد أو رغبة في تجنب ملاحقات أمنية في ظل ما عاني منه المحسوبون على التيار السلفي في مصر ودول الخليج من ضربات  خلال السنوات الأخيرة.

الدكتور حسن خطاب أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة المنوفية، أرجع الإقبال من الدعاة الجدد والسلفيين منهم تحديدا على ارتداء العباءة المغربية إلى عديد من الأسباب، منها افتقاد الدعاة المصريين بمختلف ألوان طيفهم لهوية الزي، فطبقا للتطورات السياسية تراهم تارة يقبلون على ارتداء الزي الخليجي، وعلى الباكستاني تارة أخرى، وصولا إلى العباءة المغربية.

وأرجع الدكتور خطاب الأمر لأسباب مختلفة، منها الرغبة في الحصول على حظوة الدول التي يرتدون زيها باعتبارهم بوقًا للمذهب الديني الذي تعتنقه تلك الدول، بشكل يؤمن لهم انتشارا ومكاسب مالية يحرص عليها الدعاة الجدد بشكل كبير، فضلا عن رغبة الدعاة المقيمين في هذه البلدان في إطالة فترة عملهم المربح بها.

الدعاء السلفيون والملاحقات الأمنية 

الخوف من الملاحقات الأمنية من العوامل كذلك التي حدت بالدعاء السلفيين والجدد بحسب الدكتور خطاب لارتداء هذا الزي المغربي، فكلنا يدرك ما يعانيه المحسوبون على التيارين السلفي والإخواني من متاعب أمنية في مصر ودول الخليج في السنوات الأخيرة، فربما يكون اللجوء إلى هذا الزي رغبة في تجنب هذه المتاعب والعمل بأمان وحرية نسبية.

ولم يستبعد الدكتور خطاب أن تكون الرغبة في توسيع رقعة المتابعين والانتشار عاملا من عوامل الرغبة في ارتداء العباءة المغربية. فكلنا يعلم بالرقعة الكبيرة التي يشكلها أنصار المذهب المالكي وهو من أكبر المذاهب سعة وانفتاحا في هذه المنطقة بشكل يوسع من شهرة من يرتدي هذه العباءة، ويجلب عليه منافع عديدة، فضلا عن تأمين رضا المجتمع الدولي الذي يشدد على ضرورة تمتع الدعاة بالانفتاح وقبول الآخر وهو ما يوفره هذا المذهب.

العباءة المغربية وعلم المقاصد الشرعية

الدكتور محمد محمد إمام أستاذ المقاصد الشرعية بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، يطرح أسبابا أخرى للإقبال على ارتداء العباءة المغاربية من قبل الدعاء السلفيين والجدد، منها الظهور بمظهر علماء المقاصد الشرعية المنتشرين في المغرب العربي، بشكل يسهم في الارتقاء بأسمائهم في مجال الدعوة، وجلب متابعين من أنصار المذهب المالكي المنتشر في المغرب العربي علي صفحات الدعاة على شبكات التواصل الاجتماعي التي غدت قناة الانتشار الأولى للدعاة.

ونبه إمام إلى أن ظاهرة الإقبال على ارتداء الزي المغربي "العباءة " لم تعد مقصورة على الدعاء السلفيين والجدد فقط؛ بل انتقلت إلى قطاع من الأساتذة بجامعة الأزهر ودعاة معروفين في وزارة الأوقاف وفي مساجدها الكبرى، مرجحًا أن يكون الحرص على المظهر أو ما يطلق عليه "النيولوك" من أسباب الإقبال على ارتداء العباءة المغربية نظرا لجودتها وأناقتها وإمكانية وقوفها وراء الانتشار في صفوف الشباب.

واعتبر الأستاذ بجامعة الأزهر أن عدم وجود زي معين للدعاة المصريين لا يشكل انتقاصا في حقهم، وذلك لأن مصر ومنذ إنشائها كانت دولة حضرية، ولم تسيطر عليها القبلية يوما، ولكنه في المقابل يشدد على ضرورة الالتزام بالزي الأزهري للدعاة كنوع من الهوية الوطنية للداعية المصري المطلوب المحافظة عليها.