يهوى ضرب النار وركوب الخيل والرسم ... تفاصيل حياة البطل محمد صلاح من عين شمس إلى قلب إسرائيل

ذات مصر

هالة كبرى رُسمت حول دولة الاحتلال الإسرائيلي، تحكي عن قوتها وتطورها، حطمتها محاولة فردية من مواطن مصري بسيط في أحد الحواري الضيقة بمنطقة شعبية في وسط العاصمة المصرية القاهرة، إنه البطل المصري محمد صلاح.

ملايين المصريين ودَّعوا اليوم الإثنين، «شهيد الحدود» الذي قتل 3 من عناصر جيش الاحتلال، بعد تشييع جثمانه بقرية كفر العمار التابعة لمركز طوخ في محافظة القليوبية. وعاد جثمان الشهيد محمد صلاح الدسوقي -الذي انفرد «ذات مصر» بنشر تفاصيل عمليته- إلى مصر قادمًا من الأراضي الفلسطينية المحتلة، عبر مطار ألماظة، فجر اليوم الإثنين، ولم يكن في استقباله أي من أفراد أسرته.

رحلة البطل الصغير 

«شهيد الحدود» ينتمي إلى أسرة «مستورة» وغير ميسورة، تقيم في أحد الحواري الضيقة الجانبية من شارع أحمد عصمت في منطقة عين شمس بمحافظة القاهرة، ويرعى والدته مع شقيقه الأكبر محمود صاحب الـ26 عامًا، بعد وفاة والده قبل سنوات.

محمد كان يعمل رفقة شقيقه «صنايعي ألوميتال» بورشة عمه، وترك التعليم بعد المرحلة الإعدادية بسبب الظروف المادية الصعبة للأسرة بعد وفاة والده، وكغيره من الشباب راوده حلم الزواج وتكوين أسرة، وبالفعل أتم خطبة إحدى الفتيات لكن ضيق الحال منعه من استكمال حلمه، لتفسخ الخطوبة بعد فترة قصيرة.

أسرة محمد المكونة من أمه وشقيقه الأكبر محمود، والأصغر عبد الرحمن الذي يدرس في مراحل التعليم الأولية، وأصدقاؤه والمقربون منه لم يستوعبوا حتى الآن تفاصيل ما حدث، فالشاب صاحب الـ22 عامًا غير مهتم بالسياسة نهائيًا، وغير منتم لأي فصيل سياسي أو حزبي، بالإضافة إلى أن خطوة التجنيد الإجبارية كانت من أجل تحسين ظروف حياته.

يحكي كريم الجندي، أحد أصدقاء الشهيد، أن محمد كان شابًا مسالمًا تمامًا، وكان حريصًا منذ صغره على أداء الصلاة في المسجد، مضيفًا: «محمد كان محترم، ومالوش في أي حاجة، ويحافظ على أداء الصلاة في المسجد، وكان بيحاول زي كل الشباب يكوِّنوا حياة جديدة علشان كدا قدم في الجيش».

لا سياسة

يضيف كريم في تصريحات خاصة لـ«ذات مصر» أن البطل الصغير لم يكمل تعليمه بعد المرحلة الإعدادية، بسبب الظروف المادية بعد وفاة والده، وكان يعمل من أجل مساعدة أسرته، والصرف على أمه وشقيقه الأصغر، فأسرته مثل أغلب الأسر المصرية البسيطة.

قرر محمد تقديم أوراقه للالتحاق بالجيش على أمل أن يحصل على فرصة عمل جيدة بعد أداء الخدمة العسكرية، أو حتى الحصول على فرصة للعمل في أي دولة خليجية لتحسين مستوى معيشته، وبناء حياته الجديدة وتكوين أسرة.

