مرصد الأزهر: هكذا توظف التنظيمات المتطرفة الحرب النفسية لفرض سطوتها وتعزيز حضورها

ذات مصر

أكد تقرير حديث لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف توسع التنظيمات الإرهابية  في توظيف نظريات، وقوانينِ علم النفس المختلفة في ممارسة أنشطتها الإرهابية؛ وفي مقدمتها الحرب النفسية  للوصول الي تحقيق غاياتها وتنفيذ أجندتها.
وقال التقرير الذي أعدته وحدة البحوث والدراسات إن المتتبع لحركة التنظيمات المتطرفة وإستراتيجياتها في التجنيد والاستقطاب وتحقيق الانتشار الذي تسعى إليه، يجدها تلجأ إلى استخدام وسائل إجرامية مُتعدِّدة، ولا يتوقف نشاطها على وسيلة واحدة، لذلك نجد أنها تعمل على توظيف نظريات، وقوانينِ علم النفس المختلفة في ممارسة أنشطتها الإرهابية.

استراتيجية الجماعات لتحقيق أهدافها

وتهدف هذه الجماعات من وراء توظيف هذه النظريات وصولًا إلى الهدف الأساسي وهو الإخلال بالتوازن النفسي للأفراد من خلال إثارة مستويات عالية من الخوف والقلق، وبالتالي خضوع هؤلاء الأفراد إلى حالة من الإحباط، وسيطرة الضغوط النفسية التي تؤدي إلى تقديم سلوكيات تخدم عمل هذه التنظيمات تحت تأثير حالة الرعب، والهلع التي تحدثها تلك التنظيمات في نفوس المستهدفين بخطابها.

ونبه التقرير إلي أن  الحرب النفسية تعد إحدى أهمِّ الوسائل التي يستخدمها الإرهاب في فرض سطوته وتعزيز حضورِه، ورغم وجود مصطلحات كثيرة للإشارة إلى الظاهرة نفسها، فإنها لم تكن تَتَّسِم بالدقة الكافية للإشارة إلى المعاني التي يشير إليها مصطلح، أو مفهوم "الحرب النفسية"، ومن تلك المصطلحات مصطلحا: "حرب الأفكار"، و"الحرب من أجل كسب عقول الناس".

وتُعرَّف الحرب النفسية  وفقا للتقرير بأنها: "استخدام جميع الوسائل المشروعة وغير المشروعة، وتوظيفها لإضعاف موقف الآخَر وقدراته، بقصد التأثير على الرُّوح المعنوية وعلى السلوك العام للآخَر، ثم اختراقه، وفرض الإرادة عليه؛ لتحقيق أهداف معيَّنة مخطَّطٍ لها.

وتتلخص أهداف الحرب النفسية فيما يلي: بثُّ الشعور باليأس، والرغبة في الاستسلام، والإحباط في نفوس الأفراد، وذلك عن طريق المبالغة في وصف قوَّة الطرف الآخَر، والتهويل من الانتصارات التي يحقِّقها، حتى يشعرَ الأفراد أنهم أمامَ قوةٍ لا يُمكن أن تُقهر. 
وتسعي التنظيمات من وراء توظيف الحرب النفسية إلي زعزعة إيمان الآخَر بمبادئه، وأهدافِه، وذلك عن طريق إثبات استحالة تحقيق هذه المبادئ، أو الأهداف، وتصويرها  على غير حقيقتها، والتهويل من حجم  الأخطاء.  

ومن ضمن هذه الأهداف وفقا للتقرير إضعاف الجبهة الداخلية للآخَر، وتعمُّد إحداث ثَغَراتٍ داخلَها، وذلك عن طريق إظهار عَجْز النُّظُم الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية عن تحقيق آمال الشعوب، وممارسة الضغط الاقتصادي على الحكومات المستهدفة، وزعزعة ثقة المجتمعات في قيادتها السياسية، وقدرة قواتها المسلحة على مواجهة عدوِّهما المشترك.

