السعر العادل للجنيه والحصة المالكة.. أسباب عزوف الصناديق الخليجية عن برنامج الطروحات المصرية

ذات مصر

رغم طرح الحكومة المصرية نحو 32 شركة تملكها للبيع أمام مستثمرين استرايجيين أو للاكتتاب العام في البورصة ضمن برنامج الطروحات الحكومية، الذي تستهدف الحكومة أن يحقق 40 مليار دولار، وبحد أدنى ملياري دولار حتى منتصف العام الجاري، لتأمين عملية سداد الديون الخارجية، وإتاحة السيولة الدولارية بالبنوك، لكن حتى الآن لا تزال تسير هذه العملية ببطء شديد، وسط عزوف خليجي عن الشراء وضخ الاستثمارات المتوقعة. 

ويعتبر خفض ملكية الدولة في المشاريع وتعزيز دور القطاع الخاص شرط من صندوق النقد الدولي لمنح قرض إلى الحكومة، في الوقت الذي خفض الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد المصري خلال العامين الجاري والمقبل بنسبة 0.3%، ليبلغ في السنة المالية الحالية 3.7%، و5 بالمئة في السنة المالية المقبلة.

ومنذ الإعلان عن برنامج الطروحات الحكومية، وعدد الشركات التي تعتزم مصر بيع حصص فيها، لم تظهر صناديق الاستثمار في عدد من الدول الخليجية الحليفة رغبة واضحة في دعم الاقتصاد المصري، والشراهة ذاتها للاستحواذ على شركات في قطاعات حيوية، في ظل المطالبات الواضحة بإحداث إصلاحات هيكلية في بنية الاقتصاد المصري، من بينها إعادة تقييم الجنيه المصري، وعدم الرضا عن الحصصص المطروحة للبيع.

 مؤخرا، أتمت وزارة المالية المصرية، عبر شركة الأهلى فاروس لترويج وتغطية الاكتتاب، صفقة طرح الشركة المصرية للاتصالات، التي تعد ثاني عملية ناجحة في برنامج الطروحات الحكومية للشركات المملوكة للدولة هذا العام.

حيث أعلنت الأهلي فاروس عن إتمام صفقة طرح عدد 162.2 مليون سهم من أسهم شركة المصرية للاتصالات بالبورصة المصرية بقيمة 3.7 مليار جنيه.

وقامت شكة الأهلى فاروس بدور المستشار المالي الحصري للشركة القابضة للصناعات الكيماوية في عملية بيع شركة باكين لشركة الأصباغ الوطنية المحدودة الإماراتية بقيمة ٢٤,٩ مليون دولار.

في المقابل، فشلت مصر في إتمام صفقة استحواذ صندوق الاستثمار السعودي على المصرف المتحد، أحد المصارف المصرية الأكثر ربحية، بالجنيه المصري المخفّضة قيمته بدلًا من الدولار، وهو ما أدى إلى تجميد الصفقة. 

 الصفقة كانت ستمنح مصر نحو 600 مليون دولار، وفق ما ذكرته وكالة "بلومبرغ" الأمريكية في ديسمبر الماضي، حول القيمة المحتملة للصفقة، في وقت لا يظهر صندوق الاستثمار الإماراتي جديته للدخول في مناقصات على الشركات المطروحة.

ماذا يريد المانحون؟

التبرم الخليجي من دعم الاقتصاد المصري ليس خفيا على أحد، حتى أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أعلنها بوضوح في وقت سابق أن الأشقاء والأصدقاء أصبحت لديهم قناعة بأن الدولة المصرية غير قادرة على الوقوف مرة أخرى، وأن الدعم والمساندة عبر السنوات شكل ثقافة الاعتماد عليها لحل الأزمات والمشاكل.

ولا يوجد إحصاء دقيق لقيمة المساعدات التي تلقتها مصر من الدول الخليجية منذ عام 2013، الذي شهد الإطاحة بالإخوان المسلمين من الحكم، لكن تقارير خليجية كشفت أن القاهرة تلقت نحو 92 مليار دولار منذ 2011، بما فيها الـ10 مليار دولا التي أودعتهم قطر عبر القنوات الرسمية خلال حكم الإخوان.

في هذا السياق، ترجح مصادر اقتصادية أن المانحين الخليجيين يهدفون إلى تحويل نموذج مساعداتهم السابق إلى برنامج أكثر تنظيما يعتمد على صناديق الاستثمار التي لديها فرصة أفضل لجني نتائج وعوائد يمكن التحقّق منها.

