أحمد عطا يكتب: عندما تحاضر العاهرة في الشرف

ذات مصر

الإصرار على المضي في محاكمة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، هو ورقة انتخابية أشبه بالصواعق الكهربائية، يراهن عليها الديمقراطيون بإصرار غريب، يدهش الدوائر السياسية على مستوى العالم، ولكن ترامب لم يعد يخاف على شيء، فقد وقف أمام كاميرا «فوكس نيوز» منذ عدة أيام، بعد خروجه من المحكمة الفيدرالية، يفند ويتوعد ويهدد بشكل مباشر بنشر فضائح من سابقوه في المشهد الرئاسي داخل البيت الأبيض، ولكن ترامب الملياردير وليس الرئيس يمتلك استثمارات في منطقة الخليج تتجاوز 5 مليارات دولار، أشهرها منطقة الجولف في دولة الإمارات، في الوقت نفسه هو يتمتع بشبكة علاقات دولية مع أصحاب الياقات البيضاء، لهذا لم تحاول أي دائرة حكومية على مستوى العالم الانحياز في صف المحافظين الجدد الذين يديرون المشهد السياسي داخل البيت الأبيض، خوفًا على مصالحهم المباشرة مع شركات ترامب العالمية، فالكل يرفع شعار: «ما لله لله وما لقيصر لقيصر».

في الوقت نفسه، الرئيس العجوز جو بايدن يقاتل ويتمعن في إذلال ترامب بجعله أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية يركب سيارة الترحيلات ويوضع في القفص. ولكن بعض الدوائر السياسية الأميركية فسرت هذه الحرب بين الرئيس السابق والرئيس الحالي بحصول ترامب على معلومات موثقة من المخابرات الروسية، على تورط نجل جو بايدن الرئيس الحالي في ملفات فساد ضخمة تتجاوز 30 مليار دولار في أوكرانيا التي خسرت جزءًا من تاريخها الجغرافي بعد معارك عسكرية لصالح الدب الروسي، تآكلت على آثارها الاقتصاديات الهشة في المنطقة العربية التي تصرخ من آثار هذه الحرب اقتصاديًا.

ولكن ما حدث صباح اليوم السبت أدهش العالم؛ بل ربما يعصف بتاريخ المخابرات الروسية، عندما أعلن قائد قوات «فاجنر» (بريفوجين) التمرد؛ بل طالب قواته داخل روسيا بمحاربة الجيش الروسي، لهذا وصف المحللون الروس بريفوجين بأنه «راسبوتين 2023»، ولكني أتساءل: إذا صح ما وصفه المحللون الروس بأن هناك خيانة وقع فيها قائد قوات «فاجنر»، فكيف تمت صناعة هذا التحول بتكوين خطة إشعال ذاتي في روسيا؟ هل هذا التحول هو صراع استخباراتي شرقي غربي دفعت ثمنه روسيا الآن التي تواجه مصيرًا مجهولًا في إطار خيانة عسكرية مكتملة الأركان، وخصوصًا أن «الناتو» صرح بأنه يراقب الموقف في روسيا؛ خصوصًا أنه أول تمرد عسكري يحدث في الداخل الروسي عبر تاريخها، وما بين الصراع الروسي والصراع الروسي الغربي يبقى السؤال: ما هو مستقبل الشرق الأوسط في حالة إسقاط الدب الروسي وانتصار المعسكر الغربي؟

الشرق الأوسط، وفي مقدمته دول الخليج العربي التي تحاول إيجاد صياغة جديدة في إطار تحالفات المصالح المتبادلة، بهدف التخلص من فكرة الصراع التقليدي، واستبدال حزمة من المصالح إقليميًا ودوليًا به، وهو ما نجح فيه الثلاثي الخليجي: المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات، ودولة قطر التي تتمتع بنفوذ قوي دوليًّا؛ نظرًا لأنها البديل المهم عن الغاز الروسي، ومعها دولة الجزائر، أما عن بقية دول الشرق الأوسط فهي تقاتل من أجل التعافي من الآثار الاقتصادية المدمرة للحرب الروسية الأوكرانية، وفي مقدمتها مصر.

ولكن على الجانب الآخر، أصبح المشهد السياسي الأمريكي تجاه المنطقة العربية يثير الشفقة والقلق على ما يدور في فلسطين من استمرار التوسع في المستوطنات من الجانب الإسرائيلي، والقتل الممنهج للشعب الفلسطيني، في الوقت نفسه السودان يتحرك في اتجاه تقسيم ثلاثي الأبعاد، بعد أن اكتفى وزير الخارجية الأمريكي بمطالبة طرفي الصراع العسكري بالتهدئة فقط! وكأن الأمريكان لا يعلمون مَن أشعل هذه الحرب! وهو الموقف نفسه في ليبيا واليمن والعراق. شعوب تمزقت تحت شعارات «الربيع العربي» التي رفعتها الولايات المتحدة عام 2011، واكتفت الآن بالتنظير والمطالبة بالتهدئة، وهي تشبه العاهرة التي تحاضر في الشرف وتدعو الجميع للتوحد حول مبادئها!