في أفغانستان.. ترامب "يوزع" وطالبان تصوّب على الحكومة

  فاجأت تغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2020 كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية.. التغريدة تدعو إلى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وعودة القوات بحلول عيد الميلاد. هذا التوجه لدى ترامب يعرِّض مفاوضات السلام الأفغانية للخطر في حين تستقبله حركة طالبان بحَماس شديد، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول الوضع الأمني في أفغانستان، ودوافع الرئيس الأمريكي الذاتية من تنفيذ الانسحاب، وإمكانية تنفيذه بهذه السرعة على أرض الواقع، وتأثير ذلك في مباحثات السلام في أفغانستان.

We should have the small remaining number of our BRAVE Men and Women serving in Afghanistan home by Christmas!

— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) October 7, 2020

طالبان باقية وتتمدد

ردًّا على أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، شنت الولايات المتحدة حربها على أفغانستان للقضاء على نظام طالبان، وكانت الأهداف الأولى مواقع عسكرية تابعة لجماعة طالبان ومنظمة القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، المتهم بتدبير الهجوم. بعد مرور 18 عامًا على الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على أفغانستان للقضاء على نظام طالبان، يصعب القول بأن المهمة قد تم الوفاء بها، فلم يتم القضاء على الحركة على نحو مؤكد، بل نما نفوذها ونشطت مرة أخرى، وباتت الولايات المتحدة تكافح وحلفاؤها لوقف انهيار حكومة كابول، وإنهاء الهجمات المميتة التي تشنها طالبان. ويعتبر عام 2014 أكثر الأعوام دموية في أفغانستان منذ 2001، إذ أنهت القوات الدولية، التابعة لحلف شمال الأطلسي، مهمتها القتالية، بعدما أصبحت تخشى البقاء في أفغانستان إلى أجل غير مسمى، وتركت للجيش الأفغاني، مدعومًا بالقوات الأمريكية، مهمة محاربة طالبان، التي أعطيت بهذا مزيدًا من الزخم، حيث استولت على أراضٍ وفجرت قنابل ضد أهداف حكومية ومدنية، ولم يكد يجيء عام 2018 حتى كانت حركة طالبان تسيطر علنًا على أكثر من 70% من أفغانستان([i]). [caption id="" align="aligncenter" width="970"] جنود أمريكيون في أفغانستان – المصدر: سي إن إن[/caption]

كم كانت الحرب مكلفة؟

قدم معهد واتسون بجامعة براون في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 إحصاء عن التكلفة البشرية لحروب ما بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001، ذكر فيها أن عدد الجنود الأفغان الذين قتلوا خلال هذه الفترة يصل إلى 58 ألف جندي، وقتل قرابة 3937 من أفراد قوات التحالف الدولي منذ 2001، (أكثر من 2400 منهم أمريكيون)، كما قتل أكثر من 38 ألف مدني، بالإضافة إلى 42 ألف مقاتل من المعارضة ([i]). ويقول المعهد نفسه، وفقًا لمشروع تكاليف أعدته لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، إن حكومة الولايات المتحدة أنفقت أكثر من 5.9 تريليون دولار على الحروب في العراق وسوريا وأفغانستان وباكستان وأماكن أخرى حول العالم منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول([ii]).

كيف تمكنت طالبان من البقاء بهذه القوة؟

تمكنت طالبان من البقاء بهذه القوة نتيجة تضافر عدة عوامل، منها:
  • افتقار الولايات المتحدة إلى الوضوح السياسي منذ بدء الغزو، وهناك تساؤلات عن فاعلية الإستراتيجية الأمريكية على مدى السنوات الـ19 الماضية.
  • الدعم المالي والعسكري الروسي لطالبان، بالإضافة إلى الدور الذي لعبته باكستان المجاورة لأفغانستان، حيث ذاب أعضاء الحركة بين بني جلدتهم من الباشتون في باكستان.
  • اعتماد الحركة على شبكة تمويل متنوعة المصادر، كما يشير مسؤولون غربيون، منها: الاعتماد على زراعة وإنتاج الهيروين والذي يدر عليها عائدات تقدر بـ1.5 مليار دولار سنويًّا، وفرض الضرائب على الشركات مثل شركات الاتصالات والكهرباء والمعادن، وفرض ضرائب على الأشخاص الذين يسافرون عبر أراضيها، بالإضافة إلى قيمة الغنائم من الأسلحة والعربات والخزائن التي كانت تستولي عليها في كل معركة تخوضها([i]).
لقد وصف ترامب الاشتباكات القتالية الأمريكية في الخارج بأنها "حروب خارجية سخيفة وغبية ولا نهاية لها"، لذلك فتغريدته الأخيرة، كما ترى كاتي بو ويليامز Katie Bo Williams، كبيرة مراسلي الأمن القومي، ما هي إلا محاولة للوفاء بوعد حملته الانتخابية بإنهاء ما يسمى بالحروب "الأبدية"، وإجبار الحلفاء على تحمل عبء حماية أمنهم، وهو أمر يحظى بشعبية كبيرة([ii]). [caption id="" align="aligncenter" width="400"] كبيرة مراسلي الأمن القومي، كاتي بو ويليامز[/caption] ويُظهر استطلاع عام أمريكي أجرته مؤسسة مجموعة يوراسيا، مقرها نيويورك، أن ثلثي مؤيدي الرئيس ترامب يدعمون بقوة، أو إلى حد ما، صفقته مع حركة طالبان لإخراج الولايات المتحدة من الحرب التي استمرت 19 عامًا في أفغانستان، كما أن ما يقرب من 60% من مؤيدي المرشح الرئاسي الديمقراطي، جو بايدن Joe Biden، يفضلون أيضًا الاتفاقية، وإن كان بايدن يدعم خطة الانسحاب التدريجي، ويربط -ككبار الدبلوماسيين والمسؤولين العسكريين- الانسحاب الكامل بطبيعة الظروف على أرض الواقع([i]). لذلك بات تدافع المسؤولين للتعليق أو إظهار حالة اللا مبالاة من تصريحات ترامب على تويتر، عادةً ديناميكيةً مألوفة الآن. فهذه التغريدة هي الأحدث في سلسلة طويلة من التغريدات والتصريحات السياسية التي أطلقها ترامب وفاجأت مستشاريه وقادة جيشه. فعلى مدى 4 سنوات مضت، أصدر ترامب تصريحات غير متوقعة في السياسة الخارجية تتعلق بمواضيع حساسة للأمن القومي الأمريكي، بما في ذلك الموقف الأمريكي تجاه حلف الناتو والوجود العسكري في ألمانيا وسوريا والعراق وأخيرًا في أفغانستان، وبات لديه سجل في إصدار أوامر