الغرب يدرك قيمة آثارنا.. مقابر «القاهرة التاريخية» بين الهدم المصري والترميم الأمريكي

ذات مصر

لا تدرك الدولة المصرية قيمة مقتنياتها التاريخية في العديد من الجبانات الموجودة في منطقة «القاهرة التاريخية»، وضرورة الحفاظ على هذا التراث وتجميله ومنع العبث به والاهتمام بمقابر الأسماء البارزة في التاريخ المصري القديم والحديث، لكنه قررت أن تزيله كليًا من أجل إنشاء وتطوير بعض المحاور والكباري لحل مشكلة الزحام في العاصمة المصرية.

وسائل التواصل الاجتماعي انتشرت فيها خلال الفترة الماضية آلاف التدوينات التي تنتقد وترفض خطط الدولة الهادفة إلى هدم  أكثر من 5 آلاف مقبرة منها مقبرة السيدة عائشة والإمام الشافعي والشيخ محمد رفعت وغيرهم، ضمن حملة تطوير القاهرة وتوسيعها.

الدولة تهدم دون دراسة

ترتبط المقابر المُعرضة للهدم بأسماء عدد الشخصيات العامة والمشاهير، مثل شيخ الأزهر الأسبق محمد مصطفى المراغي، والشاعر والسياسي محمود سامي البارودي، وعميد الأدب العربي الأديب طه حسين، فضلا عن مقابر لعدد من الأمراء والمماليك.

يضم حي الخليفة العديد من المقابر، تعرف باسم مقابر الإمام الشافعي والليثي، سبق أن أصدرت محافظة القاهرة قرارًا بإزالة 2700 مقبرة ونقلها إلى أماكن جديدة في مدينتي 15 مايو والعاشر من رمضان، وأخطرت الأسر لنقل رفات موتاها، لاستخدام المنطقة بعد إخلائها في توسعة طريق صلاح سالم، وإنشاء جسر مروري لتسهيل الحركة المرورية، حسب تصريحات حكومية رسمية

وكانت البداية عندما تداول رواد مواقع التواصل صورا ومقاطع فيديو لأعمال هدم في منطقة «قرافة المماليك» التي تشمل مقابر تاريخية وأثارا إسلامية، معتبرين ذلك هدما للتراث واستهانة بمشاعر المصريين، لكن الغريب أن الدولة لم تدرس المنطقة جيدًا والأماكن المهمة فيها والتي تحولت إلى أثر بفعل مرور الزمن وينبغي الحفاظ عليها.

وتجرى في الوقت الحالي أعمال إزالة لعدد من مقابر السيدة نفيسة والإمام الشافعي بجوار منطقة متحف الحضارات بمصر القديمة من أجل إنشاء محور صلاح سالم، حيث أخطر أصحاب المقابر التي تقرر إزالتها لنقل رفات موتاهم إلى أماكن أخرى على نفقتهم الخاصة.

ترميم مقابر اليهود

في الوقت الذي جرت فيه هدم مقابر الإمام الشافعي والسيدة نفيسة والسيدة عائشة بدعوى التطوير والتوسيع، افتتحت السفارة الأميركية في القاهرة، في نوفمبر الماضي، بالشراكة مع مركز الأبحاث الأمريكي بمصر (ARCE) وممثلين عن منظمات يهودية أمريكية ومصرية مقابر «ليشع ومنشه» في منطقة البساتين التي جرى ترميمها حديثا في القاهرة.

وقالت السفارة الأميركية في بيان إن المقبرة الجزء الوحيد المتبقي من مقابر اليهود القرائين أو مقابر البساتين التي تعتبر من أقدم المقابر اليهودية الصالحة للزيارة في العالم

وأشارت الوزارة إلى إشراف اثنين من الحاخامات اليهود على عملية الترميم، مشددة على أنهما قدما إلى مصر للتأكد من أن عملية التنظيف تمت طبقا للشرائع اليهودية، وفق ما ذكرت صفحة «إسرائيل بالعربية» على موقع تويتر العام الماضي.

وقال السفير الأمريكي لدى مصر جوناثان كوهين، إن هذا المشروع في مقابر البساتين يعد «استثمارا في تاريخ مصر الثقافي المتنوع، وفرصة لزيادة الوعي بالتعددية في مصر»، مضيفًا: «نحن فخورون بالشراكة في الحفاظ على المواقع التراثية وحمايتها في مصر».

في الوقت نفسه، أقدمت أجهزة محافظة القاهرة على هدم جزء من المقابر الخاصة بالمسلمين في منطقة البساتين، وبررت وزارة السياحة الخطوة بأن ما هدم ليس من الآثار الإسلامية في منطقة البساتين، مؤكدة أن ما تم هدمه عبارة عن مقابر حديثة في إطار عملية إنشاء طريق جديد لتسهيل حركة المرور.

مقبرة الشيخ محمد رفعت

وخلال الفترة الأخيرة، أثيرت أزمة بعد إخطار محافظة القاهرة أسرة الشيخ محمد رفعت بهدم مقبرتهم، ومطالبتهم بنقل رفات الأسرة، ولم ينقذ المقبرة من الهدم سوى الغضب الذي اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، لتتراجع المحافظة في النهاية عن قرارها مؤقتًا حتى الآن.

وكشفت بعض الصور الحديثة أن مقبرة الشيخ محمد رفعت أصبحت الوحيدة الباقية في المنطقة بعد هدم كل ما حولها وهو ما يثير الشكوك لدى البعض حول التخطيط لإزالتها بعد توقف الجدل.

والعام الماضي ثار جدل بعد تداول أنباء عن هدم مقبرة عميد الأدب العربي طه حسين المتواجدة في مقابر التونسي بجنوب القاهرة أيضا لإقامة جسر مروري آخر، وبعد تهديد أسرته بنقل رفاته لفرنسا، تراجعت السلطات عن قرار هدمها، ولكن صور حديثة أظهرت إقامة الجسر فوق المقبرة بصورة سيئة.