يضيف الجندي: «صلاح التحق بالجيش قبل نحو 9 أشهر، ولم يكن مختلفًا عن قبل نهائيًا، فلم يكن حديثه معنا في أي أمور سياسية أو حتى وجود مناوشات مع قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي الموجودة بالقرب منه على الحدود، كان مرحًا كما اعتدناه، ومتحدثًا دائمًا عن أمنياته بعد نهاية أداء الخدمة العسكرية».

لم يهتم الشهيد بالسياسة، وحتى القضية الفلسطينية يرتبط بها ارتباطًا فطريًا مثل كل شاب مصري أو عربي، تؤذيه مشاهد الانتهاكات الإسرائيلية في حق الفلسطينيين، ومنشوراته على «فيس بوك»، تثبت ذلك، فالمنشور الوحيد له عن فلسطين كان في عام 2021.

القصاص لشهداء الجيش والشرطة

لم يغير الالتحاق بقوات الأمن المركزي في «صلاح» أي شيء، سواء سياسيًا أو اجتماعيًا أو دينيًا، سوى في الحديث عن شهداء الجيش والشرطة في العمليات الإرهابية والقصاص من القتلة، ولم يلمح مرة عن رغبته في الانتقام من الكيان الصهيوني، بحسب كريم.

يروي صديقه محمد فوزي أن محمد خلال فترة الإجازة القصيرة التي يحصل عليه خلال أداء الخدمة العسكرية كان يقضيها عادة في الجلوس مع والدته وأشقائه وبعض أصدقائه، وكان دائم الحديث عن بطولات عناصر الجيش والشرطة في الحرب على الإرهاب.

يشدد صديق الشهيد، على أنه وأسرة الراحل لم يلحظوا أي تغيير نهائي في سلوك محمد، مفسرًا واقعة دخوله الأراضي الفلسطينية المحتلة، بأنها محاولةً منه للدفاع عن وطنه وأرضه ومنع عملية تهريب مواد مخدرة.

يتابع فوزي: "هوايات محمد كانت ضرب النار وركوب الخيل والرسم والإجازة الأخيرة لمحمد كانت طبيعية مثل كل الإجازات السابقة التي حصل عليها، ومارس حياته بشكل طبيعي تمامًا، سواء مع أسرته أو أصدقائه، والحديث معه لم يظهر تخطيطه لأي شيء بل كان عن أوضاعه في الجيش، ولم نتطرق إلى إسرائيل نهائيًا».

مشاهد الوداع في الإجازة الأخيرة

الإجازة الأخيرة لم تشهد أي أمر غريب، فقد كان محمد حريصًا على جمع أهله وأصدقائه ولقاء أكبر عدد منهم وقضاء وقت كبير معهم، ولم ندرك أن هذا هو الوداع الأخير لمحمد، وفقًا لصديقه كريم الجندي.

أسرة محمد لم تعلم أي شيء مما حدث سوى بعد ظهر أمس، حين ت استدعاء شقيق محمد الأكبر وعمه، بالإضافة إلى اثنين من زملاء محمد في معسكر الأمن المركزي كانوا في فترة إجازة.

تهريب الجثمان إلى المقابر دون تكريم

يضيف صديقه: فجر اليوم علمنا بوصول جثمان الشهيد إلى مطار ألماظة، وكان الآلاف يتجمعون أمام منزله في انتظار وصول الجثمان.

وتابع: «بعد ذلك توجهت مجموعة إلى المطار، لكننا فوجئنا بتحرك الجثمان للدفن في مسقط رأس الأسرة بقرية العمار التابعة لمركز طوخ بمحافظة القليوبية دون إبلاغنا، ودون تقدير لبطولة محمد في الدفاع عن أرضه ومنع تهريب المخدرات إليها».

وأكمل: «والدة محمد لم تتمكن من وداع نجلها كما يجب، ولحقت به في اللحظة الأخيرة قبل إغلاق القبر على جثمانه»، مشيرًا إلى حزن الأسرة الشديد من تعامل الدولة وعدم تقديرهم لدوره في الدفاع عن وطنه.