سفير عُمان في دمشق وساطة مرتقبة أم تصدع خليجي؟

  طرحَ تسلُّم وزير الخارجية السوري وليد المعلم الأحد 4 أكتوبر/تشرين الأول 2020 لأوراق اعتماد السفير العُماني، تركي محمود البوسعيدي، العديد من الأسئلة عن مستقبل الدبلوماسية العُمانية في مرحلة ما بعد السلطان قابوس. فالسفير العماني هو أول سفير لدولة خليجية في دمشق، منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011 ، وتعليق دول مجلس التعاون الخليجي العمل الرسمي بسفاراتها في سوريا. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] وزير الخارجية السوري يتسلم أوراق اعتماد السفير العُماني[/caption] وفق موقع وزارة الخارجية السورية فإن المعلم تسلم أوراق اعتماد البوسعيدي سفيرًا مفوضًا وفوق العادة للسلطنة في دمشق، ليستأنفا النقاش حول العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون بين بلديهما بمخلتف المجالات. ويذهب المُحللون في عُمان إلى أن السلطنة حافظت على علاقاتها مع سوريا خلال السنوات الماضية من خلال عمل سفيرها في الأردن لدواعٍ أمنية فحسب، في حين رأى آخرون أن الخطوة تعكس حالة الانقسام بين دول الخليج وغياب اتخاذ قرارات موحدة .

استراتيجية عُمان

على مدار عقود مالت الدبلوماسية العمانية في تعزيز سياستها الخارجية على الساحتين الإقليمية والدولية، منذ تولي السلطان قابوس الحكم عام 1970، إلى الاستقلالية والبراجماتية والاعتدال. وقد حددت القيادة العمانية منذ ذلك الحين الأدوات الدبلوماسية للبلاد مع مراعاة المحددات الداخلية والخارجية. فلعبت السلطنة دورًا مهمًّا في حل النزاعات في الشرق الأوسط وحول العالم، من خلال تسهيل المحادثات، والتوسط في المفاوضات بين الأطراف المتنازعة، وإبراز أركان سياستها الخارجية التي أصبحت تحظى بإعجاب واحترام المجتمع الدولي. هكذا جرت السياسة العمانية منذ السبعينات عندما رفضت سحب سفيرها من القاهرة، على خلفية اتفاقية السلام التي وقعتها الأخيرة مع إسرائيل، في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، واعتُبِر هذا النهج التوافقي هو ما تطمح إليه السلطنة للحفاظ عليه وتطويره في سياستها الخارجية المستقبلية.

تفاهم أم تعميق للصدع الخليجي؟

وتأتي الخطوة العُمانية بعد خطوات مماثلة اتخذتها دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، تهدف جميعها إلى تحدي النفوذ الإيراني والتركي في سوريا. وكانت دولتان خليجيتان قد افتتحتا سفارتيهما في سوريا عام 2018، وهما الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين لكن دون تعيين سفير، واقتصر التمثيل في سفارة أبوظبي على قائم بالأعمال، وكذلك الحال بالنسبة إلى سفارة المنامة. فبعد شهرين من مشاهدة وزير الخارجية البحريني، خالد آل خليفة، على الهواء مباشرة أمام الكاميرا في  نيويورك يحتضن بحرارة نظيره السوري، بادرت الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2018 بإعادة فتح سفارتها في دمشق. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] وزير الخارجية السوري ونظيره البحريني[/caption] الموقف العماني يعكس، من وجهة نظر البعض، تحولاً في الموقف الخليجي إزاء القضية السورية، ما يرجح إقدام دول خليجية أخرى -ربما بوساطة عُمانية- على خطوة إعادة فتح سفاراتها في سوريا. أستاذ العلوم السياسية السعودي عبد الله العساف، صرح لموقع إندبندنت عربية بأن: "السلطنة تبذل جهودًا كبيرة مع جميع الأطراف المنغمسة في النزاع السوري، ولعل هذا هو السبب الرئيس الذي دفع مسقط لافتتاح سفارتها وتعيين السفير في دمشق، وهي إحدى الدول العربية التي وقَّع وزراء خارجيتها على تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، وتبقى عُمان جزءًا من مجلس التعاون الخليجي، وتتحرك ضمن إطاره، وجزءًا من المنظومة التي تسعى للصلح بين كل الأطراف، سواء أفِي اليمن أم في سوريا". [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] عبد الله العساف[/caption] كما صرح داني مكي Danny Mekki الزميل المشارك في معهد الشرق الأوسط بأن "سلطنة عمان هي وسيط قوي لا يتجزأ في المنطقة". وأضاف متحدثًا إلى جلف نيوز Gulf News: "من المحتمل أن يمهد هذا التقارب الطريق لمزيد من الدول العربية للانخراط مع دمشق مع تحول أنظمة التحالف في الشرق الأوسط لمواجهة التهديدات الجديدة".