مفاجئة بسحب أو إعادة انتشار لقوات الانتشار السريع. وفي معظم الحالات، سعى البنتاغون لتخفيف وإبطاء سرعة الانسحاب، لكن في بعض الحالات، نجح الرئيس في إعادة الجنود إلى الوطن، لهذا أحال البنتاجون جميع طلبات التعليق على خطط الانسحاب من أفغانستان إلى البيت الأبيض([ii]). ووفقًا لما نقلته كارلا بابّ Carla Babb، مراسلة محطة "صوت أمريكا" VOA في البنتاجون، فإن تغريدة الرئيس تُسرّع على نحو كبير الخطط التي أصدرها مستشاره للأمن القومي، روبرت أوبراين Robert O'Brien، في وقت سابق، إذ ذكر خلال مؤتمر صحفي في 21 سبتمبر/أيلول 2020، أن الولايات المتحدة "تعتزم خفض مستويات قواتها في أفغانستان من 5000 إلى 2500 بحلول أوائل 2021". وهو ما ذكره أيضًا وزير الخارجية مايك بومبيو Mike Pompeo، حين أعرب في وقت سابق عن جدول زمني مماثل لأوبراين في منتصف سبتمبر/أيلول، قائلاً: "الجيش في طريقه إلى انسحاب كامل من أفغانستان بحلول ربيع 2021"([iii]). [caption id="" align="aligncenter" width="2560"] مستشار الأمن القومي أوبراين، وخلفه وزيرا الخارجية والدفاع بومبيو وإسبر[/caption] ويبدو أن تصريحات ترامب تتناقض مع التصريحات المتكررة لكبار الدبلوماسيين والمسؤولين العسكريين، بربط الانسحاب الكامل بطبيعة الظروف على الأرض، الأمر الذي يثير القلق لدى مسؤولي البنتاجون([i]). ومصدر القلق هنا، كما ذكر الجنرال فرانك ماكنزي Frank McKenzie، رئيس القيادة المركزية الأمريكية، في مقابلة مع شبكة إن بي سي نيوز NBC في منتصف سبتمبر/أيلول أن "ما نريده من طالبان هو التأكيد على أنهم لن يسمحوا لتنظيم القاعدة بالتمركز هناك مرة أخرى، وهذا لم يثبت حتى الآن"([ii]). كما صرح لوكالة "أسوشييتيد برس" Associated Press، ردًّا على تصريحات ترامب، قائلاً: "الانسحاب يجب أن يتم بمسؤولية، والتحرك بوتيرة أسرع سيجعل من الصعب إخراج المعدات العسكرية الأمريكية الخطيرة والحساسة من أفغانستان.. لن نترك أي شيء وراءنا قد تستخدمه جهة ما ضدنا في وقت آخر ومكان آخر.. إنه في الواقع جهد لوجيستي ضخم وهو مستمر الآن"([iii]). واستطرد: "إنهم لم يُبلَّغوا بأي موعد نهائي من هذا القبيل، وسيكون من المستحيل سحب جميع القوات الأمريكية، وعددها 5000 جندي في أفغانستان، وتفكيك المقرات العسكرية الأمريكية هناك بحلول نهاية العام. وأشار إلى أن البنتاجون لن يتصرف بناءً على الأمر قبل الانتخابات الأمريكية في 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل([iv]). [caption id="" align="aligncenter" width="2048"] فرانك ماكنزي رئيس القيادة المركزية الأمريكية[/caption]

