الشيخ محمد رفعت يموت مجددًا.. رفض أزهري «مستتر» وتأييد صوفي لهدم مقبرته

ذات مصر

حلت اليوم الذكرى الـ73 على وفاة وميلاد أحد أعظم قراء مصر عبر تاريخها «قيثارة السماء»، الشيخ محمد رفعت، لكنها لم تأت هذه المرة للاحتفاء بصحاب الصوت العذب، بل بإعلان موته مجددًا مع الكشف عن نية الدولة لهدم مقبرته بمنطقة السيدة نفيسة، رضي الله عنها.

أسرة الشيخ رفعت، تسلمت خطابا من إدارة الجبانات بمحافظة القاهرة، بشأن إزالات المقابر التي تجرى لصالح المنفعة العامة في جميع مناطق الجبانات الداخلة في الإزالة ضمن محور صلاح سالم والتي تشمل عدة مناطق الجبانات (السيدة نفيسة القديمة ـ السيدة نفيسة الجديدة ـ الإمام الشافعي ـ الطحاوية ـ سيدي جلال ـ باب الوزير ـ المجاورين ـ سيدي عمر).

الخطاب المرسل من محافظة القاهرة لم يراع «قيمة الشيخ» صاحب أول صوت ينطلق من الإذاعة، مرتلا قوله تعالى «إنا فتحنا لك فتحا مبينا»، ولم يلحظ المرسل أنه يهدم شيئًا تحسد مصر على أنه كان من أبنائه، ورمزًا من رموزها.

الدولة تتخلى عن رمزها

وعلقت هناء محمد، حفيدة القارئ الراحل، على تلقيهم خطاب لإزالة مقبرة جدها، الداخلة في قرار الإزالة، ضمن محور صلاح سالم، مشيرةً إلى أنها تفاجأت من هذا الخطاب، ودخلت في حالة من الانهيار.

وأوضحت هناء محمد، في تصريحات تلفزيونية، أن المحافظة في الخطاب يطالبونهم بنقل الرفات على حساب العائلة الشخصي، مشددة على أنه وبعد وصول الخطاب تحركت سريعًا لإنقاذ الموقف، مؤكدة أن مقبرة الشيخ رفعت يزورها الكثير من أماكن حول العالم.

وناشدت حفيدة الشيخ محمد رفعت، الرئيس عبد الفتاح السيسي، باكية: «أبويا ووالدتي مدفونين بالمكان ده.. يا رب يستجيب ويوقفوا قرار الإزالة»، مشددة على أن الشيخ واحد من الرموز المصرية، ولا يمكن أن يتعامل معه بهذا الشكل.

موت «قيثارة السماء»

عجيب شأن الشيخ محمد رفعت، فكل مظهر من مظاهر الضعف عنده ينقلب بقوة قاهرة إلى مظهر من مظاهر القوة والعنفوان.. ذهب نور بصره صغيرا، فلما اشتد عوده قارئا كاد الناس أن يلمسوا بصيرته في صوته، فتلك تلاوة من رأى رأي العين لا من سمع فآمن عن غيب.. لم يكن صاحب مساحة صوتية واسعة، لكن المعاني كانت تتسع وهي تنساب من بين شفتيه.

رفعت لم يكن أقوى صوت بين القراء، ولا قدرة لديه على إسماع سرادق يغص بالناس، لكن المبكرين إلى مسجد فاضل باشا قبل صلاة الجمعة بساعات كانوا يشعرون أن عتبة المسجد هي الحد الفاصل بين متاع الدنيا وجنة الخلد التي تجري من تحتها الأنهار.. تفوق عليه زملاؤه من أصحاب الأصوات القوية، فلما ظهر الميكروفون انقلب ضعفه قوة، واحتل صوته مكانة قرب النجوم.

توفي رفعت وليس بصوته لدى الإذاعة سوى تسجيلين، فصارت تسجيلاته التي تظهر تباعا تمثل جزءا غاليا من وجدان هذه الأمة.. حتى "الخشخشة" في تسجيلاته، أضفت على تلاواته سحرا وغموضا، وأسهمت في تعميق أسطورته في الذاكرة. 

 يشعر من يستمع إلى الشيخ رفعت بقشعريرة تسري في أوصاله، ليشعر محبوه لاحقًا بنفس القشعريرة ولكنها معصورة بألم شديد غير الذي اعتادوا عليها لسماع صوته سواء في السابعة صباحًا عبر إذاعة القرآن الكريم.