من إسقاط الأسد إلى احتوائه

في البداية، حزمت دول مجلس التعاون الخليجي أمرها وقررت دعم التغيير والعمل على إسقاط النظام في سوريا، وهو قرار بعيد عن الميراث السياسي لدول مجلس التعاون، التي ظلت متمسكة بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. لكن تضافرت العديد من المستجدات التي كانت كفيلة بتغيير المواقف مرة أخرى، من الإصرار على إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا إلى احتوائه، وهي على النحو التالي:
  • أدى تدخل إيران في الأزمة ودفاعها عن نظام الأسد، إلى زيادة خطر الأزمة السورية وتداعياتها على الاستقرار في دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك عبر تحول الصراع في سوريا إلى صراع مذهبي، من خلال الدعم الإيراني لبعض التنظيمات المسلحة للدفاع عن نظام بشار، وهذا يزيد خطر التهديدات التي يمكن أن تواجهها دول الخليج عبر إثارة الأقليات المذهبية بها.
  • دخول أقطاب دولية (روسيا – الصين) في الأزمة السورية ودعمها للنظام السوري من أجل بقائه، أثر نسبيًّا في علاقات مجلس التعاون الخليجي مع بعض القوى الدولية الداعمة للأسد.
  • هناك قلق خليجي متنامٍ من تحويل تركيا لشمال سوريا إلى حاضنة لتفريخ المتمردين والمرتزقة، لتنفيذ مخططات أنقرة التوسعية، وآخرها إرسال الآلاف من المقاتلين إلى منطقة القوقاز لدعم أذربيجان في قتالها ضد أرمينيا، وقبلها إلى ليبيا، كما أشار بعض التقارير. وبالتالي قد تصبح التهدئة مع الأسد عاملاً مهمًّا لكبح جماح المجموعات المتطرفة القادمة من سوريا.
  • صعود  تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق (داعش) أضاف تصورات عن عدم استقرار المنطقة وانعدام الأمن فيها. ومع اجتذاب الحرب الأهلية السورية مشاركة أجنبية أوسع، أصبحت دول الخليج حذرة أكثر بشأن احتمال تنامي خطر المجموعات العابرة للحدود، ومن ثَم ظهر توجه جديد لدى هذه الدول، ينطوي على نية أقل إصرارًا لإبعاد الأسد عن السلطة، والعمل على مواجهة داعش، وردع المجموعات العابرة للحدود، فأعلنت الإمارات العربية المتحدة على لسان وزير الخارجية أنور قرقاش أن "الإمارات لا تريد خلق فراغ سياسي أو تفكيك المؤسسات السورية".
  • القلق من تعدد مستويات الصراع، ما بين صراع مسلح بين النظام والمعارضة، وصراع طائفي بعد تدخل المجموعات الشيعية من الدول المجاورة في الصراع، وصراع محاور إقليمية ودولية، وصراع ضد الإرهاب على الأرض السورية.
ومع انحسار مداخل الحل السياسي للأزمة، بات التحرك الخليجي في المجال السوري محسوبًا ودقيقًا؛ يخدم بالدرجة الأولى أولوية الأمن القومي الخليجي.

