فراج إسماعيل يكتب: ثلث الثلاثة كام؟!

ذات مصر

رغم أنه سؤال تافه سهل فقد اغضب طلاب الثانوية العامة الذين بدأوا "الأحد" امتحاناتهم المؤهلة لمستقبلهم الجامعي والعملي، وأغضب أيضا أولياء أمورهم، وصار "ترند" التقطته قنوات فضائية خبرية خارجية كقناة الجزيرة.
الغضب لأنه امتحان في اللغة العربية.

 توقعوا أن يكون سؤالًا في النحو الذي أرق ليلهم ونهارهم وأفلس جيوب آبائهم وقد سلموا ما يملكون من دخول هزيلة لأباطرة الدروس الخصوصية، مقابل أن يسهلوا لأبنائهم القبض على نون الوقاية ونون النسوة والممنوع من الصرف وأحكام المعتل الآخر والبدل ونائب الفاعل والضمائر والمفعول به والمفعول لأجله، والفاعل الحاضر والغائب!

فإذا واضع الامتحان يتعامل مع كل تلك القواعد على أنها مجرد "هجص" لا يفيد دارسه في حياته العملية، وقلب الممنوع من الصرف إلى صرف حسابي مستلهمًا المقولة الخالدة للمصريين عندما يسخرون من أنفسهم في الحارة والشارع والأسواق "تلت التلاتة كام" في إشارة إلى سطحية الفهم والمعرفة.

واضع الامتحان طور المقولة إلى "تلت التسعة كام" فربطها بالإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، لنقلها من الماضي البعيد، من أيام المماليك إلى عصر الرقمنة.

ظني وليس كل الظن إثمًا أنه أراد السخرية من النظام التعليمي برمته، ومن مناهج الحشو التي لا تعود على الطالب بفائدة في وزن ذبابة، ولكنها تملأ خزائن عيادات الدروس الخصوصية ومراكزها بأطنان الأوراق النقدية.

في بعض المواد يكتظ المركز الواحد بأكثر من ألف طالب، ولك أن تتخيل ما هي الشنطة التي تكفي ما يدفعه هؤلاء الطلاب؟!

قال أحد المتحدثين من وزارة التعليم مبررًا السؤال ردا على عمرو أديب في برنامجه واسع المشاهدة، إنها قطعة قراءة حرة لقياس ذكاء الطالب!

أي ذكاء في سؤال عن 9 ساعات يقضيها الناس في دول معينة أمام الإنترنت يوميًا، الثلث منها أمام وسائل التواصل، فما عدد الساعات التي يقضونها أمام وسائل التواصل؟!

الفلاح الفصيح وهو يحصد قمحه سيجيب بسخرية: هو ده سؤال.. طبعا تلت التسعة تلاتة!

الطلاب السهرانين في مطاردة نون النسوة ونون الوقاية والمحسنات البديعية والاستعارة المكنية، بهتوا و ارتبكوا، وضربوا أخماسا في أسداس، ومن أسعدهم الحظ أو التوفيق باصطحاب آلة حاسبة في امتحان للغة العربية، أخرجوها لتعينهم في اصطياد تلت التسعة!

درجتان لهذا السؤال السخيف كافيتان لإبعاد المشتاقين عن الطب والهندسة، والزج ببعضهم في معهد متوسط لا تؤهل شهادته لبيع البطيخ!

لكن سيادة الخبير الذي اخترع السؤال أحسن صنعا، وكان ذكيًا في انتقاد تعليم مترهل دون أن يمسك عليه كباره ما يحاسبونه به أو يقولون له "تلت التلاتة كام".

وقد عبرت إحدى بناتنا عن تعاستها ساخرة على فيسبوك " لو قرأ طه حسين هذا السؤال لعاد له بصره"!.. لقد تعبت وسهرت في قراءة عميد الأدب العربي فإذا تفاجأ بسؤال سخيف في الحساب!
بعضهم يخشى أن يأتيه سؤل في الكيمياء عن نوادر جحا،  وسؤال في الفيزياء عن صينية الشيف الفلاني وتفاعل البطاطس مع رائحة اللحمة التي ستختفي قريبًا من مائدة المصريين.. وربما اختفت من موائد البعض.

سؤال ستحتفظ به ذاكرة الأيام الحبلى بالمضحكات المبكيات. لكن ليتذكر أولئك الذين أثقلوا حياتنا بتطوير التعليم أنهم لم يزيدوا الصفر إلا أصفارا، وأن التوصل إلى ثلث التسعة هو أعلى خيل يمكن أن يصل إليه خريجو نظام تعليمي صفري!