مزار لكل عشاق القرآن الكريم 

الشيخ محمد صالح حشاد، نقيب قراء القرآن الكريم، شدد على رفضه هدم مقبرة رفعت، مطالبًا الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتدخل لوقف هذا القرار وإعادة الأمر للدراسة لإتمام محور صلاح سالم لكن شريطة تجنب هدم مقبرته باعتباره أثرا من آثار مصر العظيمة ورمزا من رموز قوة مصر الناعمة التي يجب الحفاظ عليها بكل السبل.

تساءل حشاد في تصريحات لـ «ذات مصر»: "كيف تهدم مؤسسات الدول بهد مقبرة شيخ يعتز به جميع المصريين وفي مقدمتهم الرئيس السيسي الذي أشار كثيرا إلى أنه تربي صغيرا علي صوت الشيخ رفعت، مؤكدًا ضرورة التراجع بشكل فوري.

وأضاف أن الشيخ رفعت من أهم رموز دول القرآن الكريم في مصر وبل وأعظم من قراء القرآن بما منحه الله منصوت جميل ونادر بشكل يستوجب من الدولة تكريمه وليس هدم مقبرته التي غدت خلال السنوات الماضية مزارا لكل عشاق القرآن الكريم من دول العالم قاطبة بل من أهم أسباب ريادة مصر في تلاوة وقراءة القرآن الكريم.

نقل الرفات 

ونوه الدكتور عبد الباسط هيكل الأستاذ بجامعة الأزهر، أن قبر الشيخ رفعت يمثل ثروة لمصر ينبغي المحافظة والاعتناء بها، متابعًا: «إذا كنا لا ندرك قيمة وتاريخ محمد رفعت فهذا أمر مؤسف لاسيما أن اسمه يحظى بتقدير رفيع في معظم دول العالم بشكل يدعو للبحث عن حل لهذه الأزمة».

وطالب في تصريحات لـ«ذات مصر»، ببناء مقابر تليق باسم الدكتور رفعت ونقل رفاته ورفات الرموز التاريخية المدفونة في هذه المقابر إليها بدلا من محور تاريخنا باعتباره شاهدا على أزهى عصور التلاوة القرآنية.

الأمة العظيمة تدمر آثارها

من جانبه رفض الدكتور حمد الله الصفتي الأستاذ بجامعة الأزهر  هدم قبر القارئ العظيم، لأجل توسعة الطريق أو إنشاء مرفق، مشيرا إلى أن مثل هذه الأنباء تصيبه بالغثيان، كلما فكر  في أن أمة عظيمة مثل مصر هي من تمحو آثارها وآثار عظمائها بيديها.

وتابع: "كم تذكرت حسرتي وأنا أقرأ تعليقات الأثريين حول إزالة قبر العلامة ابن خلدون لأجل توسعة الطريق ورصفه، أو إزالة مقبرة سعيد السعداء، وغيرهما، متسائلًا: "هل  من عاقل ينظر لهذه المآثر ولو بعين الثروة والاستثمار، لا بعين الاحترام والإجلال والتعظيم؟".

أبو العزايم يبرر

أما الشيخ علاء أبو العزايم، شيخ مشايخ الطريقة العزمية، أكد أمكانية قبول الأمر لو حقق مصلحة عامة تخدم مصالح الدولة العليا خصوصا أنه سوابق تاريخية حيث تم نقل رفات عدد من أولياء الله الصالحين ودفنهم بجانب المرسي أبو العباس بالإسكندرية مثلًا  تحقيقا لمصلحة عامة 

وشدد أبو العزايم على  ضرورة أن يكون الاقتراب من مقابر الرموز الدينية استثناء وليس قاعدة عامة حيث يفضل تجنب هدمها باعتبارها آثارا مصرية شامخة ورمزا من رموز مصر كما هو الحال فيما يخص الشيخ رفعت وحتي لا يكون ذلك مبررا لهدم  الكثير من مساجد أولياء الله الصالحين.

«الأوقاف» ترفض التعليق

من ناحية أخري رفض الدكتور عبد الله حسن المتحدث الرسمي باسم وزارة الأوقاف التعليق علي هدم قبر الشيخ محمد رفعت قائلا: قيمة هذه المقبرة التاريخية وكونها مزارا سياحيا تحدده وزارة السياحة والآثار وحين تحسم الوزارة هذا الأمر ستعلق عليه وزارة الأوقاف باعتبار رفعت زعيما لدولة التلاوة وقيثارة السماء.