أسعار اللحوم إلى أين؟.. مربو الماشية يهربون من السوق بعد ارتفاع تكلفة الإنتاج

ذات مصر

أسابيع قليلة تفصلنا عن انطلاق عيد الأضحى المبارك، أو كما يسميه المسلمون «عيد اللحمة»، نظرًا للإقبال الكبير على السلعة خصوصًا في ظل حرص الكثيرين على الالتزام بالأمر السماوي بذبح الأضحية، لكن الوضع هذا العام مختلف تمامًا بعد الارتفاع غير المسبوقة في أسعار اللحوم خلال الفترة الماضية.

«مسكنات الدولة»

أسعار اللحوم في مصر، شهدت خلال الأشهر القليلة الماضية وتحديدًا قبيل شهر رمضان ارتفاعًا جنونيًا فبعد أن كان سعرها يتراوح بين 160 إلى 200 جنيه، سجلت في بداية الشهر الكريم 250 جنيهًا تقريبًا لكنها واصلت الزيادة سواء خلال الشهر أو بعده لتصل حاليًا إلى نحو 350 جنيهًا للكيلو.

وزارتا التموين والزراعة، حرصا طوال تلك الفترة على تطمين المصريين بشأن أسعار اللحوم والدواجن، والتأكيد على استيراد كميات كبيرة منها وتوفيرها في المجمعات الاستهلاكية، ومجمعات القوات المسلحة بأسعار مناسبة لكن كل تلك الإجراءات لم يكن لها صدى حقيقي على السوق.

وزارة الزراعة تخرج كل فترة لتعلن الإفراج عن مئات الأطنان من الأعلاف بملايين الدولارات في محاولة لتقليل الأسعار، ولكن لا تصل بالفعل تلك الأعلاف إلى السوق تقريبًا، فضلًا عن ارتفاع سعرها في ظل خفض الجنيه بنسب قياسية أدى إلى وجود ارتفاع إضافي في السوق.

السودان وجيبوتي وتشاد

وجاءت الحرب السودانية بين قوات الجيش بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، وميلشيا الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، لتزيد الأزمة تعقيدًا وتربك السوق في مصر، خصوصًا مع وصول أسعار الأعلاف إلى مستويات قياسية هي الأخرى.

في أعقاب الأزمة أعلن وزير التموين، علي المصيلحي، في أكثر من مناسبة، بدء اتخاذ إجراءات والتعاقد على شراء ماشية من تشاد ثم لاحقًا من جيبوتي، بدلًا عن السودان في ظل الحرب، لكن محاولاته لم تفلح أيضًا لتواصل الأسعار ارتفاعها الجنوني.

«القصابين» تبرئ نفسها

وأخذ منحنى سعر اللحمة في الارتفاع دون توقف، وبمعدلات متسارعة، خلقت حالة من الفزع في السوق، تبعها خروج القصابين من المنظومة بنسب مخيفة كما عبر هيثم عبد الباسط نائب رئيس شعبة القصابين.

ونفى في كلامه مع «ذات مصر»، الاتهامات الموجهة للقصابين بشأن تسببهم في جنون الأسعار بسبب زيادة هامش ربحهم، قائلا: "نحن أكثر المتضررين لضعف القوة الشرائية وأصيبوا بالأمراض بسبب الخسارة وغلق محالهم".

المزارعون يهربون من تربية المواشي

يعتبر المزارعين هم أكبر مصدر للحوم البلدي في مصر، ولا يكاد يخلو بيت في الأرياف إلا وبداخله مواشي وأغنام، ولكن تغيرت الأمور مؤخرا وغادروا منظومة الإنتاج.

واعتبر المزارعون أن ارتفاع تكلفة الأعلاف المتمثلة في الذرة والردة والكثب هي السبب في الخروج من دائرة الإنتاج، حيث وصل أردب الذرة الرفيعة البيضاء إلى نحو 3.5 ألف جنيه، في حين وصل جوال الردة من المطاحن 520 جنيهًا، ذات الـ 40 كيلو جرام.

اضطررت إلى التوقف عن التربية منذ نحو 6 أشهر بعد الارتفاعات الجنونية في أسعار الأعلاف سواء المحلية أو المستوردة وبعد أن كنت امتلك نحو 7 رؤوس ماشية، أصبحت الآن لا امتلك شيئًا، هكذا وصف حسين عطية، مزارع في محافظة الغربية.