مستقبل مفاوضات السلام الأفغانية

جاءت تغريدة ترامب في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة الأفغانية ومفاوضو طالبان حاليًّا التوصل إلى تسوية سياسية جديدة في العاصمة القطرية (الدوحة)، ما أثار قلق مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية، الذين يخشون أن يؤدي تحديد موعد نهائي لانسحاب القوات إلى تقويض المفاوضات الدائرة الآن بين جانبي التفاوض. [caption id="" align="aligncenter" width="1242"] مفاوضو طالبان في الجلسة الافتتاحية للمحادثات مع الحكومة الأفغانية بالدوحة[/caption] وقد عبر عن هذا القلق أيضًا مسؤول أفغاني مشارك في المحادثات الجارية في الدوحة، قائلاً: "التغريدة تجعل مهمة جمهورية أفغانستان بالتأكيد أكثر صعوبة"، وتابع: "من المرجح أن يجعل مفاوضي طالبان أكثر غطرسة، وأقل رغبة في التنازل عن القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات المدنية"([i]). من جهتها، رحبت طالبان، على لسان متحدثها الرسمي ذبيح الله مجاهد، بتصريحات ترامب ووصفتها بأنها "خطوة إيجابية نحو تنفيذ اتفاق الدوحة"، في إشارة إلى اتفاق الانسحاب الأمريكي المُوقع في وقت سابق من هذا العام بين طالبان وإدارة ترامب([ii]). [caption id="" align="aligncenter" width="825"] ذبيح الله مجاهد - المتحدث باسم حركة طالبان[/caption] ليس من المستغرب أن ترحب طالبان بإعلان ترامب، بحسب ما تعتقد أشلي جاكسون Ashley Jackson، مديرة مركز دراسة الجماعات المسلحة، التي قالت: "من المؤكد أن الجماعة ستدعي أنه انتصار، بعد عقود من وصف معركتها بأنها حرب ضد عدوان خارجي، لقد أمضوا 19 عامًا يقاتلون من أجل هذا. ومع تلاشي ورقة الضغط العسكري الأمريكي، لن يكون لدى الولايات المتحدة أي ورقة ضغط لإجبار طالبان على الاستمرار في المفاوضات مع ممثلي حكومة كابول"([i]). الأمر الذي يؤثر سلبًا في مستقبل السلام في أفغانستان. [caption id="" align="aligncenter" width="745"] أشلي جاكسون[/caption]   [toggle title="المراجع والمصادر :" state="close"] ([1]) BBC.; “Why is there a war in Afghanistan? The short, medium and long story”, 29 February 2020, In Site: https://www.bbc.com/news/world-asia-49192495 ([1]) Neta C. Crawford.; “Human Cost of the Post-9/11 Wars: Lethality and the Need for Transparency”, The Watson Institute for International and Public Affairs, Brown University, November 2018, In Site: https://watson.brown.edu/costsofwar/files/cow/imce/papers/2018/Human%20Costs%2C%20Nov%208%202018%20CoW.pdf ([1])The Watson Institute for International and Public Affairs.; “$5.9 Trillion Spent and Obligated on Post-9/11 Wars”, , Brown University, November 16, 2018, In Site: https://watson.brown.edu/research/2018/59-trillion-spent-and-obligated-post-911-wars ([1]) Dawood Azami.; “Afghanistan: How does the Taliban make money?”, BBC, 22 December 2018 , In Site: https://www.bbc.com/news/world-46554097 ([1]) Katie Bo Williams.; “All US Troops In Afghanistan To Withdraw By Christmas, Trump Tweets”, Defense One, October 7, 2020, In Site: https://www.defenseone.com/policy/2020/10/all-us-troops-afghanistan-withdraw-christmas-trump-tweets/169105/ ([1]) Ayaz Gul.; “Majority of Americans Support Trump’s Deal With Taliban to End Afghan War”, Voa News, September 14, 2020, In Site: https://www.voanews.com/usa/majority-americans-support-trumps-deal-taliban-end-afghan-war ([1]) Lolita C. Baldor and Kathy Gannon.; “Military blindsided by Trump’s new Afghan troop withdrawal”, Associated Press, Oct. 8, 2020, In Site: https://apnews.com/article/donald-trump-troop-withdrawals-taliban-archive-afghanistan-01ac38c793ca71a2ec099c226e50e7c8 ([1]) Carla Babb.; “Pentagon Silent on Trump Tweet Calling for Full Afghan Exit by December 25”, voa news, October 08, 2020, In Site: https://www.voanews.com/usa/pentagon-silent-trump-tweet-calling-full-afghan-exit-december-25 ([1]) Missy Ryan, Karen DeYoung and Susannah George.; “ After Trump promises a swift troop exit from Afghanistan, confusion grows about U.S. stance”, Washingtonpost, Oct. 8, 2020, In Site: https://www.washingtonpost.com/national-security/trump-promises-a-small-remaining-number-of-us-force-in-afghanistan-by-december/2020/10/07/7ec36f0e-0909-11eb-991c-be6ead8c4018_story.html ([1]) Courtney Kube and Ken Dilanian.; “U.S. commander: Intel still hasn’t established Russia paid Taliban ‘bounties’ to kill U.S. troops”, NBC news, Sept. 14, 2020, In Site: https://www.nbcnews.com/politics/national-security/u-s-commander-intel-still-hasn-t-established-russia-paid-n1240020 ([1]) Lolita C. Baldor and Kathy Gannon.; Op.cit. ([1]) Theguardian.; “Trump’s Afghanistan withdrawal announcement takes US officials by surprise”, Thu 8 Oct 2020, In Site: https://www.theguardian.com/us-news/2020/oct/08/donald-trump-afghanistan-us-troops-taliban ([1]) Missy Ryan, Karen DeYoung and Susannah George.; Op.cit. ([1]) Lolita C. Baldor and Kathy Gannon.; Op.cit. ([1]) Theguardian.; Op.cit. [/toggle]