هلال عبدالحميد يكتب: كنت مراقبًا بالثانوية العامة معلم عبد في مواجهة السلطة
كل من قرأ رواية «جذور» للروائي الأمريكي «أليكس هيلي» يعرف تمامًا كيف يساق المعلمون في سوق نخاسة الثانوية العامة، والتي لم تعد بوابة للعدالة الاجتماعية كما كانت.
امتحانات الثانوية العامة
فبعبارات عن الواجب الوطني والقومي يتسلم المعلم صك عبوديته «تكليفه الإجباري»، لتبدأ أيام عبودية ممتدة لفترة عبودية أيام امتحانات الثانوية العامة، فنحن نبحث عن عربية من عربيات الصناديق الخلفية نرمي أجسادنا التي انهكها السكر والضغط والأنيميا، لتنقلنا من قرانا البعيدة إلى أقرب محطة قطر درجة ثالثة.
نعرف أن أيامًا أكثر سوادًا تنتظرنا، وذل عبيد رواية الجذور تحت وطأة سياط تجار رقيق الثانوية العامة سنعيشه.
وفي رحلة قطار الدرجة الثالثة التي تنتهك فيه أجسادنا لساعات، وتتقاذفنا سواعد وأجساد الصاعدين والنازلين والمارين بعربة القطار المتهالكة.
ننزل من القطار ونظل نسأل عن اللجنة حتى نركب توكتك ليصل بنا الى هناك، نسلم خطاب تكليف الواجب الوطني، ربما يصادف ان تكون ملاحظًا وحفيدك رئيس لجنة أو مراقب دور مثلًا فيشير رئيس اللجنة إليك على الفصل الذي سيأويك طوال ليالي الثانوية العامة الطويلة
تدخل الفصل ستجد مرتبة متهالكة خالية وعليها مخدة لالون لها و بين مراتب يلقى عليها زملاؤك العبيد أجسادهم المنهكة، تضع فوطتك على المخدة، وتنظر حولك فترى الشبابيك محطمة الزجاج “وماله الجو حر ومش ناقصة كتمة”.
أحاول النوم ولكن الذباب والناموس والحر يحاصرونني من كل جانب، أخرج للبحث عن أحد المساجد، فربما أجد مكانًا تحت مروحة سقف ولكنني أجد المسجد مغلقًا بتعليمات من وزير الأوقاف.
بالليل يجتمع بنا رئيس اللجنة فنجلس على كراسي فصل متهالكة كالتلاميذ ويجلس أمامنا رئيس اللجنة ويبدأ حديثه، مبسملًا ومحوقلًا ومصليًا على النبي ويقول: هي أيام سودة وعايزينها تعدي على خير، ومش عايزين مشاكل احنا مش قدها.
انتو عارفين إن اللجنة معمولة مخصوص لأولاد الإيه، ومش عايزين مشاكل وحياة أبوكم، واربطوا الحمار مطرح ما يحب صاحبه.
ويواصل رئيس اللجنة :واللي عايز يعمل نفسه جدع ونزيه وشريف فيا ريت يحط ف اعتباره انه مفيش حد هيحميه، وأنا مش هقدرأعمله أي حاجة، انا عبد زيي زيكم.
“احنا يا سادة بنراقب على أولاد علية القوم واللجنة دي معمولة خصيصًا علشانهم، فمفيش حد هيحمينا، هنشتكي الواد لأبوه!!!!! ، عايزين نكون عاقلين، فعدوا الليلة وحياة أبوكم، ومش عايزين نتبهدل واحنا في السن ده”.
ما بين اللجنة صباحًا والتي يجلس فيها الملاحظان: أحدهما بأول اللجنة والآخر بآخرها، يدخل أحد العمال يحمل معه أوراق الإجابة النموذجية بعدد طلاب اللجنة فيوزعها عليهم مطمئنًا.
وكان وزير التربية والتعليم ( والتعليم الفني لمؤاخذه ) قد أصدر قرارًا بمنع إقامة لجان ثانوية عامة في اللجان التي شهدت غشًا جماعيًا طوال السنوات السابقة وحصل كل طلابها على مجاميع أكثر من ٩٨٪، “ولكن جهات عليا وحياة أبوك انا مش ناقصك و متسألنيش مين هيا الجهات اللي اعلى من الوزير”، طلبت منه الغاء القرار لتحقيق العدالة الاجتماعية ( آه والمصحف ).
يوم ورا يوم ومادة ورا مادة وأنا بصرف من الـ ٥٠٠ ج اللي استلفتهم قبل السفر، وأنا رافض أكل من الأكل اللي كان اسيادنا بيجبوه ( عامل نفسي شريف يعني ).
لم أفكر في السفر أيام الأجازات لأن القرشين اللي مستلفهم مش هيكفوا روحه وجايه، وقلت أخْلَص من أيام عبودية الثانوية العامة وربنا يعديهم على خير، ولكن أيام العبودية تمر بطيئة، كريهة، مملة وإحساس العبودية يزيدها قهرًا، أنت تشعر أنك تشارك كمتفرج بالإكراه على مسرحية كوميديا سوداء ، ومكره على أداء دور المتفرج الأبله ،وان لم تصفق على كل هذا الغباء فأنت خائن وعميل وربنا يستر عليك ان لم تجد نفسك متهمًا في قضية مساعدة جماعة إرهابيية في تحقيق أهدافها وهاتك يا خمستشرات وخمسة واربعينات.
وعلى الرغم من أن سيادة الوزير وافق على زيادة الأجر وجعل اليوم بثلاثة أيام على الأساسي اللي هو محسوب على أساسي سنة ٢٠١٤( يعني المعلم اللي كان اساسيه في ٢٠١٤شهريا ١٥٠ جنيهًا مصريا يبقى يومه بـ٥ جنيهات فبعد تكرم الوزير بجعل يومه بتلاتة هيصرفز في اليوم ١٥ جنيهًا كاملين ) وعلى الرغم من هذا الكرم الحاتمي للحكومة إلا ان المعلمين يحاولون الاعتذار، لو ترى زحام المعلمين أمام لجان النظام والمراقبة وشروط قبول الاعتذار ومستنداتها هتقول الطيب احسن وتروح تقضي ايامك وتخلص، .٢٪ من عدد المكلفبن تقدموا باعتذارات، وعلى الرغم من ان بعضهم يحمل تقارير طبية الا ان لجنة النظام والمرافبة ترفض ذلك وتعتبره هروبًا من أداء الواجب الوطني وتعرض صاحبه للمحاكمة، وبلغت المأساة ذروتها بأن لجنة النظام والمراقبة أعطت لكل عضو مجلس نواب الحق في تحرير( ٥ ) معلمين من نظام رق الثانوية العامة.
أيام وتنتهي الثانوية العامة، وتعلن النتائج ويحصل كل طلاب بعض اللجان على مجاميع خيالية تدخلهم الأمم المتحدة -ان أرادوا- ، بينما تحرر بعض محاضر غش لبعض أبناء الفقراء علشان الوزير يطلع ف التلفزيون يتفاخر بعدد محاضر الغش التي حررها -كنا يفعل -.يفعل ضباط المرور وضباط المباحث.
أما المعلم «العبد» فيعود ليحاول تدبير المبلغ الذي استلفه، لأن الحكومة لن تصرف له بدل الانتقال الا بعد إقرار مجلس التواب للموازنة الجديدة وتوقيع رئيس الجمهورية عليها ، وكل سنة وانتو طيبين.