حسين يوضح أن الزيادات المتتالية في أسعار الأعلاف سواء الخاصة بالماشية أو الدواجن والطيور أصبحت لا تمكن المربي من تحقيق أي ربح بل جعلته معرضًا للخسارة، خصوصًا في ظل اتجاه الكثيرين لشراء اللحم المجمد الذي يصل ثمنه نصف ثمن البلدي.

ويبين سمير الشرقاوي، مزارع بمحافظة الشرقية، أن الوضع الحالي لا يمكن المربي من الاستفادة سواء من التربية أو منتجات الأبقار بعد أن أصبحت التكلفة تتفوق على سعر المنتج، ما دفع الكثيرين إلى الهروب من التربية.

وشدد سمير لـ«ذات مصر»، على أن الوضع الحالي سيؤدي إلى أزمة أعنف خلال الفترة المقبلة مع خروج الكثيرين من السوق، وستخسر مصر «صناعة وطنية» جديدة ستزيد معاناتها الاقتصادية وتجعلها غير قادرة على مواجهتها.

وقال أ.ج ، مزارع، إن بيع «العجول» صغيرة بات مجدي أكثر من بيعها بعد الإنفاق عليها أموال كثيرة، نظير شراء الأعلاف «ردة وذرة» لا تحققها فيما بعد.

بينما أشار حسن عيد، إلى أنه اضطر للتوقف عن تربية المواشي بسبب الغلو في تكلفة الإنتاج، بشكل غير متكافئ مع الزيادة في اللحوم، حيث إنه ينفق على تربية المواشي طيلة عامين كاملين، بينما يكون بيع الماشية لمرة واحدة فقط.

ارتفاع تكلفة الإنتاج

وعاد هيثم عبد الباسط نائب رئيس شعبة القصابين، ليؤكد أن ارتفاع تكاليف الإنتاج هو السبب الرئيسي في خروج صغار المربين من المزارعين وحتى أصحاب المزارع الصغيرة من منظومة الإنتاج، ما نتج عنه ضعف المعروض من اللحوم.

وقال إن ضعف المعروض من اللحوم البلدية أدى لارتفاع أسعار اللحوم لمستويات تفوق قدرة المواطنين حتى أولئك الذين يتقاضون مرتبات تصل لـ 10 آلاف جنيه؛ لأنه في ظل ثبات الدخل لم يزود الميزانية المخصصة للحوم وبالتالي الكمية التي يشتريها انخفضت.

وأرجع أسباب ارتفاع تكلفة الإنتاج إلى العلف وهو العامل الأساسي في تغذية المواشي، مضيفًا أن الإنتاج المصري من الذرة لا يكفي حاجة الاستهلاك.

وأشار إلى أن الأعلاف المستوردة لا تعطي نفس نتيجة نظيرتها المحلية، وتكون أقل فاعلية وترفع نسبة الهالك من الماشي إلى 50 %، في حين أن النسب المعروفة هي 40% فقط هالك بين عظام ودهون و60 % لحوم.

تثبيت الأسعار

وحذر من استمرار ارتفاع الأسعار ما لم تتخذ الدولة إجراءاتها بالتشديد على مستوردي المواشي والأعلاف بعدم رفع الأسعار بشكل غير مبرر من أجل التربح، حتى لا يتأزم الأمر مع قرب عيد الأضحى المبارك.

وأكد أنه في حال اتخاذ الدولة هذا الإجراء فإنه يؤدي إلى ثبات الأسعار عند المستويات الحالية ولكن لن تنخفض مجددًا، مشيرا إلى أن الأسعار الحالية لا تغطي سعر شراء الجزار للحوم مضاف عليها الاستهلاكات الخاصة بالمحل من مرافق وغيره.

وتطرق في حديثه، إلى انخفاض معدل استهلاك المصريين من اللحوم إلى 7 كيلو جرام سنويًا بحسب البيانات الصادة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، موضحا أن هذا الرقم غير دقيق، لأنه في حال إضافة كافة المقيمين داخل البلاد يصبح استهلاك الفرد نحو 5 كيلو جرام فقط، ما يعكس تدني القوة الشرائية.