التقرير أشار كذلك لامتلاك  التنظيمات الإرهابية ترسانة اتصالية، وأخرى إعلامية تستخدمهما في التسويق لأنشطتها، والدعاية لعملياتها، وتحركاتها بين الحين والآخَر، فضلًا عن استخدامهما في بث معلومات، وإصدار بيانات تمارس مِن خلالها الحرب النفسية من خلال وسائل متعددة

وفي مقدمة هذه الوسائل التي تستخدمها التنظيمات الإرهابية  الشائعات؛ حيث تُعَدُّ واحدةً من أهم أساليب الحرب النفسية التي تمارسها التنظيمات الإرهابية، والتي تستخدمها للتأثير على الاتجاهات، والرأي العام.

ولا يختلف الأمر فيما يتعلق بتوظيف الإعلام الرقمي في نشر أفكاره المشوهة من خلال الضخ الفكري لرسائل متنوعة، ومكرَّرة المضمون، للترويج للأفكار المسمومة لهذه التنظيمات، أو الترويج لأنشطة التنظيمات، وإثارة الذعر في نفوس المواطنين. 
كما تتوسع التنظيمات الإرهابية  طبقا لتقرير المرصد في استخدام إستراتيجية غسيل الدماغ في التجنيد وفي إقناع أعضائها بأفكارها الإجرامية، وممارساتها الوحشية، بما في ذلك إقناع عناصرها بتفجير أنفسهم، وذلك عبر عمليات استقطاب، وقوى -أخرى- ناعمة تقوم على تشكيك الفرد بمعتقداته، وآرائه، وأفكاره، وانتماءاته، سواءٌ أكانت دينية، أمْ مذهبية، أمْ قومية، وزرع أفكار تلك التنظيمات دون نقاش، أو حتى مجرد التفكير فيها بشكل نقدي.


وقدم المرصد عددا من التوصيات للحماية من الحرب النفسية التي تمارسها تلك التنظيمات الإرهابية في الاستقطاب، والانتشار على حد سواء، في مقدمتها ضرورة العمل على غرس قيم الانتماء في نفوس الشباب، وإكسابهم مهارات التفكير النقدي والتحليلي، وإكسابهم أيضًا الاتجاهات، والأنماط السلوكية المحمودة، التي يمكن عن طريقها مكافحة الفكر المتطرف، وحملات التشكيك، والتشويش الفكري، التي تستهدف زعزعة الثوابت، وبثَّ الإحباط في نفوس الشباب.  

وتتضمن التوصيات كذلك الحاجة إلى وضع إستراتيجية إعلامية، لتحصين المجتمع من ممارسات التنظيمات الإرهابية على المستوى النفسي، وضرورة قيام المؤسسات الحكومية، والمدنية بضمان حق العيش للإنسان، وتحقيق العدالة، وتوظيف وسائل الإعلام للدفاع عن قضايا المجتمع

وشدد التقرير كذلك علي  ضرورة قيام المؤسسات الإعلامية الرسمية، والشعبية بخطة توعية بالجوانب الدينية ضمن إطار تنويري يُفوِّت الفرص على التنظيمات الإرهابية من ممارسة أساليب الاستمالة لصالحها.

ودعا التقرير لضرورة فتح قنوات للحوار بين المفكِّرين، والشباب لمناقشة الاختلافات الفِكرية، مع ترسيخ ثقافة الحوار لتفويت الفرصة على التنظيمات الإرهابية لنشر أفكارها المشوَّهة، أو العثور على أية ثغرة تتسلل من خلالها لنشر فكرها، وتشويش عقول الشباب. 
ونبه كذلك الاهتمام بالدراسات، والتجارب المتعلقة بالتطبيقات المختلفة لعلم النفس للاستفادة منها في تحصين المجتمع، وحمايته من الحروب النفسية التي تُمارس ضده. إدراك أن الحرب النفسية الفكرية التي تَشُنُّها التنظيمات المتطرفة تتطلب معاملة خاصة تتضمن سد السُبُل كافة أمامَ تسلُّل الأفكار السلبية والآراء السلبية بشأن المجتمع، والتي من شأنها إحداثُ فتنة بين الشباب ومجتمعِهم، وزعزعة انتمائهم لِهُوِيَّتِهم الدينية، والوطنية