دول الخليج وقانون قيصر الأمريكي

من جانب آخر، تزامن تغير توجهات دول مجلس التعاون الخليجي تجاه الأزمة السورية، مع توسع الإجراءات التقييدية التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية على حكومة بشار الأسد. وجاء ذلك مع توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على "قانون قيصر" في 3 يونيو/حزيران 2020. وتهدف عقوبات كهذه إلى "إجبار حكومة بشار الأسد على إنهاء هجماتها المميتة ضد الشعب السوري، ودعم الانتقال في سوريا إلى حكومة تحترم سيادة القانون وحقوق الإنسان والتعايش السلمي مع جيرانها". ولكن يظهر أن هذه الإجراءات ضد الحكومة السورية لن تؤدي إلى الأهداف الأمريكية المعلنة. بل على العكس من ذلك، فإن مثل هذه الإجراءات لا تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع في البلاد، وتؤثر سلبًا على الوضع الإنساني. ويبدو أن الولايات المتحدة راضية عن "تجميد" الموقف الحالي للحفاظ على مصالحها. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] جيمس جيفري ممثل أمريكا للتعامل مع سوريا[/caption] ومع ازدياد التوجه الخليجي إلى إعادة العلاقات الدبوماسية مع نظام الأسد، حذر السفير جيمس إف جيفري James F. Jeffrey، الممثل الخاص للولايات المتحدة بشأن التعامل مع سوريا، في 24 أغسطس/آب 2020، من أن أي شخص في دول الخليج أو أي دولة أخرى يشارك في أنشطة اقتصادية مع سوريا سيصبح "هدفًا محتملاً للعقوبات". كما حثت وزارة الخارجية الأمريكية، يوم الاثنين 5 أكتوبر/تشرين الأول 2020، جميع الدول على عدم إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، أو رفع مستوى هذه العلاقات، أو التعاون الاقتصادي معها، بحسب ما أفادت قناة "الحرة". وجاءت هذه الدعوة ردًّا على استفسار للقناة عن موقف الوزارة من تسليم السفير العُماني في سوريا أوراق اعتماده إلى وزير الخارجية السوري. لهذا أربكت العقوبات الأمريكية حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، ولتبقى الخطوة التي قامت بها سلطنة عمان مؤخرًا لغزًا ستكشف عنه الأحداث والأيام المقبلة. [toggle title="المصادر :" state="close"] [1] سي إن إن، “سفير سلطنة عُمان يسلم أوراق اعتماده لوزير الخارجية السوري”، 4 أكتوبر/تشرين الأول 2020، على الرابط التالي:- https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2020/10/04/oman-amb-syria-fm [2] Timesunion, “Oman reinstates ambassador to Syria after years-long hiatus”, Oct. 5, 2020, in site: https://www.timesunion.com/news/article/Oman-reinstates-ambassador-to-Syria-after-15621362.php [3] )Albasoos. H, Maashani. M.; “Oman’s diplomacy strategy: Maneuvering tools to face regional challenges”, International Journal Of Research In Business And Social Science, VOL 9 NO 2, March 2020, p. 152. https://www.researchgate.net/publication/340169413_Oman’s_Diplomacy_Strategy [4] Gulfnews, “Oman’s reinstatement of envoy in Syria sign of evolving GCC position”, October 06, 2020, in site: https://gulfnews.com/world/mena/omans-reinstatement-of-envoy-in-syria-sign-of-evolving-gcc-position-1.74379088 [5]ندبندنت عربية، “عُمان تعيد سفيرها إلى دمشق بعد انقطاع منذ 2012″،  أكتوبر/تشرين الأول 2020، على الرابط التالي: https://www.independentarabia.com/node/157826/ [6] )Gulfnews, “Oman’s reinstatement of envoy in Syria sign of evolving GCC position”, October 06, 2020, in site: https://gulfnews.com/world/mena/omans-reinstatement-of-envoy-in-syria-sign-of-evolving-gcc-position-1.74379088 [7] الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والإستراتيجية، “تأثير الأزمة السورية في مجلس التعاون الخليجي”، على الرابط: https://www.politics-dz.com/ [8]عيسى السيد دسوقي، “على هامش حرب كاراباخ: الروس والأتراك.. اتفاق التحاور والتناحر”، ذات مصر، 3 أكتوبر/تشرين الأول 2020، على الرابط التالي: https://zatmasr.com/ [9] Emily Santucci.; “The Caesar Act might alter the UAE’s normalization policy with Syria”, Atlantic Council, AUG 24, 2020, In Site: The Caesar Act might alter the UAE’s normalization policy with Syria [10] Ruslan Mamedov.; “ How American “Caesar Act” Will Affect the Situation in Syria and Moscow’s Policy”, Institute for Security Policy (ISP), 4. August 2020, In Site: https://www.institutfuersicherheit.at/how-us-american-caesar-act-will-affect-the-situation-in-syria-and-moscows-policy/ [11] Emily Santucci.; “The Caesar Act might alter the UAE’s normalization policy with Syria”, Atlantic Council, AUG 24, 2020, In Site: https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/the-caesar-act-might-alter-the-uaes-normalization-policy-with-syria/  [12]لبنان 24، “بعد عودة السفير العماني إلى سوريا.. واشنطن تدعو لتجنب إعادة العلاقات مع الأسد”، 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020، على الرابط التالي: https://www.lebanon24.com/news/world-news/753059/ [/toggle]