ترجمت هذا النهج تصريحات وزير المالية السعودي محمد الجدعان، الذي أكد أن بلاده غيرت طريقتها في تقديم المنح المساعدات إلى الدول المجاورة، موضحا أنها ستكون مشروطة بحدوث إصلاحات، وهو ما تسبب لاحقا في حالة تراشق إعلامي بين البلدين.

كيف ينظر الخليج لوثيقة ملكية الدولة؟

حتى مع إتباع مصر نهجا مختلفا بإعلان وثيقة ملكية الدولة، استجابة لضغوط صندوق النقد الدولي، لضرورة تخارج الدولة من الاقتصاد، لم يتعامل الشركاء الخليجيون بشكل كبير مع سياسة ملكية الدولة باعتبارها وثيقة إطارية، على الأقل ليس علنًا، بل ركزوا بدلًا من ذلك على إعلان الحكومة عن نيتها بيع حصص تتراوح من 10 % إلى 40% من 32 شركة مملوكة للدولة.

صدمت نسبة البيع الشركاء في الخليج، لذا أعرب بعض المسؤولين الخليجيين عن خيبة أملهم بشأن العرض، لأنه لا يشمل الخصخصة الكاملة لأي من الأصول المملوكة للدولة، ناهيك عن بيع حصة أغلبية من شأنها نقل السيطرة الإدارية، كما أعربوا أيضا عن خيبة أملهم بشأن الشركات المعروضة من منظور تجاري.

اهتمامات الخليج في مصر

يتضح من خلال متابعة النشاط الاستثماري للسعودية في مصر، أن صندوق الاستثمارات العامة غير مهتم بالاستثمار في القطاعين السياحي والعقاري اللذين يعتبرهما مشبعَين، بينما يثير شهيته الأعمال المصرفية المناسبة للاستثمار الطويل الأمد، وإلى الاستحواذ على وسائل الإعلام، ما يساعد في ممارسة القوة الناعمة.

وهو ما يفسر سبب إصرار السعودية على الاستحواذ على المصرف المتحد، أحد المصارف المصرية الأكثر ربحية، بالجنيه المصري المخفّضة قيمته بدلًا من الدولار، ما أدى إلى تجميد الصفقة في النهاية.

مع تعثر الصفقات السعودية المحتملة، وعدم وضوح الموقف الإماراتي، وجهت مصر الدفة مؤخرا إلى قطر، لكن تبدو قطر مترددة بشأن ضخ مبالغ كبيرة من الأموال في مصر نظرا إلى أن حالة الثقة والتوافق السياسي بين الجانبَين لا تزال هشة.

من بين الصفقات المعلقة التي تنتظر الحسم بين صندوق مصر السيادي وجهاز قطر للاستثمار، المفاوضات الخاصة بحصول جهاز قطر على جزء من حصة الشركة المصرية للاتصالات في فودافون مصر، والبالغة نحو 45%.

وتشير مصادر اقتصادية إلى مصر تعول على بيع حصة في المصرف المتحد للسيادي القطري في ظل تراجع الصندوقين السعودي والإماراتي عن إتمام هذه الصفقة.

وكانت قطر اتفقت مع الحكومة المصرية في مارس 2022 على استثمارات وشراكات بقيمة إجمالية تصل إلى 5 مليارات دولار، كما أودعت قطر وديعة في البنك المركزي المصري لإتمام صفقات، إلا أن المفاوضات التي جرت في الشهور الأخيرة من العام الماضي لم تسفر عن أي صفقات واضحة.

مغازلة مصرية للخليج

اللافت أن مصر لازالت تعول على شركاء الخليج لإنقاذ الاقتصاد المصري والوفاء بالتزاماتها، والحصول على المساعدات المنتظرة وفقا لاتفاق صندوق النقد الدولي، إذ أصدر المجلس الأعلى للاسثتمار في اجتماعه الأول برئاسة السيسي، 22 قرارا مهما، لتحسين بيئة الاستثمار، وتشجيع المستثمرين الأجانب والعرب على ضخ الأموال في مصر.

أبزر هذه القرارات التي فهم منها أنها مغازلة للخليج تسهيل تملك الأجانب للعقارات، والتوسع في إصدار الرخصة الذهبية والنظر في عدم قصرها على الشركات التي تؤسس لإقامة مشروعات استراتيجية أو قومية، والسماح بقيد المستثمر الأجنبي بسجل المستوردين، حتى وإن لم يحمل الجنسية المصرية، لمدة 10 سنوات.

كما ضمت القرارات سرعة إنهاء تعديلات قانون تحويل الأرباح للشركات القابضة والشركات التابعة بما يضمن تخفيف الأعباء الضريبية وتجنب الازدواج الضريبي،  في إطار تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي.