فضيحة «نقابة المهندسين»| لماذا يشن الطرف الثالث حربًا على النبراوي؟

ذات مصر

تصدرت المشاهد الختامية للجمعية العمومية الطارئة لنقابة المهندسين، في الساعات الأولى من صباح اليوم، عناوين المواقع والقنوات المحلية والإقليمية والعالمية، ووصفها البعض بالـ«فضيحة في أشهر نقابات مصر»، لتكون الختام الحقيقي لمشهد من المفترض أن يكون حضاريًا.

اتهامات متبادلة في المهندسين

صباح أمس، توافد الآلاف من أعضاء نقابة المهندسين، لحضور الجمعية العمومية الطارئة للنقابة، لسحب الثقة من النقيب الحالي، المهندس طارق النبراوي، بعد الصراعات الدائرة بينه وبين هيئة المكتب وصلت في نهايته إلى الاحتكام لسحب الثقة من النقيب.

قبل تلك الفترة كانت تعج النقابة بالأزمات والخلافات وتوجه اتهامات للمجلس والنقيب نفسه بعدم أداء الدور المطلوب منهم لخدمة الأعضاء ليقدم 338 مهندسًا طلبًا بسحب الثقة من المجلس بالكامل، وهو ما لم يلق قبولًا لدى مجلس النقابة، ليتبعه طلب من 1960 مهندسًا آخرين بسحب الثقة من النقيب فقط، وافق عليه المجلس.

الانقسام داخل النقابة وصل ذروته بعد انعقاد الجمعية العمومية العادية في 6 مارس الماضي، فاتهم مجلس النقابة، النبراوي، بعدم الالتزام ببنود الجمعية العمومية المعلن عنها، والمتفق عليها فى اجتماع المجلس الأعلى، واتخاذه قرارات من العمومية بشكل مخالف للقانون ولا يمكن تنفيذ القرارات الصادرة عنها.

واتهم النقيب هو الآخر أعضاء مجلس نقابة المهندسين الممثلين لها بمجالس إدارات الشركات المساهمة بها النقابة، وعدد من مجالس النقابات الفرعية المنتخبة بالفساد، مشددًا على الالتزام بقرار الجمعية العمومية بعد السماح للمجلس ببيع أصول النقابة.

حزب سياسي يشعل الصراع

وهنا كشفت مصادر بـ«نقابة المهندسين»، أن الخلاف الموجود داخل مجلس النقابة لم يكن أساسه العمل النقابي ومصلحة المهندسين، ولكنه يأتي من خارجها وتحديدًا بعض أجهزة الدولة التي تحاول السيطرة على مقدرات النقابة لتنفيذ خطط الطروحات الحكومية، وغيرها.

وأوضحت المصادر لـ«ذات مصر»، أن مجلس النقابة الذي يضم أغلبية ينتمون للحزب السياسي الأكثر سطوة الآن على الحياة السياسية في مصر كان يرغب بتمرير بعض البنود تنفيذًا للتوجيهات السياسية والاقتصادية الصادرة من أجهزة الدولة لهم.

وذكرت المصادر، أن النقيب الحالي غير المنتمي لأي تيار سياسي -مستقل- كان يقف حجز عثرة في طريق تنفيذ مخططهم ويمنعهم من ذلك نهائيًا فحاولوا إزاحته لتمكين الدولة من «مقدرات النقابة» وممتلكاتها في إطار خطط بيع الشركات لجهات خارجية.

مفاوضات الحكومة ورفض النبرواي

وأشارت المصادر إلى أن نقابة المهندسين تمتلك أسهمًا في بعض الشركات التي تفاوضت دولة الإمارات مع الحكومة للحصول على كافة أسهمها، منوهةً بأنه جرى مخاطبة النبراوي لبيع أسهم النقابة لصالح لكن الطلب قوبل بالرفض.

وشددت المصادر على أن المفاوضات التي بدأت العام الماضي لم تسفر عن شيء رغم الضغوط الكبيرة التي تعرض لها النقيب سواء من خارج النقابة أو داخلها، ما ساهم في تعطيل الصفقة كثيرًا بسبب الرغبة الإماراتية في الاستحواذ الكامل على الشركة.

ورفضت نقابة المهندسين بيع حصتها البالغة 30% من شركة الدهانات المعروفة جوتن بقيمة 200 مليون دولار، والتي عرضت في إحدى الجمعيات العمومية لـ إحدى النقابات الفرعية الرئيسية ليرد النبراوي في الجمعية العمومية في مارس بالرفض تمامًا لبيع حصص النقابة الناجحة مهما كان المقابل المادي.

أعلنت البورصة المصرية، مطلع الشهر الجاري تنفيذ عرض الشراء الاختياري المقدم من شركة الأصباغ الوطنية الإماراتية على أسهم باكين التابعة للحكومة المصرية، في صفقة بلغت قيمتها 770.4 مليون جنيه بنسبة 81%.

ووصل إجمالي الكميات المبدئية المعروضة استجابة للعرض إلى 19.35 مليون سهم، بسعر 39.8 جنيه للسهم الواحد، لتتخطى قيمة الصفقة 770 مليون جنيه.

وبيع السهم الواحد للشركة بأكثر من ضعف الثمن المعروض في البداية والذي كان يتراوح بين 16 و16.5 جنيه للسهم، لتقدم عروض لاحقة بأرقام أعلى بكثير، قبل أن تعرض أصباغ أعلى عرض بـ29 جنيهًا لتتم الصفقة في النهاية بـ39.8 جنيه للسهم الواحد.

وبعد الفشل الحكومي في إدارة الصفقات على النحو المطلوب سعت الأجهزة إلى معاقبة النبراوي على موقفه أولًا، وتسهيل تعاملها في ممتلكات النقابة الأخرى من خلال إزاحته من المشهد تمامًا بسحب الثقة منه، بحسب مصادر بـ«النقابة».

أزمة التعليم الهندسي وسبوبة «التعليم العالي»

الخلاف لم يكن هنا فقط لكنه امتد لـ«التعليم الهندسي»، فاتهمت النقابة بإساءة علاقتها مع وزارة التعليم العالي بعد رفضها قيد خريجي المعاهد الهندسية الخاصة، فضلًا عن الجامعات الخاصة والأهلية التي تلحق الطلاب بكليات الهندسة بمجموع أقل من التعليم الحكومي.

أصدر النبراوي 3 قرارات مهمة تضمنت عدم قيد خريجي المعاهد الهندسية التي لم تحصل على شهادة جودة التعليم والاعتماد من الهيئة القومية لجودة التعليم والاعتماد المنشأة بالقانون رقم 82 لسنة 2006 وتعديلاته، اعتبارًا من 31 ديسمبر 2023.

وشملت القرارات عدم قيد خريجي المعاهد والكليات الهندسية من الحاصلين على شهادات الدبلومات الفنية (ثلاث سنوات) باستثناء الحاصلين على شهادة معادلة لشهادة الدبلوم الفني بشهادة الثانوية العامة من الجهة الحكومية المختصة، اعتبارًا من 1 يوليو المقبل.

ورفضت النقابة قيد خريجي المعاهد والكليات الهندسية بمختلف الجامعات ابتداء من الدفعات الملتحقة بها للعام الدراسي 2022-2023 إلا في حدود 25 ألف خريج، اعتبارًا من مطلع شهر يوليو المقبل.

حشد حكومة لعزل النبراوي

ومع كل الأزمات الموجودة، وصلت النقابة إلى الجمعية العمومية غير العادية على صفيح ساخن وسبقها بأيام القليلة تصدر اتهامات بحشد حزب مستقبل وطن والشركات الحكومية المهندسين لإزاحة النبراوي من المشهد، والتي قوبلت برفض كبير لفرض الوصاية.

الجمعية غير العادية، تحتاج حضور 300 مهندس كنصاب قانوني لانعقادها، لكن عملية التسجيل وحدها شهدت حضور نحو 10 آلاف مهندس، بخلاف المشاركين في التصويت مباشرة، لتكون أحد أكثر الجمعيات كثافة في الحضور، فلم يتجاوز العدد في الجمعية العام لانتخابات التجديد النصفي 4 آلاف مهندس، من إجمالي 700 ألف يحق لهم التصويت.

مع بدء عملية التصويت وصلت أتوبيسات الحشد الحكومي تتوافد على مقر الجمعية بمركز القاهرة الدولي للمؤتمرات، أبرزها لشركات وزارة الإنتاج الحربي، والكهرباء والإسكان، بخلاف القادمة من المحافظات، وزاد اشتعال الأمور تأكيد مهندسين على تلقيهم توجيهات من رؤسائهم بالتصويت على سحب الثقة وتصوير ورقة الاقتراع.

وتزايد التفاعل على مواقع التواصل مع الوضع في النقابة والذي سبقه إعلان المهتمين بالعمل النقابي في مصر التدخل الحكومي في نقابة المهندسين، مشددين على رفضهم فرض السيطرة الحكومية على النقابات و تغيير إرادة الناخبين، واستغلال المسئولين الحكوميين الذين وصلوا لمواقع نقابية لمناصبهم في حشد الأصوات و إرهاب المتعاملين أو المنتمين لتلك الجهات. 

المهندسون يرفضون «الوصاية»

ورغم كل المحاولات من الحكومة وحزبها إلا أن المهندسين رفضوا تلك التدخلات وكشف إجراءات الفرز عن رفض عموما المهندسين سحب الثقة من النقيب، وقبيل إعلان النتيجة رسميًا بعد الانتهاء من عمليات الفرز تأخرت اللجنة القضائية المشرفة عن الإعلان لتنقلب الأمور رأسًا على عقب رغم الاحتفال برفض الوصاية الحكومية.

البعض تخيل أن الأمور قد تمر كما حدث في انتخابات نقابة الصحفيين الأخيرة بعد نجاح المرشح المعارض خالد البلشي في الإطاحة بمرشح الحكومة خالد ميري، فرغم محاولات تغير النتيجة إلا أن الأمور لم تتغير، ليتحدث الجميع حينها عن اتباع الدولة سياسة جديدة في الانتخابات النقابية.

مشاهد النهاية في «المهندسين» شهدت اقتحام بلطجية لمقر الجمعية مستهدفين شيئًا واحدًا لا غير يتمثل في تمزيق أوراق الاقتراع لمنع إعلان النتيجة وإتاحة الفرصة للتشكيك فيها لاحقًا رغم الانتهاء رسميًا من عمليات الفرز من قبل اللجنة القضائية التي خرجت من القاعة خوفًا من الاعتداء عليها.

فضيحة كبرى في جمعية المهندسين

المشاهد التي وثقتها مقاطع الفيديو جعلت الجميع على منصات التواصل الاجتماعي ينتقد سياسة الدولة ويوجه لها الاتهام تلو الآخر، مشيرين إلى أن ما حدث يسيء لصورة مصر داخليًا وخارجيًا ويؤكد أنه لا جدوى أصلًا من الحوار الوطني والحديث عن تقبل المعارضة ونزاهة العملية الانتخابية في مصر عمومًا.

وطالب رواد مواقع التواصل النائب بفتح تحقيق عادل وجاد حول ما حدث في النقابة وكشف المتهمين فيه وملابسات عدم توفير قوات الأمن الحماية اللازمة للجمعية العمومية غير العادية، فضلًا عن الاتهامات التي تلاحق بعض المنتمين للنقابة ومعاقبتهم، قبل الحديث عن جدوى أي شيء يحدث في مصر حاليًا.