الجيش الأمريكي والسباق الرئاسي: ماذا لو اندلعت أعمال عنف؟

ذات مصر
  ما دور الجيش الأمريكي حال وقوع نزاع شعبي كبير على نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ هذا هو سؤالنا الرئيس في ظل مخاوف كبيرة تتصاعد حول فعالية أمريكية وعالمية يبدو أنها ستكون مثيرة للجدل، في ظل ظهور ما يمكن اعتباره "ميليشيات" حول أماكن الاقتراع، وفي ظل تصريحات سابقة للرئيس دونالد ترامب شكك خلالها في نزاهة عملية التصويت، وأثار الشكوك حول ضمان حدوث انتقال هادئ للسلطة إذا ما خسر الانتخابات أمام جو باديدن! تزداد المخاوف رغم وجود قواعد صارمة تنص عليها قوانين الولايات والقوانين الفيدرالية في ما يتعلق بنشر القوات حول أماكن الاقتراع، أو قمع أي شغب انتخابي. الانتخابات الأمريكية التي ستُقام في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في سياق اجتماعي ملتهب عقب أحداث العنف التي طالت السود، وفي ظل جائحة كورونا، يُطرح السؤال: هل يمكن استدعاء القوات الفيدرالية -والتي من المحتمل أنها تضم ميليشيات غير نظامية- لحفظ القانون والنظام العام حال حدوث أعمال عنف؟ وما دورها؟ وما السياقات القانونية التي تحكم تدخلها هذا؟ أسئلة مهمة من هذا القبيل نعالجها في مُقبل السطور عبر وسيط الـــ "س" والــ "ج"، فإليها. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] الجنرال مارك ميلي.. رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي[/caption] تمتلك الولايات سلطة إدارة العملية الانتخابية، ولكن ما سلطتها في ما يتعلق بتنظيم القوات المسلحة إذا ما اندلعت أعمال عنف متعلقة بالانتخابات؟ للولايات سلطة قانونية للتعامل مع أعمال العنف المرتبطة بالانتخابات، حتى أبسط مستوى محلي، حيث يستخدم الضباط المحليون غالبًا شرطة المدينة لمنع أو كبح أعمال العنف. وبصرف النظر عن كفاءة الجهود المحلية، بإمكان الحاكم التصرف بموجب السلطة الدستورية والقانونية للولاية لنشر عناصر إنفاذ القانون، مثل شرطة المرور والحرس الوطني للولاية. تمتلك الولايات الخمسون فرقًا للحرس الوطني، يمكن للحاكم استدعاؤها للخدمة في أثناء الطوارئ وخلال الكوارث الطبيعية عادةً، بالإضافة إلى أغراض إنفاذ القانون، كما كان دورها دائمًا عبر التاريخ. وأعضاء الحرس الوطني هم أفراد ذوو وظائف مدنية يمكن تفعيلهم كجنود مُدربين يرتدون زيًّا عسكريًّا. في الثاني من يونيو/حزيران، وردًّا على الاحتجاجات ضد وحشية تعامل قوات الشرطة مع السود، نشر حكام الولايات 70 ألفًا من أفراد الحرس الوطني لمساعدة عناصر إنفاذ القانون المحليين في 23 ولاية. مع ذلك، يغطي هذا الانتشار المسلح نطاقًا ضيقًا من الإجراءات؛ فإذا نشر حاكمٌ ما عناصر من الحرس الوطني بحجة منع العنف، وكان ينوي فعليًّا التدخل في عملية التصويت، فبإمكان تصرف كهذا أن يؤدي إلى وقوع اضطرابات، ويمكن الطعن عليه فورًا أمام الهيئات القضائية كعمل غير دستوري، بموجب قانون الولاية والقانون الفيدرالي. على الرغم من ذلك، تمتع الأمر بغطاء قانوني كامل خلال الانتخابات التمهيدية لعام 2020، إذ استدعى حكام الولايات أعضاء الحرس، دون سلاح وفي زي مدني، لتيسير عملية التصويت في أماكن الاقتراع، كذلك استدعت 13 ولاية الحرس الوطني لدعم الأمن السيبراني للانتخابات العامة. هل تمتلك الميليشيا غير المنظمة صلاحية التصرف في أثناء الانتخابات؟ في حالة استدعاء الحاكم لها بشكل معلن فقط للخدمة بموجب سلطة الولاية، تحظر دساتير الولايات الخمسين على الميليشيات غير المنظمة والخاصة والمجموعات المسلحة، أن تشارك في الأنشطة الخاصة حصرًا بعمل الحرس الوطني للولاية، كعملية إنفاذ القانون. ففي عام 1886، قضت المحكمة العليا بعدم مخالفة الحظر، المفروض من جانب الولايات، للتعديل الثاني لدستور الولايات المتحدة، وأكدت المحكمة هذا القرار في عام 2008، كما نصت دساتير العديد من الولايات على أن "يخضع الجيش تمامًا للسلطة المدنية". ويحظر بعض الولايات، مثل ميتشجن وأوريجون وبنسلفانيا، الأعمال شبه العسكرية "في أثناء أي اضطرابات مدنية أو مؤازرتها". مع ذلك، لا تزال توجد تجمعات لوحدات من الميليشيات غير المنظمة في أثناء الاحتجاجات في عدد من الولايات في الشهور الأخيرة، والتي لم يستدعها أي من حُكّام الولايات. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] لوحة تعود للقرن التاسع عشر – مكتبة الكونجرس[/caption] وعلى الرغم من ضآلة هذا الاحتمال، يمكن للحاكم يمكنه التصريح لميليشيا غير منظمة بأن تراقب طوابير المصوتين في أماكن الاقتراع، وأن تتعامل مع أدنى أعمال شغب. وهذا التصريح يمكن أن يُبطل قانونًا بتهمة ترهيب الناخبين.

هل توجد قوانين تُنظِّم الحمل العلني للسلاح في الولايات المتأرجحة؟

تتصاعد المخاوف عندما تحمل ميليشات غير منظمة أو فرادى المواطنين الأسلحة النارية -بنادق AK-47s (الكلاشينكوف) وأسلحة أوتوماتيكية أخرى- علانيةً في أي مناسبة انتخابية. لا تحظر أيًّا من الولايات العشر المتأرجحة (أريزونا، فلوريدا، جورجيا، أيوا، ميتشجن، كارولاينا الشمالية، أوهايو، بنسلفانيا، تكساس، ويسكونسن) على فرادى المواطنين الحمل العلني للسلاح، بما في ذلك الأسلحة الطويلة، في حين تحظر ولايات أريزونا وفلوريدا وويسكونسن الحمل العلني للأسلحة النارية في عدد من المنشآت العامة، كما تحظر ولاية ميتشجن الحمل العلني للسلاح في دور العبادة والمحاكم والمستشفيات والساحات الرياضية والمسارح. وتمنع ولايات أريزونا وفلوريدا وميتشجن (بموجب قرار صدر مؤخرًا) الحمل العلني للسلاح في أماكن الاقتراع. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] ترامب مع أفراد الجيش الأمريكي[/caption] ما السلطة التي يمتلكها الرئيس ترامب لاستدعاء القوات الوطنية، إذا ما رأى وجود تهديد للأمن القومي في ظل الانتخابات؟ يوجد نوعان من القوات الوطنية الخاضعة لسلطة ترامب بصفته القائد العام، تتكون القوة الأولى من 1.38 مليون فرد عامل في القوات المسلحة للولايات المتحدة، بالإضافة إلى 840 ألف فرد على قوة الاحتياط، أكثر من نصفهم بقليل ينتمون للحرس الوطني للجيش والحرس الوطني الجوي. تعمل كلتا القوتين تحت قيادة ثنائية لحُكّام الولايات والحكومة الفيدرالية، وتحتفظ الأخيرة بالسلطة العليا لاستدعاء أفراد الحرس الوطني للخدمة الفيدرالية كاحتياطي للحرس الوطني للولايات المتحدة، كما يمكنها إرسالهم إلى الخارج للتدريب أو القتال، وقضت المحكمة العليا بدستورية ذلك التسلسل القيادي عام 1990. ويكفل الدستور الأمريكي للكونجرس صلاحية "استدعاء الميليشيا لإنفاذ قوانين الاتحاد، وقمع التمرد، وصد الغزو الخارجي". لكن الكونجرس تبنى قانون التمرد لعام 1807؛ الذي يُمكِّن الرئيس من استخدام القوات المسلحة الأمريكية والحرس والوطني للأهداف السابقة، وتقتضي إحدى فقرات التعديل الدستوري لعام 1956 أن يصدر الرئيس أولاً بيانًا يأمر المتمردين بالتفرق. وقد لجأ الرؤساء إلى قانون التمرد 22 مرة بين عامي 1808 و1992، واعتمد عليه الرئيس يوليسيس جرانت عام 1872 لنشر القوات الفيدرالية لقمع الاضطرابات التي تبعت انتخابات ولاية لويزيانا، على الرغم من أن الولاية لم تطلب المساعدة. كما لجأ إليه أيضًا كل من دوايت أيزنهاور وجون كينيدي، لتنفيذ قانون "إلغاء الفصل العنصري" في الولايات الجنوبية على الرغم من معارضة حكامها. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] ترامب وبايدن[/caption] ويُعد قانون التمرد (الغامض نسبيًا) استثناءً، في مقابل القانون المعروف بـ"بوس كوميتاتوس" لعام 1878 بعد تعديله، والذي يحظر على الجيش والقوات الجوية والبحرية إنفاذ القوانين المحلية داخل الولايات المتحدة، وهو ما يضمن حظر استدعاء أي مكون فيدرالي للحرس الوطني للولاية بواسطة وزارة الدفاع. عمليًّا، هنالك قيود (تحظى باحترام دائم خاصة من الجيش) ضد أي محاولة قد يقوم بها الرئيس للتدخل من خلال القوات المسلحة ضد الشعب الأمريكي، كما يحظر القانون الفيدرالي أيضًا نشر عناصر فيدرالية مسلحة في أماكن الاقتراع. قد يبدو نشر ترامب لوحدات مختلفة من الحرس الوطني لتفريق المتظاهرين بالقرب من البيت الأبيض في يونيو/حزيران، كفعل رئاسي يسعى لتطويق الانتخابات، وكذلك إرساله لعناصر من وزارة الأمن الداخلي لحماية المنشآت الفيدرالية في بورتلاند وأريجون، ولكن من المهم أن ندرك أن سلطته في استخدام قوات الجيش داخل مقاطعة كولومبيا أوسع نطاقًا مقارنةً ببقية الولايات.

هل يمكن أن يتحدى الجيش أوامر الرئيس؟

مؤخراً، صرّح الجنرال مارك ميللي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، بأنه "إذا كان هناك طعن على نتيجة الانتخابات فستتولى التعامل مع الأمر -على نحو ملائم- الهيئات القضائية والكونجرس الأمريكي، ولا يوجد دور للجيش الأمريكي في تحديد نتائج الانتخابات نهائيًّا". يمكن أن يفسر القادة والجنود على مستوى الولايات وعلى المستوى الوطني الأوامر بأنها غير قانونية، خاصةً إذا كانت مبنية على الأكاذيب، ومن ثَمَّ يرفضون الانصياع، ويمكن رفع دعاوي قضائية، لمنع الرئيس أو أي حاكم من سلوك هذا المسار مع الجيش، وستكون المحكمة العليا ساحة المعركة الأخيرة. كيف تتعامل الديمقراطيات الراسخة مع ظهور "المجموعات المسلحة" في أثناء عمليات الاقتراع وفرز الأصوات؟ تتصاعد المخاوف في الولايات المتحدة مقارنةً بأي ديمقراطية راسخة أخرى، وهو ما يُعزى جزئيًّا إلى شدة الاختلاف المتعلق بقوانين حمل الأسلحة. فديمقراطيات مثل كندا وألمانيا والهند والمملكة المتحدة تمتلك قوانين صارمة تنظم حمل الأسلحة، بحيث يكون ظهور مجموعات مسلحة في أماكن الاقتراع أو في الشوارع خلال الانتخابات أمرًا نادر الحدوث. ومع ذلك، أرهبت المجموعات المسلحة والعنيفة المُصوتين المحتملين في الهند، ما أدى إلى "وضع خريطة للأماكن المُعرضة للمخاطر"، لتحديد أماكن الاقتراع الأكثر خطورة ونشر عناصر أمنية لمنع التهديدات.